دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من المتوقع للمصارف السورية التي عانت من عزلة ونبذ خلال سنين طويلة بعيداً عن النظام المالي العالمي، أن تستأنف علاقاتها مع المصارف الأجنبية في غضون أسابيع، وذلك بحسب ما أعلنه حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، ما يمثل تطوراً مهماً في مخطط البلد لاستعادة مكانته في الاقتصاد العالمي.
يعلق حصرية على ذلك بقوله: "لن نترك أحداً، أي أن المصارف المحلية عموماً سيصبح لديها بنوك مراسلة في غضون أسابيع". تشتمل العمليات المصرفية بالمراسلة على مصرف محلي وآخر أجنبي يلعب دور وسيط بالنسبة للحوالات الخارجية، وتلك خطوة مهمة بالنسبة لعملية إجراء الحوالات من سوريا وإليها، بعد أن توقفت كلياً تقريباً خلال الحرب السورية التي امتدت 14 سنة، ولم تجر خلال تلك الفترة سوى بعض عمليات التحويل المحدودة التي خضعت لقوانين وقيود صارمة.
ذكر المصرفيون السوريون بأن نقاشات مع نظرائهم الأجانب تجري على قدم وساق نحو الوجهة الصحيحة، وقد وافق بعضهم على استئناف العلاقات.
هذا ويسعى حصرية للتقرب من كبرى المصارف الأميركية حتى تقيم علاقات مع شركاء محليين وتفتتح مكاتب لها في سوريا، وذلك بعد قرار الرئيس الأميركي دوناالد ترامب القاضي برفع العقوبات الشاملة عن الاقتصاد السوري في أيار الماضي.
ففي إشارة للولايات المتحدة يقول حصرية: "يستحيل تجاوز اقتصاد يشكل 26.1% تقريباً من إجمالي الناتج العالمي".
منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، عملت سوريا على إعادة الاندماج ضمن الاقتصاد العالمي، مع إذكاء جذوة علاقاتها مع القوى الغربية من جديد.
ففي أيار الفائت، التقى الرئيس أحمد الشرع، بالرئيس الأميركي ترامب في الرياض، فأثنى عليه الأخير ووصفه بأنه: "شاب جذاب وصلب يتمتع بماض صلب". وخلال الأسبوع الماضي، عقد حصرية اجتماعاً افتراضياً مع مصارف محلية وأميركية، إلى جانب مسؤولين أميركيين كان بينهم المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، وذلك في محاولة منه لتسريع عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي، ولهذا يقول: "لقد كنا واضحين عندما أعربنا عن هدفنا المتمثل بإقامة علاقات شاملة مع القطاع المالي الأميركي..
وقد جرى اللقاء على خير ما يرام.. فكان ذلك أول تعامل من نوعه بعد أكثر من 50 سنة من المقاطعة الفعلية".
عملية متواصلة لا حدث وحيد
جرى تشديد العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري، والتي شملت قيوداً استهدفت المصرف المركزي، بعد عام 2011، جراء القمع العنيف الذي مارسه الأسد بحق المظاهرات السلمية.
وقد أسهم ذلك بخلق أزمة اقتصادية حادة جعلت واحداً من بين كل تسعة سوريين يعيش تحت خط الفقر.
لذا فإن العودة لربط سوريا بالنظام المالي العالمي يعتبر خطوة مهمة بالنسبة لها وذلك حتى تستقطب مليارات الدولارات من أجل تمويل عملية إعادة الإعمار، وهذا التمويل لابد أن يتدفق على البلد بعد الحرب المدمرة التي عاشتها.
رحب خبراء ومسؤولون برفع معظم العقوبات التي أضعفت سوريا، لكنهم حذروا في الوقت نفسه من أن عملية التعافي الاقتصادي الكاملة ماتزال بعيدة عن التحقق.
أكد مراقبون بأن تلك الخطوة لا تعني عودة العلاقات المقطوعة منذ أمد بعيد مع المصارف الأجنبية بشكل تلقائي، وأعربوا عن قلقهم بالنسبة للالتزام بالقوانين والقواعد المرعية لمكافحة عمليات غسل الأموال بعد سنوات من العزلة.
غير أن حصرية أعلن بأن القطاع المالي السوري ملتزم بالمعايير الدولية ومتمسك بها إلى أقصى الحدود، وقال: "قدمت المصارف السورية شرحاً حول مدى التقدم الذي حققته والممارسات الحالية المتبعة فيها وذلك بالنسبة للالتزام بمكافحة غسل الأموال ومناهضة تمويل الإرهاب"،
وأضاف: "إن المصرف المركزي ملتزم تمام الالتزام بتحديث نظمه ومراعاة المعايير الدولية ضمن رؤيتنا الأوسع للاندماج من جديد".
وذكر حصرية بأن العودة لدمج سوريا ضمن الاقتاصد العالمي يعتبر "ممارسة" أكثر من كونه حدثاً يتم لمرة واحدة، وقال: "إن أول حجر أساس يتمثل برفع العقوبات، ثم إقامة علاقات مع مصارف مراسلة وترخيص مؤسسات مالية جديدة، وهذا ليس حدثاً يتم مرة واحدة فحسب، بل إنه عملية وممارسة متواصلة ومقسمة لمراحل وأطوار تهدف إلى عودة سوريا للمشاركة في النظام المالي العالمي بشكل كامل".
يذكر أن حصرية رسم خارطة الطريق التي يعتمدها اليوم والتي يركز من خلالها على الاستقرار النقد والمال، واستقطاب الإيداعات الأجنبية، وإقامة مصرف مركزي مستقل، وتطوير المؤسسات المالية المحلية بصورة عملية.
وذكر حصرية بأن حالة البلبلة التي
تسود المنطقة وعدم وضوح مستقبلها غيرت نظرة البلد بالنسبة للإصلاحات،
وأضاف: "في الوقت الذي يمكن للاستراتيجيات أن تتكيف مع الوقائع الجيوسياسية
وتطوراتها، لن يطرأ أي تغيير على رؤيتنا وأهدافنا".
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة