#
  • فريق ماسة
  • 2025-05-03
  • 1155

"مشروع ممر داوود".. مخطط إسرائيلي مؤجل في سوريا أم خيال جيوسياسي؟

في زحمة التحولات الدراماتيكية التي تمر بها سوريا منذ سقوط نظام الأسد وصعود السلطة الجديدة، برز مجدداً الحديث عن ما كان يُعرف بمشروع "ممر داوود"، وهو مصطلح يلفه كثير من الغموض والتهويل أحياناً، ويُطرح كجزء من سرديات أوسع مرتبطة بفكرة "إسرائيل الكبرى" الممتدة من النيل إلى الفرات. في خضم هذه الضبابية، يصبح السؤال المطروح بحدة؛ هل نحن أمام مشروع واقعي قابل للتنفيذ؟ أم أننا أمام فرضية جيوسياسية تُستخدم كورقة ضغط في لعبة النفوذ الإقليمي؟  

“ممر داوود”.. من أسطورة إلى فرضية سياسية؟ 

يُطلق مصطلح "ممر داوود" على تصور إسرائيلي يُقال إنه يستهدف إنشاء ممر بري يمتد من مرتفعات الجولان السوري المحتل وصولاً إلى إقليم كردستان العراق، مروراً بجنوبي سوريا وشمالها الشرقي. يُروّج هذا التصور بوصفه الخطوة الأولى لتحقيق رؤية "إسرائيل الكبرى"، وهو مشروع لا ينفك يظهر في لحظات التوتر الإقليمي كعنصر تعبئة داخل إسرائيل ووسيلة ضغط خارجها.

من الناحية الجغرافية، يبدو الممر امتداداً لمناطق ذات حساسية مفرطة؛ الجولان المحتل، درعا، السويداء، البادية السورية، دير الزور، ثم الحدود العراقية–السورية نحو مناطق كردستان العراق. هذه الحيثيات توضح أن المشروع، حتى وإن كان على الورق قابلاً للرسم، إلا أنه يواجه تشابكاً فريداً من اللاعبين لا يسمح بتحويل الخطوط الجغرافية إلى مسارات ميدانية من دون ثمن باهظ. الباحث في الشؤون الإسرائيلية، مصطفى صوالحة يشير خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" بأنه "في ظل حالة التصدع العميق التي تمرّ بها المنطقة، تتحرك إسرائيل بخطى مدروسة لتعزيز طموحاتها الإقليمية القديمة–الجديدة، مستفيدةً من التحولات الجذرية التي شهدتها الساحة السورية.

ما كان يُعد سابقاً مجرد تكهنات أو تصورات نظرية بات اليوم يُطرح كاحتمال أكثر واقعية المتمثل بـ مشروع ممر داوود، الذي يندرج ضمن سياق أوسع يعكس السعي الإسرائيلي لإعادة تشكيل موازين القوى في الجوار السوري". السياسي السوري، هشام مسالمة، تحدث بدوره لموقع "تلفزيون سوريا" بالقول إن "طرح هذا المشروع الإسرائيلي، هو إعلامي بالدرجة الأولى، أكثر من كونه قابلاً للتطبيق. إسرائيل دولة توسعية نعم لكن هناك الكثير من المستفيدين من هذا الترويج الإعلامي. وإن كان هذا المشروع هدف لإسرائيل، ولكن عوامل ومقومات التنفيذ غير مطروحة في الوقت الحالي"  

كيف استغلت إسرائيل انهيار دمشق؟  

في أواخر عام 2024، نفّذت إسرائيل عملية عسكرية موسّعة أطلقت عليها اسم "سهم باشان"، شملت ضربات مكثفة استهدفت القنيطرة وجبل الشيخ وصولاً إلى تخوم درعا، وأسفرت عن تدمير الجزء الأكبر من البنية الاستراتيجية السورية، هذا التصعيد جاء متزامناً مع تطورات داخلية غير مسبوقة في دمشق، حيث أُطيح بنظام بشار الأسد أدى بعدها إلى حدوث فراغٍ سياسي وأمني.  

هذا الفراغ منح إسرائيل فرصة نادرة لتثبيت حضورها في الجنوب السوري وتعزيز أوراقها على الأرض، مستندةً إلى مشهد سوري مأزوم تعاني فيه الدولة من هشاشة غير مسبوقة. من أبرز ملاحظات المحللين أن المشروع الإسرائيلي يزدهر كلما ازداد المشهد السوري ضعفاً، ومع أن الإدارة السورية تسعى إلى فرض سيطرة مركزية على كامل الجغرافيا، إلا أن الوقائع تشير إلى وجود فراغات استراتيجية تُمكّن أطرافاً خارجية من التفكير بمشاريع توسعية.  

هنا لا نتحدث عن تقصير مباشر بالمعنى الحرفي، بل عن محدودية في الإمكانات والهيكلة التي تسمح لمشاريع مثل "ممر داوود" بالظهور كفرضية قابلة للتداول في المشهد الإعلامي والسياسي. تُبرر إسرائيل تدخلاتها في سوريا مؤخراً، ففي الأول من أيار الجاري نفذت إسرائيل غارات جوية بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق، مدعية أن الهدف هو حماية الطائفة الدرزية من هجمات محتملة.

لكن، يُنظر إلى هذه التحركات على أنها جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى توسيع النفوذ الإسرائيلي في سوريا، خاصة في المناطق الحدودية. في حين أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الـ 23 من شباط الماضي أن إسرائيل تطالب بـ"نزع السلاح الكامل" في جنوبي سوريا، مشيراً إلى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، كما أكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيبقى في هذه المناطق "لفترة غير محددة" ومنع أي تهديدات محتملة.  

الهلال الإسرائيلي وممر داوود 

مفهوم "إسرائيل الكبرى" الذي ينطلق منه مشروع "ممر داوود" لم يكن مجرد شعاراً سياسياً لحركات يمينية متطرفة، بحسب المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، بل إن المفهوم هو سردية متجذرة في الفكر الصهيوني الكلاسيكي، وقد اتخذ هذا المفهوم صوراً متعددة؛ فعلى المستوى الجيوسياسي تجسّد في محاولات تطويق العمق العربي بعلاقات أمنية وتجارية، فيما سُمّي بـ "الهلال الإسرائيلي" الذي يربط بين دول الطوق من خلال مشاريع الطاقة والنقل، بحسب ما تشير إليه تقارير صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب.

ويُقصد بـ"الهلال الإسرائيلي" ذلك القوس الجغرافي الذي تسعى إسرائيل إلى رسمه عبر اتفاقيات ومشاريع استراتيجية تربط بين الأردن، مصر، دول الخليج، وقبرص واليونان، بما يشبه "حزام أمني–اقتصادي" يعيد تعريف حدود إسرائيل الإقليمية ليس من منظور الجغرافيا العسكرية فقط، بل من خلال شبكات المصالح العابرة للدول.

هذا المفهوم يعكس تحوّلاً نوعياً في العقيدة الصهيونية التي انتقلت من السعي للهيمنة المباشرة إلى توسيع "مجالها الحيوي" عبر أدوات ناعمة مثل خطوط الغاز، تحالفات الاتصالات الرقمية، والموانئ المشتركة. يرى باحثون مثل عوديد عيران، أن هذا الهلال يمثل امتداداً طبيعياً لاستراتيجية إسرائيل في ترسيخ حضورها "كقوة إقليمية عظمى"، بحيث يصبح أمنها القومي مشروطاً بحماية حدودها، وبضمان استقرار وارتباط هذه الحلقات المتصلة في الهلال.

في هذا السياق، يمكن فهم مشروع ممر داوود باعتباره أحد التجليات المتأخرة لكن الأكثر نضجاً لمفهوم "إسرائيل الكبرى"، ولكن بصيغة "ما بعد استعمارية" تستبدل الاحتلال العسكري بالمشاريع الهيكلية العابرة للدول من أنابيب الغاز إلى الموانئ والسكك الحديدية، أي مشروع الاحتلال بالبنية التحتية. الهدف هنا ليس فقط التحكم بالتدفقات اللوجستية بل بناء شبكة مصالح تجعل من إسرائيل ضرورة لا غنى عنها لأي تحرك اقتصادي في المنطقة، وقد ورد ذلك في وثيقة بعنوان "رؤية 2030: إسرائيل كمركز إقليمي للبنية التحتية".  

من الطموح الأيديولوجي إلى الهيمنة بالبنية التحتية  

إذا ما حاولنا قراءة مشروع "ممر داوود" ضمن أبعاده الاستراتيجية الأعمق، فإن السؤال الجوهري لا يقتصر فقط على ما إذا كانت إسرائيل تسعى إلى إنشاء ممر بري لأغراض أمنية–لوجستية بحتة، بل يمتد إلى فهم هذا المشروع باعتباره جزءاً من استراتيجية أشمل لصناعة الوقائع على الأرض وتشكيل هندسة إقليمية جديدة. فإسرائيل، التي خبرت على مدى عقود معنى أن تكون محاطة بجغرافيا عدائية، تدرك أن السيطرة الأمنية وحدها لا تكفي لتحقيق الاستقرار الدائم، بل يتطلب الأمر خلق بنية تحتية إقليمية ترتبط عضوياً بمصالحها وتحوّل وجودها من حالة استثنائية إلى حقيقة طبيعية لا يمكن تجاوزها. هذا الطموح يتضح في الطريقة التي أعادت بها إسرائيل تشكيل سياساتها تجاه الأطراف العربية، فقد انتقلت من نموذج المواجهة العسكرية المباشرة إلى نموذج أكثر نضجاً قوامه اختراق شبكات الاقتصاد والطاقة والنقل،

كما تجلى في الاتفاقيات الإبراهيمية ومشاريع الغاز والربط اللوجستي. من هذا المنظور، يمكن اعتبار "ممر داوود" ليس مجرد مشروع أمني بل خطوة استراتيجية تهدف إلى تغيير قواعد اللعبة في المشرق العربي برمّته، عبر فرض واقع جديد يجعل من إسرائيل محوراً حيوياً للتجارة والربط بين آسيا وأوروبا. وهنا تبرز فكرة "خلق الوقائع على الأرض" باعتبارها منهجية إسرائيلية ثابتة، حيث يتم استغلال كل نافذة ضعف أو فراغ سياسي لإرساء معالم جديدة يصعب على الأطراف الأخرى التراجع عنها لاحقاً. هذا ما شهدناه في الضفة الغربية من توسع استيطاني، وفي الجولان من محاولات لشرعنة الاحتلال، والآن يظهر على شكل مشاريع هيكلية تحاول إعادة تعريف خطوط النفوذ والهيمنة الإقليمية.  

إسرائيل تدرك أيضاً أن مشروعات من هذا النوع تمنحها ورقة قوة إضافية في أي مفاوضات مقبلة، إذ يصبح الحديث عن السلام أو الاستقرار مشروطاً بقبول أمر واقع بات معقداً للغاية من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية. وفي الحالة السورية تحديداً، فإن مثل هذه المشاريع تمثل تحدياً مزدوجاً، فمن جهة تُضعف السلطة الجديدة الناشئة عبر استنزافها في معارك سياسية وأمنية جديدة، ومن جهة أخرى تمنح إسرائيل هامش مناورة أوسع في المحافل الدولية عبر تقديم مشاريعها باعتبارها مساهمات في إعادة الإعمار والتنمية،

ما يخلط أوراق اللعبة بشكل يجعل من الصعب فصل الأمن عن السياسة عن الاقتصاد. السياسي السوري، هشام مسالمة، اعتبر خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" بأن "إسرائيل لديها مخاوف أمنية على أمنها القومي بسبب وصول سلطة انتقالية جديدة تعبتر أنها قد تشكل خطرا حقيقيا على أمنها. لا أعتقد أن الوضع الحالي في سوريا قابل لتنفيذ مشاريع توسعية على الأرض. قد يكون الأمر متعلق ببضعة كيلومترات محاذية للحدود وهي مؤقتة بدافع حماية أمنها القومي لا أكثر. يجب أن لا يغيب عن ذهننا اللاعب الإيراني في هذه الحالة، هذا المشروع له علاقة بمستقبل الشرق الأوسط وأمن إسرائيل، ولكن المشروع يبقى متعلقاً بالاتفاق الإيراني الأميركي حول الملف النووي"  

ممر داوود.. بين الطموح الإسرائيلي وحدود الواقع السوري  

إن تقييم مشروع "ممر داوود" من منظور توازنات القوى يكشف لنا بوضوح أن هذا الطموح، وإن كان يعبر عن رغبات سياسية وأمنية راسخة في العقيدة الإسرائيلية، إلا أنه يصطدم بواقع معقد يفرض على تل أبيب حدوداً يصعب تجاوزها بسهولة.  

لا يمكن لمشروع بهذا الحجم أن ينجح من دون قوة عسكرية ولوجستية قادرة على فرض الاستقرار الميداني، وهو أمر يبدو بعيد المنال في المرحلة الراهنة. العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، رغم كونها فاعلة في توجيه رسائل ردع، لم تُفلح في إنشاء بنية ميدانية دائمة تتيح لإسرائيل التمدّد العميق داخل الأراضي السورية.

ولعل أبرز تحدٍّ هو ما أشارت إليه الباحثة الإسرائيلية كارميلا شمعوني، التي أكدت في ورقة تحليلية حديثة أن "الحفاظ على أي محور بري استراتيجي يتطلب ليس فقط تفوقاً عسكرياً بل قدرة على ملء الفراغات السياسية والإدارية، وهو ما لا تملكه إسرائيل في العمق السوري حتى اللحظة". رغم هشاشة الإدارة السورية الجديدة وافتقارها إلى شبكة مؤسساتية قوية، إلا أنها تبقى لاعباً أساسياً في حسابات القوى الخارجية، خصوصاً أن وجودها ولو في صورته الرمزية، يمنع أي طرف خارجي من فرض سيطرة مطلقة من دون كلفة سياسية. من هنا، فإن إسرائيل، التي تراهن على ضعف البنية المركزية في دمشق، تصطدم بمعضلة أن الفراغ ليس مساحة سائبة بل حلبة نزاع مستمر بين قوى محلية ودولية. تاريخياً، سعت إسرائيل إلى الحفاظ على نموذج السيطرة المرنة؛ تدخل عسكري عند الضرورة، لكن من دون الغرق في مستنقعات الاحتلال الطويل.

تجربة جنوبي لبنان تبقى شاهدة على أن الانخراط العميق والمطوّل يحمل مخاطر استراتيجية هائلة. وهذا ما يجعل فكرة إنشاء ممر استراتيجي دائم – مثل "ممر داوود" – مسألة محفوفة بالعقبات، حتى لو توفرت الرغبة السياسية. الباحث في الشؤون الإسرائيلية، مصطفى صوالحة، أوضح من خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" بأن المتغيرات الجيوسياسية الأخيرة في سوريا، أعادت بلا شك تحفيز إسرائيل على إعادة صياغة استراتيجياتها التوسعية، ولكن هذه المرة بحسابات مركّبة أكثر تعقيداً. وتابع بالقول "إسرائيل تعيد النظر في كيفية استثمار هذا الوضع لصالحها دون الاضطرار للدخول في مواجهات مفتوحة. ما نشهده منذ سقوط نظام الأسد هو تزايد التحركات الإسرائيلية التي باتت أكثر جرأة في الجنوب السوري، ليس فقط عبر الغارات الجوية المستمرة بل عبر مؤشرات على سعيها لاستحداث "منطقة أمنية عازلة" غير معلنة على شاكلة ما جرى في جنوبي لبنان في الثمانينيات، لكنها هنا تتخذ شكل توازنات أمنية عبر إعادة إنتاج شبكات مصالح تضمن لإسرائيل "هدوءاً عميقاً" في جبهة الجولان". الأكثر أهمية أن إسرائيل تنظر إلى التحول السوري بوصفه فرصة استراتيجية لإحياء مشاريعها الهيكلية الكبرى، وعلى رأسها مشروع "ممر داوود"، بحسب صوالحة، فقد باتت ترى في الفوضى الحالية بيئة ملائمة لتمرير هذه المشاريع تحت غطاء اقتصادي–لوجستي، بحسب تعبيره. بمعنى أدق، إسرائيل تراهن على أن الاضطراب السوري سيفتح لها نوافذ جديدة على مستوى السيطرة غير المباشرة على الأرض، وعلى مستوى إعادة تشكيل خارطة المصالح الإقليمية بحيث تصبح هي صلة الوصل الضرورية لأي مشروع استقرار أو إعادة إعمار.  

بين الصين وإيران.. أين يقف "ممر داوود"؟

على مدى العقدين الماضيين، سعت إيران إلى تأسيس ممر بري يربط طهران ببيروت عبر بغداد ودمشق، ليصبح هذا الممر العمود الفقري لما يُسمى بـ"الهلال الشيعي". الفكرة هنا ليست فقط اقتصادية أو لوجستية، بل تحمل بُعداً عقائدياً وأمنياً يعزز النفوذ الإيراني في الشام والعراق. ورغم ما حققته إيران من تقدم ميداني بدعم حلفائها المحليين (قبل سقوط نظام الأسد)، إلا أن هذا المشروع واجه مقاومة عنيفة من القوى الدولية والإقليمية (خاصة أميركا وإسرائيل)، كما اصطدم بعوامل لوجستية وجغرافية معقدة، وهو ما يمكن إسقاطه على مشروع "ممر داوود"، حيث تُعدّ السيطرة الدائمة على الممرات البرية في بيئات مضطربة مهمة شبه مستحيلة من دون توافقات عميقة أو استنزاف طويل الأمد.  

وعلى مستوى عالمي، تبرز مبادرة "الحزام والطريق" الصينية كمثال أكثر نضجاً واحترافية على كيفية تحويل الجغرافيا إلى قوة اقتصادية وجيوسياسية. المشروع يربط آسيا بأوروبا وأفريقيا عبر شبكات معقدة من الطرق البرية والبحرية، معتمداً على استثمارات هائلة وشراكات استراتيجية مع الدول المضيفة. ما يميز المشروع الصيني؛ مقارنةً بمشروع "ممر داوود"، هو أن بكين تتجنب التورط العسكري المباشر، وتُفضّل خلق بيئات تعاون اقتصادي وسياسي بدلاً من فرض الوقائع بالقوة. هذا يعكس درساً محورياً بأن السيطرة الناعمة والاعتماد على القوة الاقتصادية يمنحان مشروعات الربط الإقليمي فرصاً أكبر للاستمرارية مقارنة بالمشاريع القائمة على القوة العسكرية فقط. يواجه مشروع "ممر داوود" واقعاً شديد التعقيد يتمثل في استراتيجيات أميركية وتركية صارمة تضع قيوداً واضحة على أي محاولات لتغيير قواعد اللعبة في سوريا، فرغم الشراكة الاستراتيجية العميقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن واشنطن ليست على استعداد دائم للسماح بتوسع إسرائيلي غير منضبط في الساحة السورية. منذ 2015، رسّخت الولايات المتحدة وجودها العسكري في قاعدة التنف، التي تمثل نقطة استراتيجية تربط الحدود السورية–العراقية–الأردنية، وتعد اليوم حجر أساس في مشروعها لضبط الممرات البرية الإقليمية. إضافة إلى ذلك، تنظر واشنطن إلى مشاريع الربط البري سواء أكانت إيرانية أم إسرائيلية؛ بعين الريبة، كونها تمسّ بالعمق بالاستراتيجية الأميركية القائمة على تفكيك شبكات الربط الإقليمي المستقلة، منعاً لخلق تحالفات تتجاوز الرقابة الأميركية.  

من الجانب التركي، تبدو الحساسية أشدّ وضوحاً. أنقرة ترى في أي تحرك إسرائيلي باتجاه شمال شرقي سوريا تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي، خاصة إذا ترافقت هذه التحركات مع تعزيز أي نفوذ كردي محتمل. ومنذ 2024، عززت تركيا وجودها العسكري في مناطق مثل تل أبيض ورأس العين، لتأكيد خطوطها الحمراء بوضوح. في شهر نيسان الماضي، صرّح وزير الدفاع التركي يشار غولر قائلاً: "تركيا لن تسمح بأي ترتيبات جديدة في شمال سوريا تعيد خلط الأوراق، سواء أكانت برعاية أميركية أو إسرائيلية. أمننا القومي خط أحمر، وسنتعامل مع أي تهديد كما فعلنا دائماً". هذه الرسائل تعني أن إسرائيل، حتى لو رغبت في الدفع بمشروع مثل "ممر داوود"، ستواجه معارضة تركية حادة، وقد تجد نفسها عالقة بين ضغوط الحليف الأميركي وتحفظات الشريك التركي (رغم حالة التوتر المزمنة بين تل أبيب وأنقرة). يمثّل مشروع "ممر داوود"، رغم طموحه الظاهري، تحدياً بالغ التعقيد على المستويين السياسي والميداني في سوريا خلال المرحلة الحالية.  تصطدم الطموحات الإسرائيلية بعقبات لوجستية كبرى، ليس أقلها الحاجة إلى تأمين البنية التحتية والحماية العسكرية طويلة الأمد، وهو أمر يتعارض مع العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تسعى إلى تجنب الغرق في مستنقعات احتلال بري. كل ذلك يجري تحت مظلة رقابة دولية حساسة تجاه أي مشاريع توسعية تهدد بإحداث تغييرات جيوسياسية كبرى في المنطقة. وعليه، يمكن اعتبار مشروع "ممر داوود" في الوقت الراهن أقرب إلى فرضية استراتيجية تراهن على هشاشة الوضع السوري، لكنه يفتقر إلى الشروط الواقعية التي تسمح بتحويله إلى خطة تنفيذية ناجزة.   تابعنا عبر Google News تابعنا عبر التيلجرام كلمات مفتاحية سوريا الاحتلال الإسرائيلي تركيا السويداء جنوبي سوريا درعا الإدارة السورية الجديدة ممر داوود قسد الكرد دمشق أخبار سوريا القوات الأميركية في سوريا مبادرة الحزام والطريق الاقتصاد الصين شارك هذا المقال اخترنا لك جهاز كشف الكذب يُحرج خالد القيش.. ماذا قال عن "آسر"؟ | فيديو القهوة أم الشاي.. أيهما يمنحك طاقة وتركيزاً أفضل صباحاً؟ مادة بلاستيكية شائعة تتسبب بأكثر من 365 ألف وفاة قلبية سنوياً.. ما هي؟ ريال مدريد أم برشلونة.. من الأكثر فوزاً بالبطولات تاريخياً؟ غوغل تتيح إنشاء بودكاست باللغة العربية عبر الذكاء الاصطناعي.. إليك الطريقة الأكثر قراءة إعلام عبري: نتنياهو وكاتس صادقا على ضرب أهداف إضافية في سوريا تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي




المصدر : تلفزيون سوريا


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة