عندما غزت الولايات المتحدة افغانستان قبل 10 سنين، كانت المهمة المعلنة، على الاقل، واضحة: الانتقام من تنظيم "القاعدة" المسؤول عن هجمات ايلول الارهابية، ومعاقبة نظام "طالبان" الذي كان يحتضن "القاعدة". بعد عقد من الزمن، و1800 قتيل اميركي، وعشرات آلاف القتلى من الافغان، وبعد انفاق أكثر من 462 مليار دولار على أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، تبدو الصورة اليوم مبهمة و معقدة ومربكة لجميع المعنيين بها: الولايات المتحدة، وحلفاؤها في حلف شمال الاطلسي، افغانستان، والدول الاقليمية المعنية بالقتال: باكستان والهند وايران.

الصورة مربكة ومحبطة في الدرجة الاولى لنحو مئة الف عسكري اميركي في افغانستان. نصف الجنود الاميركيين رأوا ان الحرب في افغانستان مبررة. في البداية كان هناك دعم شعبي اميركي عارم لغزو افغانستان، رافقه تأييد وتفهم عالميان لضرورة معاقبة تنظيم "القاعدة" والنظام السياسي الذي احتضنه في افغانستان. ولكن الغطاء الايديولوجي الذي اعطاه الرئيس السابق جورج بوش للغزو، في سياق ما سمي "عقيدة بوش"، وتحويل النزاع من عمل عسكري محدود للتخلص من "القاعدة" و"الطالبان"، الى عملية اعادة بناء للدولة والمجتمع في افغانستان وانشاء نظام يشاطر الولايات المتحدة قيمها، كان بداية المأزق الاميركي الطويل في افغانستان.

بعد عشر سنين ما الذي حققته الولايات المتحدة وحلفاؤها في افغانستان؟ اطاحة سريعة بنظام "طالبان"، وحرب استنزاف طويلة ضد "القاعدة" و"طالبان"، ادت في ايار الماضي بعد عقد من الزمن تقريبا على الغزو الى مقتل زعيم "القاعدة" اسامة بن لادن. خلال الاعوام العشر الماضية وخصوصا منذ وصول الرئيس باراك اوباما الى البيت الابيض، تخلصت الولايات المتحدة من عشرات قادة "القاعدة" و"طالبان" في افغانستان وباكستان من خلال الهجمات التي تقوم بها طائرات من دون طيار، وهي هجمات، على رغم فعاليتها العسكرية، الا انها جلبت معها توترا جديدا في العلاقات مع باكستان وحتى افغانستان بسبب الخسائر البشرية التي تصاحبها بين وقت وآخر. في نهاية السنة المقبلة  سيسحب الرئيس اوباما اكثر من 30 الف جندي من افغانستان، ومع نهاية 2014 من المتوقع ان يتم سحب جميع القوات الاجنبية من البلاد. وأكثر ما يمكن ان تأمل به الولايات المتحدة هو وجود نظام سياسي في كابول قادر على حماية العاصمة والمرافق الحيوية في البلاد. ولا احد يتوقع ذلك من دون تقدم جهود "الوفاق الوطني" التي تعني جلب بعض عناصر حركة "طالبان" للمشاركة في. هذه الجهود منيت اخيرا بضربة قد تكون قاضية، عقب اغتيال الرئيس الافغاني السابق برهان الدين رباني في ايلول، والذي كان يشرف على الاتصالات مع "طالبان"، وعقب الاغتيال اعلن الرئيس حامد كرزاي تخليه عن هذه الاستراتيجية.

القائد السابق للقوات الدولية في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال، لخص المأزق الاميركي في افغانستان قبل ايام حين قال: "لم نكن نعلم ما فيه الكفاية، ولا نزال لا نعلم ما فيه الكفاية. معظمنا، بمن فيهم انا، كان لدينا معرفة سطحية باوضاع افغانستان وتاريخها، وكان لدينا نظرة مبسطة ومخيفة بتاريخها القريب أي آخر 50 سنة".

 وكان من اللافت ان ماكريستال ربط بين حربي افغانستان والعراق وما نتج منهما من تأزيم للعلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي، حين اضاف: "عندما تعقبنا طالبان في افغانستان في 2001، كان هناك تفهم بان لنا القدرة والحق الشرعي في الدفاع عن انفسنا ضد القاعدة ونظام طالبان. اعتقد انه عندما قررنا غزو العراق، لم ير العالم الاسلامي ان هذا العمل كان شرعيا".

يوم الجمعة الماضي، تاريخ بدء العمليات العسكرية قبل 10 سنين بالضبط، لم يكن هناك أي شيء في واشنطن يوحي بأهمية هذه الذكرى. لم يقم الرئيس اوباما او أي من الوزارات المعنية بأي نشاط رسمي. لا خطب، او زيارات لمقبرة ارلينغتون الوطنية لوضع اكاليل الزهور، او اي نشاطات علنية، وكأن الاميركيين الذين انهكتهم ذكريات وأوجاع وتضحيات حربي افغانستان والعراق قالوا ما يريدون قوله او تذكره في الشهر الماضي في الذكرى العاشرة لهجمات أيلول. فقط  بيان صدر عن البيت الابيض باسم الرئيس اوباما وزوجته ميشيل، شكر فيه تضحيات العسكريين الاميركيين. اوباما كرر الموقف الاميركي التقليدي: على رغم التحديات التي لا تزال امام افغانستان، الا ان واشنطن وحلفاءها نجحوا في حملاتهم العسكرية الاخيرة ضد "طالبان"، وان قوات الحكومة تزداد قوة. لكن الواقع مغاير لذلك. أمس نشرت صحيفة النيويورك تايمس" على صفحتها الاولى تقريرا من احدى القواعد العسكرية الاميركية في افغانستان الواقعة قرب الحدود مع باكستان، عن معركة مدفعية مع مقاتلي "طالبان" استهدفت قوات اميركية ـ افغانية مشتركة في 4 مواقع عسكرية. مع تصعيد الهجوم، كان من الواضح ان الجنود الاميركيين كانوا يملكون القدرة العسكرية واللوجستية للرد على القصف. القوات الافغانية لم تشارك في القتال، ووفقا للصحيفة فان بعض الجنود الافغان "جلسوا ببساطة ليراقبوا  القتال". اما حليف اميركا في كابول، الرئيس كرزاي فهو يترأس حكومة صار فسادها الصارخ من اهم العقبات امام تقدم افغانستان. المعارضة القوية التي يقودها كرزاي ضد الجهود الاميركية لمكافحة الفساد، والتي تشمل احيانا توصية بالتخلص من بعض الحكام المحليين، ارغمت واشنطن على تقليص جهودها في هذا المجال. الاميرال مايكل مولن، وجه انتقادا مدويا الى حكومة كرزاي في الشهر الماضي قبل تقاعده، حين قال "اذا واصلنا سحب قواتنا ، ولم يتم وقف الفساد العلني والمنظم فاننا سنجازف بأن نترك وراءنا حكومة لا يمكن ان نتوقع من الشعب الافغاني ان تكون له ثقة بها".

تفاقم النزاع الافغاني حين قرر الرئيس بوش غزو العراق –والغرق في رماله المتحركة-  الامر الذي سمح لـ "طالبان" و"القاعدة" بالعودة الى افغانستان، بسبب العدد المحدود للقوات الاميركية في البلاد. وعندما قرر الرئيس اوباما في 2009 تحويل المهمات الاميركية من بناء الدولة والمجتمع الى شن حرب مناوئة لحرب العصابات التي تشنها "طالبان"، لم يكن بالامكان تحقيق انتصارات وانجازات دائمة، لان القوات غير كافية ولن تبقى وقتاً طويلاً طويل، والنافذة الزمنية لتنفيذها بين 2009 و2014 قصيرة.

يلتقي معظم المحللين والخبراء في الشؤون الافغانية على ان الحل الافضل لواشنطن هو في التوصل الى وفاق مع بعض عناصر "طالبان" في الداخل، على ان يصاحب ذلك تفاهم حول مستقبل افغانستان يأخذ في الاعتبار مصالح - ومشاركة - الاطراف الاقليميين المعنيين بالنزاع الافغاني، وتحديدا وبالدرجة الاولى باكستان والهند وايران. حتى الان هذه العناصر الضرورية لانسحاب اميركي لا يتبعه انهيار سريع، غير متوافرة. ولكن المشكلة الكبرى التي تواجهها الولايات المتحدة، هي ان حليفتها المفترضة باكستان، هي التي تضطلع بالدور الرئيسي في تقويض استراتيجيتها في افغانستان. في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، كان المشهد في احدى قاعات الكونغرس سوريالياً: رئيس هيئة الاركان العسكرية المشتركة  الاميرال مايكل مولن، الذي يتفاوض منذ سنوات مع العسكريين الباكستانيين الكبار، اتهم بصوت هادئ، اجهزة الاستخبارات الباكستانية برعاية الارهاب، ومساعدة شبكة حقاني الارهابية عسكريا واستخباراتيا في الهجمات التي تشنها ضد القوات الاميركية في افغانستان. الاتهام جاء بعدما تأكدت واشنطن ان هذا الدعم كان وراء الهجوم الذي شنته عناصر شبكة حقاني في ايلول ضد مبنى السفارة الاميركية في كابول. واضاف مولن، الذي جلس بقربه وزير الدفاع ليون بانيتا ، "ان دعم حكومة باكستان لتنظيمات ارهابية مثل شبكة حقاني والعسكر الطيبة  هو جزء من استراتيجيتهم الوطنية. ويجب ان يتغير هذا الوضع بشكل جذري".

المحاولات التي بدأها الرئيس اوباما فور وصوله الى البيت الابيض للدخول في حوار مع ايران وصلت الى طريق مسدود. والاتصالات الهندية-الباكستانية الاخيرة لم تشمل افغانستان. وليس من المتوقع ان تشارك باكستان في أي حوار اقليمي جدي حول مستقبل افغانستان، لا تكون فيه هي الدولة التي تلعب الدور الرئيسي في هذه الجهود. الهاجس الباكستاني حيال افغانستان لا يزال كما هو منذ عشرات السنين: افغانستان هي امتداد استراتيجي لباكستان، وهي مستعدة لان تفعل كل ما هو ممكن، بشكل شرعي، او غير شرعي لمنع بروز نظام في كابول يدخل في تحالف مع عدوها اللدود الهند، ويتحول الى كماشة استراتيجية ضد باكستان.

وليس ثمة مؤشرات تبين ان واشنطن ستكون قادرة في المستقبل المنظور على بدء أي وفاق وطني جدي بين الاطراف الافغانية المتنازعة، او أي تفاهم اقليمي يشمل جيران افغانستان، ويساعدها على ايجاد المناخ الملائم للانسحاب من افغانستان بشكل مقبول.

  • فريق ماسة
  • 2011-10-08
  • 9440
  • من الأرشيف

أفغانستان بعد عشر سنين من الغزو: مقتل 1800 أميركي وآلاف الأفغان

عندما غزت الولايات المتحدة افغانستان قبل 10 سنين، كانت المهمة المعلنة، على الاقل، واضحة: الانتقام من تنظيم "القاعدة" المسؤول عن هجمات ايلول الارهابية، ومعاقبة نظام "طالبان" الذي كان يحتضن "القاعدة". بعد عقد من الزمن، و1800 قتيل اميركي، وعشرات آلاف القتلى من الافغان، وبعد انفاق أكثر من 462 مليار دولار على أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، تبدو الصورة اليوم مبهمة و معقدة ومربكة لجميع المعنيين بها: الولايات المتحدة، وحلفاؤها في حلف شمال الاطلسي، افغانستان، والدول الاقليمية المعنية بالقتال: باكستان والهند وايران. الصورة مربكة ومحبطة في الدرجة الاولى لنحو مئة الف عسكري اميركي في افغانستان. نصف الجنود الاميركيين رأوا ان الحرب في افغانستان مبررة. في البداية كان هناك دعم شعبي اميركي عارم لغزو افغانستان، رافقه تأييد وتفهم عالميان لضرورة معاقبة تنظيم "القاعدة" والنظام السياسي الذي احتضنه في افغانستان. ولكن الغطاء الايديولوجي الذي اعطاه الرئيس السابق جورج بوش للغزو، في سياق ما سمي "عقيدة بوش"، وتحويل النزاع من عمل عسكري محدود للتخلص من "القاعدة" و"الطالبان"، الى عملية اعادة بناء للدولة والمجتمع في افغانستان وانشاء نظام يشاطر الولايات المتحدة قيمها، كان بداية المأزق الاميركي الطويل في افغانستان. بعد عشر سنين ما الذي حققته الولايات المتحدة وحلفاؤها في افغانستان؟ اطاحة سريعة بنظام "طالبان"، وحرب استنزاف طويلة ضد "القاعدة" و"طالبان"، ادت في ايار الماضي بعد عقد من الزمن تقريبا على الغزو الى مقتل زعيم "القاعدة" اسامة بن لادن. خلال الاعوام العشر الماضية وخصوصا منذ وصول الرئيس باراك اوباما الى البيت الابيض، تخلصت الولايات المتحدة من عشرات قادة "القاعدة" و"طالبان" في افغانستان وباكستان من خلال الهجمات التي تقوم بها طائرات من دون طيار، وهي هجمات، على رغم فعاليتها العسكرية، الا انها جلبت معها توترا جديدا في العلاقات مع باكستان وحتى افغانستان بسبب الخسائر البشرية التي تصاحبها بين وقت وآخر. في نهاية السنة المقبلة  سيسحب الرئيس اوباما اكثر من 30 الف جندي من افغانستان، ومع نهاية 2014 من المتوقع ان يتم سحب جميع القوات الاجنبية من البلاد. وأكثر ما يمكن ان تأمل به الولايات المتحدة هو وجود نظام سياسي في كابول قادر على حماية العاصمة والمرافق الحيوية في البلاد. ولا احد يتوقع ذلك من دون تقدم جهود "الوفاق الوطني" التي تعني جلب بعض عناصر حركة "طالبان" للمشاركة في. هذه الجهود منيت اخيرا بضربة قد تكون قاضية، عقب اغتيال الرئيس الافغاني السابق برهان الدين رباني في ايلول، والذي كان يشرف على الاتصالات مع "طالبان"، وعقب الاغتيال اعلن الرئيس حامد كرزاي تخليه عن هذه الاستراتيجية. القائد السابق للقوات الدولية في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال، لخص المأزق الاميركي في افغانستان قبل ايام حين قال: "لم نكن نعلم ما فيه الكفاية، ولا نزال لا نعلم ما فيه الكفاية. معظمنا، بمن فيهم انا، كان لدينا معرفة سطحية باوضاع افغانستان وتاريخها، وكان لدينا نظرة مبسطة ومخيفة بتاريخها القريب أي آخر 50 سنة".  وكان من اللافت ان ماكريستال ربط بين حربي افغانستان والعراق وما نتج منهما من تأزيم للعلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي، حين اضاف: "عندما تعقبنا طالبان في افغانستان في 2001، كان هناك تفهم بان لنا القدرة والحق الشرعي في الدفاع عن انفسنا ضد القاعدة ونظام طالبان. اعتقد انه عندما قررنا غزو العراق، لم ير العالم الاسلامي ان هذا العمل كان شرعيا". يوم الجمعة الماضي، تاريخ بدء العمليات العسكرية قبل 10 سنين بالضبط، لم يكن هناك أي شيء في واشنطن يوحي بأهمية هذه الذكرى. لم يقم الرئيس اوباما او أي من الوزارات المعنية بأي نشاط رسمي. لا خطب، او زيارات لمقبرة ارلينغتون الوطنية لوضع اكاليل الزهور، او اي نشاطات علنية، وكأن الاميركيين الذين انهكتهم ذكريات وأوجاع وتضحيات حربي افغانستان والعراق قالوا ما يريدون قوله او تذكره في الشهر الماضي في الذكرى العاشرة لهجمات أيلول. فقط  بيان صدر عن البيت الابيض باسم الرئيس اوباما وزوجته ميشيل، شكر فيه تضحيات العسكريين الاميركيين. اوباما كرر الموقف الاميركي التقليدي: على رغم التحديات التي لا تزال امام افغانستان، الا ان واشنطن وحلفاءها نجحوا في حملاتهم العسكرية الاخيرة ضد "طالبان"، وان قوات الحكومة تزداد قوة. لكن الواقع مغاير لذلك. أمس نشرت صحيفة النيويورك تايمس" على صفحتها الاولى تقريرا من احدى القواعد العسكرية الاميركية في افغانستان الواقعة قرب الحدود مع باكستان، عن معركة مدفعية مع مقاتلي "طالبان" استهدفت قوات اميركية ـ افغانية مشتركة في 4 مواقع عسكرية. مع تصعيد الهجوم، كان من الواضح ان الجنود الاميركيين كانوا يملكون القدرة العسكرية واللوجستية للرد على القصف. القوات الافغانية لم تشارك في القتال، ووفقا للصحيفة فان بعض الجنود الافغان "جلسوا ببساطة ليراقبوا  القتال". اما حليف اميركا في كابول، الرئيس كرزاي فهو يترأس حكومة صار فسادها الصارخ من اهم العقبات امام تقدم افغانستان. المعارضة القوية التي يقودها كرزاي ضد الجهود الاميركية لمكافحة الفساد، والتي تشمل احيانا توصية بالتخلص من بعض الحكام المحليين، ارغمت واشنطن على تقليص جهودها في هذا المجال. الاميرال مايكل مولن، وجه انتقادا مدويا الى حكومة كرزاي في الشهر الماضي قبل تقاعده، حين قال "اذا واصلنا سحب قواتنا ، ولم يتم وقف الفساد العلني والمنظم فاننا سنجازف بأن نترك وراءنا حكومة لا يمكن ان نتوقع من الشعب الافغاني ان تكون له ثقة بها". تفاقم النزاع الافغاني حين قرر الرئيس بوش غزو العراق –والغرق في رماله المتحركة-  الامر الذي سمح لـ "طالبان" و"القاعدة" بالعودة الى افغانستان، بسبب العدد المحدود للقوات الاميركية في البلاد. وعندما قرر الرئيس اوباما في 2009 تحويل المهمات الاميركية من بناء الدولة والمجتمع الى شن حرب مناوئة لحرب العصابات التي تشنها "طالبان"، لم يكن بالامكان تحقيق انتصارات وانجازات دائمة، لان القوات غير كافية ولن تبقى وقتاً طويلاً طويل، والنافذة الزمنية لتنفيذها بين 2009 و2014 قصيرة. يلتقي معظم المحللين والخبراء في الشؤون الافغانية على ان الحل الافضل لواشنطن هو في التوصل الى وفاق مع بعض عناصر "طالبان" في الداخل، على ان يصاحب ذلك تفاهم حول مستقبل افغانستان يأخذ في الاعتبار مصالح - ومشاركة - الاطراف الاقليميين المعنيين بالنزاع الافغاني، وتحديدا وبالدرجة الاولى باكستان والهند وايران. حتى الان هذه العناصر الضرورية لانسحاب اميركي لا يتبعه انهيار سريع، غير متوافرة. ولكن المشكلة الكبرى التي تواجهها الولايات المتحدة، هي ان حليفتها المفترضة باكستان، هي التي تضطلع بالدور الرئيسي في تقويض استراتيجيتها في افغانستان. في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، كان المشهد في احدى قاعات الكونغرس سوريالياً: رئيس هيئة الاركان العسكرية المشتركة  الاميرال مايكل مولن، الذي يتفاوض منذ سنوات مع العسكريين الباكستانيين الكبار، اتهم بصوت هادئ، اجهزة الاستخبارات الباكستانية برعاية الارهاب، ومساعدة شبكة حقاني الارهابية عسكريا واستخباراتيا في الهجمات التي تشنها ضد القوات الاميركية في افغانستان. الاتهام جاء بعدما تأكدت واشنطن ان هذا الدعم كان وراء الهجوم الذي شنته عناصر شبكة حقاني في ايلول ضد مبنى السفارة الاميركية في كابول. واضاف مولن، الذي جلس بقربه وزير الدفاع ليون بانيتا ، "ان دعم حكومة باكستان لتنظيمات ارهابية مثل شبكة حقاني والعسكر الطيبة  هو جزء من استراتيجيتهم الوطنية. ويجب ان يتغير هذا الوضع بشكل جذري". المحاولات التي بدأها الرئيس اوباما فور وصوله الى البيت الابيض للدخول في حوار مع ايران وصلت الى طريق مسدود. والاتصالات الهندية-الباكستانية الاخيرة لم تشمل افغانستان. وليس من المتوقع ان تشارك باكستان في أي حوار اقليمي جدي حول مستقبل افغانستان، لا تكون فيه هي الدولة التي تلعب الدور الرئيسي في هذه الجهود. الهاجس الباكستاني حيال افغانستان لا يزال كما هو منذ عشرات السنين: افغانستان هي امتداد استراتيجي لباكستان، وهي مستعدة لان تفعل كل ما هو ممكن، بشكل شرعي، او غير شرعي لمنع بروز نظام في كابول يدخل في تحالف مع عدوها اللدود الهند، ويتحول الى كماشة استراتيجية ضد باكستان. وليس ثمة مؤشرات تبين ان واشنطن ستكون قادرة في المستقبل المنظور على بدء أي وفاق وطني جدي بين الاطراف الافغانية المتنازعة، او أي تفاهم اقليمي يشمل جيران افغانستان، ويساعدها على ايجاد المناخ الملائم للانسحاب من افغانستان بشكل مقبول.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة