دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
إطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على تلفزيون المنار في مقابلة مطولة يوم الاثنين المقبل ضمن برنامج «بين قوسين»،تعني ان قيادة الحزب قررت بعد نقاشات مستفيضة التخلي عن «استراتيجية الصمت» التي تم العمل بها خلال الاشهر القليلة الماضية، لجهة عدم مقاربة الملفات الحساسة في لبنان والمنطقة بشكل علني، وتركها لعامل الوقت عل الاتصالات البعيدة عن الاضواء تنجح في التخفيف من حدة الخلافات القائمة مع اكثر من جهة في الاكثرية الجديدة خصوصا في ما يتعلق بملف تمويل المحكمة الدولية.
التعديل في الاستراتيجة لن يكون هذه المرة في مضمون الكلام الذي سيقوله السيد نصرالله، وانما في تغيير نمط ظهور السيد على الاعلام، فهذه هي المرة الاولى منذ سلسلة المقابلات التي اعطيت عقب حرب تموز، كعربون وفاء من الحزب للذين ساهموا اعلاميا في صنع الانتصار، سيطل السيد نصرالله في برنامج حواري وليس في كلمة متلفزة او مهرجان خطابي عبر الشاشة المعتادة، وهذا التغيير النوعي يعكس في المبدأ رغبة في كسر الاطلالات النمطية التي تعود عليها الجمهور،واعطاء مساحة «حوارية» للسيد تمتد لنحو ساعتين ونصف الساعة كي يستفيض في شرح رؤية الحزب للمستجدات في العالم العربي والتطورات الداخلية .
ولكن لماذا قرر السيد نصرالله كسر «حاجز الصمت»الان، وما هو المتوقع من اطلالته، وما هي التداعيات المرتقبة بعد هذه المقابلة؟بحسب مصادر في الاكثرية مطلعة عن كثب على اجواء الحزب تشير الى ان عاملين مباشرين عجلا في الاطلالة الاعلامية للسيد، فضلا عن عامل غير مباشر، العامل المباشر الاول يتعلق بملف تمويل المحكمة الدولية الذي لم يعد بالامكان تركه في بازار التجاذبات السياسية والتأويلات الاعلامية ، والعامل الثاني يرتبط بتطورات الوضع في المنطقة وارتفاع وتيرة التوتر على خلفية الاتهامات الاميركية لايران ربطا بالازمة السورية، اما العامل الثانوي غير المباشر فيتعلق بالكلام «غير الودي»الذي ادلى به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط تجاه النظام في سورية وعبر قناة المنار بعد ساعات قليلة على لقائه السيد نصرالله،وهو ما اثار سخطا كبيرا في حزب الله، الذي اعتبر أن ما أدلى به جنبلاط كان مقصودا «ومدبرا»لإحراج الحزب أمام الرأي العام السوري، المستاء من استخدام قناة المنار منصة للهجوم على دمشق،ولذلك من المفترض أن تزيل اطلالة السيد نصرالله أي التباس قد يكون عالقا في ذهن أحد إزاء ما دار في لقائه مع جنبلاط أو ازاء مواقف الأخير حول الملف السوري.
وتتوقع الاوساط نفسها ان يكون السيد نصرالله واضحا في مقارباته للملفات الحساسة المتداولة في المنطقة وعلى الساحة اللبنانية، فهو سيضع «خطوطا حمراء في اكثر من ملف، وسيكون صريحا مرة جديدة في شرح موقف الحزب من الثورات العربية، واسباب ما يعتبره البعض «انتقائية «في المواقف ازاء ما يسمى بـ «الربيع العربي»، وسيستفيض طبعا في شرح رؤية الحزب لتطورات الازمة في سوريا، والتهديدات الاميركية لايران،واهمية ودلالة صفقة تبادل الاسرى بين حركة حماس واسرائيل،كدليل على نجاح خيار المقاومة في المنطقة.
لكن الاهم على المستوى الداخلي هو موقف الحزب من مسألة تمويل المحكمة الدولية،وتتوقع المصادر نفسها ان يعلن السيد نصرالله صراحة رفض تمويل المحكمة بشكل قاطع وحاسم لا يقبل اي تأويل،وما كان ابلغه في اللقاءات الخاصة مع السياسيين الذين التقوه مؤخرا سوف يعلنه على الملأ،وسيشرح باستفاضة الأسباب الاخلاقية والقانونية والدستورية التي لا تسمح بأي امكانية للمناورة في هذا الملف الذي يهدف بشكل مباشر الى القضاء على المقاومة، فهل من عاقل يمول تنفيذ حكم الاعدام الصادر زورا وبهتانا بحقه؟
وأمام هذه المعطيات ترى الأوساط الاكثرية ان يوم الاثنين المقبل لن يكون كما قبله لجهة التعامل مع ملف المحكمة وستصبح الامور فوق الطاولة ويصبح لزاما على الاخرين تحديد مواقفهم بوضوح وتقديم حججهم المنطقية غير القائمة على مبدأ التهويل من التداعيات المبالغ فيها ازاء رفض تمويل المحكمة، فهذه الحجج لا تبدو منطقية في الوقت الراهن حيث لا يشكل لبنان اولوية عند احد، وتنشغل القوى الكبرى في حل المشاكل المعقدة في المنطقة ولا تحتاج الى عقدة جديدة تزيد من حدة «الصداع» الذي تعاني منه .
ويبقى انتظار وترقب لما سيكون عليه موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من اعلان حزب الله لموقفه عبر امينه العام، فهل ستكون هناك ردود فعل غير محسوبة ؟ وهل سيصمد أمام المعارضة التي ستحاول استغلال الامر لممارسة المزيد من الضغوط السياسية وغير السياسية عليه؟المتوقع بحسب اوساط مطلعة ان يكون رد فعل الرئيس ميقاتي محسوبا، فهو من جهة لن يتخلى عن موقفه الداعم للتمويل وسيذهب إلى اقصى الحدود في الدفاع عن وجهة نظره، وسيواصل الحديث بصوت مرتفع هذه المرة عن المخاطر المنتظرة ازاء اصرار الاكثرية في الحكومة على عدم تمويل المحكمة،لكن التداعيات لن تتجاوز هذا السقف لاسباب موضوعية تتعلق اولا بمصلحة الرئيس ميقاتي السياسية في البقاء رئيسا للحكومة حتى موعد الانتخابات النيابية في 2013 واي خروج من السلطة الان يعني خسارة الكثير من عوامل القوة التي ستساعده في استقطاب الشارع.
العامل الثاني مرتبط باطلاع الرئيس ميقاتي عن كثب على تطورات الازمة في سورية وإدراكه أن النظام حسم «المعركة» لصالحه والعودة إلى الاستقرار هي مسألة وقت لا اكثر، ولا مصلحة له في استعداء السوريين في هذه المرحلة، كما يملك رئيس الحكومة هامشا سعوديا للمناورة بعد ان سمع كلاما «هامسا»مفاده ان المحكمة الدولية لم تعد تشكل اولوية سعودية،او على الاقل لدى جزء وازن من القيادة في المملكة، فالمحكمة فقدت «رونقها»واهميتها بسبب التطورات المتسارعة في العالم العربي وبسبب ما تعرضت له من ضرب لمصداقيتها خلال الاشهر القليلة الماضية، ولهذه الاسباب سيعلن السيد نصرالله موقفه وتحسم الامور ديموقراطيا في مجلس الوزراء، ويكتفي الرئيس ميقاتي بالصراخ «اللهم اشهد اني قد بلغت».
المصدر :
ابراهيم ناصر الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة