دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مع مرور عام على تحرير سوريا، شهد القطاع النقدي والمصرفي في البلاد تحولاً جذرياً حيث أطلق مصرف سوريا المركزي خطة وطنية شاملة هدفت إلى استعادة الاستقرار النقدي، وبناء الثقة وإعادة ربط سوريا بالمنظومة المالية الإقليمية والدولية.
وأهم خطوات السياسة النقدية في البلاد كانت بصدور المرسوم الرئاسي رقم 293 الذي قضى باستبدال الليرة القديمة بليرة جديدة وبتفويض المركزي لإجراء هذه العملية.
التحضيرات لإطلاق العملة الجديدة
تمكن مصرف سوريا المركزي خلال عام 2025 من التجهيز وطباعة الليرة السورية الجديدة بمواصفات حماية عالية، تهدف إلى تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، وتُسهل المعاملات، وتسهم بمكافحة التضخم، ودعم الاستقرار النقدي، ليعلن المركزي عن موعد إطلاق هذه الليرة بست فئات “5، 10، 25، 50، 100، و500” ليرة في أول يوم من كانون الثاني بداية عام 2026.
العمل رسمياً بنظام SWIFT
بعد انقطاع دام نحو أربعة عشر عاماً، استأنف مصرف سوريا المركزي العمل رسمياً عبر نظام SWIFT حيث وجّه حاكم المصرف عبد القادر الحصرية أول رسالة رسمية إلى جميع المراسلين المصرفيين، من بينهم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي أكد بدوره استلامها، ليمثل هذا الإنجاز بوابة دخول سوريا إلى النظام المصرفي العالمي.
هذا الأمر فتح الباب أمام إعادة تفعيل العلاقات المصرفية الخارجية، وتسهيل التحويلات المالية، وتعزيز متطلبات مكافحة غسل الأموال وفق المعايير الدولية، وبالتوازي، بدأت أنظمة عدد من البنوك الدولية بإضافة المصارف السورية مع ظهور خيار التحويل إلى سوريا في بنوك بتركيا وإيطاليا وألمانيا، كما فتح المصرف حساباته لدى البنوك المركزية الأخرى.
إصلاح مؤسسي وتقني
في إطار تحديث البنية الإدارية والتقنية، عمل المصرف على برامج تدريب فنية متقدمة لإعادة تأهيل الكوادر إلى جانب تحديث البنى التقنية وأمن المعلومات بالتنسيق مع وزارة الاتصالات. كما أنهى المصرف تحضير الهيكل التنظيمي الجديد له وتحديد الاختصاصات الوظيفية للوحدات بما يواكب متطلبات المرحلة المقبلة.
إدارة السيولة
من جهة أخرى، ولضمان سياسة فعالة لإدارة السيولة والعرض النقدي، ألغى المصرف جميع القيود على نقل الأموال بين المحافظات، وتم توحيد نشرات سعر الصرف في نشرة رسمية واحدة، ورفع الهوامش المسموح بها للمصارف بهدف جذب القطع الأجنبي، وتقليص الفجوة مع السوق الموازية، وتخفيف الضغط على الليرة السورية، إضافة إلى التنسيق مع وزارة المالية لإيقاف التمويل بالعجز.
حماية أموال المودعين
في هذا السياق، تم إحداث مؤسسة ضمان الودائع لحماية أموال المودعين، إلى جانب إصدار تعاميم مرنة للسحب والتحويل، وتهيئة البيئة المصرفية لعودة التحويلات والاستثمارات من الخارج، وتعزيز دور حماية “المستهلك المصرفي” من خلال إحداث مديرية متخصصة لذلك داخل المصرف.
هيئة مكافحة غسل الأموال
أعاد المصرف المركزي هيكلة هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأعد الخطة الوطنية للفترة 2026–2028 إلى جانب التحضير للتقييم المتبادل الدولي عام 2027 كما جرى توقيع وإعداد مذكرات تفاهم وطنية، والمشاركة الدولية الفاعلة في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENAFATF وفي ورشات العمل في الأردن والسعودية بالتعاون مع مجموعة إيغمونت للتحريات المالية، إضافة إلى تعزيز التنسيق مع وزارة الداخلية في إطار تكامل أمني مالي لحماية الاستقرار الاقتصادي.
الانضمام لمنصة مدفوعات عربية
خلال الأشهر الماضية أقرّ المصرف المركزي البنية الوطنية للدفع الإلكتروني، ويجري التحضير حالياً لإطلاق محول وطني مركزي يربط الصرافات ونقاط البيع والبطاقات، كما تم توقيع مذكرة تفاهم مع Mastercard والاتفاق مع شركة Visa على خارطة طريق للمدفوعات الرقمية، دعماً للشمول المالي والتتبّع الرقمي للمعاملات، ووافق صندوق النقد العربي على انضمام سوريا إلى منصة ” بُنى” للمدفوعات العربية.
الإصلاح التشريعي
من جهة أخرى عمل المصرف على تعديل قانون النقد الأساسي رقم 23 لعام 2002 وإلغاء القوانين الاستثنائية المجحفة، وإعداد التعليمات التنفيذية لمصارف الاستثمار، إضافة إلى إطلاق لجنة للإشراف على الذهب. وضمن جهود تنشيط القطاع المصرفي، تتم دراسة منح تراخيص لمصارف تقليدية وإسلامية ومصارف تمويل أصغر، مع ترخيص 26 شركة صرافة وحوالات تحت رقابة مصرف سوريا المركزي، كما جرى التنسيق مع المصارف الخاصة بعدة أمور أخرى، واعتماد ورقة سياسات لإنشاء سوق نقدي بين المصارف.
التعاون الدولي
أعاد المصرف تفعيل التعاون مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وصندوق النقد العربي، إلى جانب عقد ورشات عمل مشتركة لتطوير الإحصاءات والنظم النقدية، كما جرى بحث التعاون المالي مع دول صديقة مثل السعودية والإمارات وقطر والأردن وتركيا، والمشاركة في القمة المصرفية السورية الأردنية في عمّان.
ما سبق ذكره، شكّل بمجمله إستراتيجية وطنية شاملة يعمل المركزي من خلالها على إعادة بناء القطاع النقدي والمصرفي، وفق محاور الاستقرار النقدي، والتحول الرقمي، وإصلاح التشريعات، وإعادة الاندماج الدولي، والشمول المالي، حيث تُعد هذه الإستراتيجية وفق المركزي الإطار الحاكم لكل خطوات الإصلاح الحالية والمستقبلية.
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة