نشرت صحيفة الـ"فاينانشال تايمز" البريطانية أمس، مقالاً للمبعوث الدولي والعربي إلى سوريا كوفي أنان، عرض فيه ما أسماه "نصيحة الرحيل حول كيفية إنقاذ سوريا". أنان الذي أعلن استقالته، مؤكداً أنه لن يجدّد بعثته في نهاية آب الحالي، قدّم نظرته للصراع في سوريا، واعتبر أن الخروج من الأزمة يحتاج إلى "تحوّل" شامل لكل أطراف النزاع داخل البلاد وخارجها. وفي الآتي أبرز ما جاء في المقال.حلب محاصرة، واحتمال خسارة المزيد من آلاف المدنيين في سوريا كبير جداً. الامم المتحدة أدانت سقوط سوريا في الحرب الاهلية، لكن القتال مستمر، من دون أي إشارة خلاص للسوريين. عناصر جهادية تم جذبها إلى الصراع. وهناك قلق كبير ازاء أمن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لدى سوريا. أما المجتمع الدولي، فقد بدا ضعيفاً بشكل صادم في محاولاته التأثير على المسار الدامي للأحداث. لكن ذلك ليس محتماً.الحكومة حاولت عبر أقسى أساليب العنف، سحق حركة شعبية منتشرة، قررت بعد 40 عاماً من الديكتاتورية، أنه لا يمكن تخويفها بعد الآن. النتيجة كانت خسارة متصاعدة للسيطرة على الأرض، وتحولت المعارضة إلى حملتها العسكرية الخاصة للمواجهة في القتال. بالرغم من ذلك، يبقى من غير الواضح كيف يمكن إسقاط الحكومة بالقوة وحدها.لكن هنالك أيضاً طريق مسدود سياسياً. ظهرت في سوريا بعد آذار 2011، حركة جماهيرية، ولدت من رحم مطالب الحقوق السياسية والمدنية، وتقوية أصوات التغيير. ومع الشجاعة الاستثنائية للمتظاهرين الذين خرجوا كل يوم في وجه عنف متصاعد من قبل الحكومة، لم يتحوّل الحراك إلى تجسير الانقسامات الفئوية السورية. وضيّعت الفرصة للقيام بذلك في العنف المتصاعد.الأدوات العسكرية وحدها لن تنهي الأزمة. وفي الوقت نفسه، أية اجندة سياسية غير شاملة ومتفهمة ستفشل. لكن المسار السياسي صعب، إن لم يكن مستحيلاً، فيما يرى كل الأطراف، داخل سوريا وخارجها، فرصة التقدم في اجنداتهم الضيقة عبر الأساليب العسكرية. الانقسام الدولي يعني دعماً لأجندات بالوكالة، وتغذية تنافس عنيف على الأرض.في بداية بعثتي، كسبنا دعماً دولياً بقرارات من مجلس الامن سمحت لمراقبين عسكريين من الامم المتحدة بالانتشار في سوريا. وبعد وقف إطلاق النار في 12 نيسان الماضي، وبعكس ما يدّعيه البعض، توقف قصف الحكومة للتجمعات المدنية، ما يثبت التأثير الذي تستطيع وحدة المجتمع الدولي أن تحمله. لكن الدعم الدولي المستمر لم يتوفر. انفرط عقد الهدنة سريعاً، وعادت الحكومة إلى استخدام الأسلحة الثقيلة ضد المدن، بعدما أدركت أنه لن تترتب أية نتائج عن عودتها إلى حملة عسكرية مفتوحة. في المقابل، سعيت إلى إعادة تنشـيط الدفـع نحو الوحدة في حزيران الماضي، عبر تشكيل "مجموعة العمل من أجل سوريا"، واضعاً إطـاراً للانتقال لدعـم الجهـود السـورية للتحرك نحـو كيـان حاكـم انتـقالي بسـلطات تنـفـيـذية كاملـة.والانتقال يعني تغيير مدار، ولكنه كامل للحكومة: من يقود سوريا وكيف؟ تركنا اللقاء معتقدين أن قراراً من مجلس الأمن يدعم قرار المجموعة مضمون. لكن ومنذ حينها، لم تكن هناك أية متابعة. بل شهد مجلس الأمن تبادل أصابع الاتهام والتشهير.على روسيا والصين وإيران، أن تبذل جهوداً لإقناع القيادة السورية بتحويل مسارها نحو تقبل الانتقال السياسي، بعد إدراكها أن الحكومة الحالية فقدت كل شرعيتها. يجب حيوياً أن تأتي الخطوة الأولى من الحكومة، لكون تصلّبها ورفضها تطبيق خطة السلام ذات النقاط الست شكل أكبر عقبة أمام أي مسار سياسي سلمي، بما يضمن عدم ثقة المعارضة في أي اقتراح انتقال تفاوضي.على أميركا، بريطانيا، فرنسا، تركيا، السعودية وقطر، الضغط على المعارضة لتبني مسار سياسي شامل للجميع، سيتضمّن مجموعات ومؤسسات مرتبطة حالياً بالحكومة. ويعني ذلك أيضاً الإقرار بأن مستقبل سوريا يتعلق بأكثر من مصير رجل واحد.من الواضح أن على الرئيس بشار الأسد مغادرة منصبه. لكن التركيز الأكبر يجب أن يكون على الإجراءات والبنى لضمان انتقال سلمي طويل المدى لتجنب الانهيار الفوضوي. هذه القضية الأكثر أهمية. على المجتمع الدولي أن يتحمّل حصته من المسؤولية.لن يكون أي من هذا ممكناً، من دون التسويات الحقيقية من قبل كل الأطراف. الجمود يعني أنه على الجميع أن يحوّل وجهته: الحكومة، المعارضة، والقوى الدولية والإقليمية. بهذه الطريقة، المجتمع الدولي يستطيع تأمين شرط أساسي للمسار السياسي: مجتمع دولي موحّد، يدعم الانتقال السلمي إلى حكومة شرعية بشكل فعّال وناشط.لا يزال من الممكن إنقاذ سـوريا من الأسوأ. لكن ذلك يتطلب شجاعة وقيادة، بشكل خاص من كل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، بما في ذلك الرئيسـان بوتـين وأوباما. هل مجتـمعنا الدولي من النـوع الذي يعمل للدفاع عن الأكثر ضعفاً في عالمنا، ويقدم التضحيات اللازمـة للمسـاعدة؟ الأسـابيـع المقبلة في سوريا ستجيب.

  • فريق ماسة
  • 2012-08-03
  • 6382
  • من الأرشيف

رؤية أنان :العسكرة لن تنهي الأزمة وعلى جميع الأطراف التحوّل

نشرت صحيفة الـ"فاينانشال تايمز" البريطانية أمس، مقالاً للمبعوث الدولي والعربي إلى سوريا كوفي أنان، عرض فيه ما أسماه "نصيحة الرحيل حول كيفية إنقاذ سوريا". أنان الذي أعلن استقالته، مؤكداً أنه لن يجدّد بعثته في نهاية آب الحالي، قدّم نظرته للصراع في سوريا، واعتبر أن الخروج من الأزمة يحتاج إلى "تحوّل" شامل لكل أطراف النزاع داخل البلاد وخارجها. وفي الآتي أبرز ما جاء في المقال.حلب محاصرة، واحتمال خسارة المزيد من آلاف المدنيين في سوريا كبير جداً. الامم المتحدة أدانت سقوط سوريا في الحرب الاهلية، لكن القتال مستمر، من دون أي إشارة خلاص للسوريين. عناصر جهادية تم جذبها إلى الصراع. وهناك قلق كبير ازاء أمن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لدى سوريا. أما المجتمع الدولي، فقد بدا ضعيفاً بشكل صادم في محاولاته التأثير على المسار الدامي للأحداث. لكن ذلك ليس محتماً.الحكومة حاولت عبر أقسى أساليب العنف، سحق حركة شعبية منتشرة، قررت بعد 40 عاماً من الديكتاتورية، أنه لا يمكن تخويفها بعد الآن. النتيجة كانت خسارة متصاعدة للسيطرة على الأرض، وتحولت المعارضة إلى حملتها العسكرية الخاصة للمواجهة في القتال. بالرغم من ذلك، يبقى من غير الواضح كيف يمكن إسقاط الحكومة بالقوة وحدها.لكن هنالك أيضاً طريق مسدود سياسياً. ظهرت في سوريا بعد آذار 2011، حركة جماهيرية، ولدت من رحم مطالب الحقوق السياسية والمدنية، وتقوية أصوات التغيير. ومع الشجاعة الاستثنائية للمتظاهرين الذين خرجوا كل يوم في وجه عنف متصاعد من قبل الحكومة، لم يتحوّل الحراك إلى تجسير الانقسامات الفئوية السورية. وضيّعت الفرصة للقيام بذلك في العنف المتصاعد.الأدوات العسكرية وحدها لن تنهي الأزمة. وفي الوقت نفسه، أية اجندة سياسية غير شاملة ومتفهمة ستفشل. لكن المسار السياسي صعب، إن لم يكن مستحيلاً، فيما يرى كل الأطراف، داخل سوريا وخارجها، فرصة التقدم في اجنداتهم الضيقة عبر الأساليب العسكرية. الانقسام الدولي يعني دعماً لأجندات بالوكالة، وتغذية تنافس عنيف على الأرض.في بداية بعثتي، كسبنا دعماً دولياً بقرارات من مجلس الامن سمحت لمراقبين عسكريين من الامم المتحدة بالانتشار في سوريا. وبعد وقف إطلاق النار في 12 نيسان الماضي، وبعكس ما يدّعيه البعض، توقف قصف الحكومة للتجمعات المدنية، ما يثبت التأثير الذي تستطيع وحدة المجتمع الدولي أن تحمله. لكن الدعم الدولي المستمر لم يتوفر. انفرط عقد الهدنة سريعاً، وعادت الحكومة إلى استخدام الأسلحة الثقيلة ضد المدن، بعدما أدركت أنه لن تترتب أية نتائج عن عودتها إلى حملة عسكرية مفتوحة. في المقابل، سعيت إلى إعادة تنشـيط الدفـع نحو الوحدة في حزيران الماضي، عبر تشكيل "مجموعة العمل من أجل سوريا"، واضعاً إطـاراً للانتقال لدعـم الجهـود السـورية للتحرك نحـو كيـان حاكـم انتـقالي بسـلطات تنـفـيـذية كاملـة.والانتقال يعني تغيير مدار، ولكنه كامل للحكومة: من يقود سوريا وكيف؟ تركنا اللقاء معتقدين أن قراراً من مجلس الأمن يدعم قرار المجموعة مضمون. لكن ومنذ حينها، لم تكن هناك أية متابعة. بل شهد مجلس الأمن تبادل أصابع الاتهام والتشهير.على روسيا والصين وإيران، أن تبذل جهوداً لإقناع القيادة السورية بتحويل مسارها نحو تقبل الانتقال السياسي، بعد إدراكها أن الحكومة الحالية فقدت كل شرعيتها. يجب حيوياً أن تأتي الخطوة الأولى من الحكومة، لكون تصلّبها ورفضها تطبيق خطة السلام ذات النقاط الست شكل أكبر عقبة أمام أي مسار سياسي سلمي، بما يضمن عدم ثقة المعارضة في أي اقتراح انتقال تفاوضي.على أميركا، بريطانيا، فرنسا، تركيا، السعودية وقطر، الضغط على المعارضة لتبني مسار سياسي شامل للجميع، سيتضمّن مجموعات ومؤسسات مرتبطة حالياً بالحكومة. ويعني ذلك أيضاً الإقرار بأن مستقبل سوريا يتعلق بأكثر من مصير رجل واحد.من الواضح أن على الرئيس بشار الأسد مغادرة منصبه. لكن التركيز الأكبر يجب أن يكون على الإجراءات والبنى لضمان انتقال سلمي طويل المدى لتجنب الانهيار الفوضوي. هذه القضية الأكثر أهمية. على المجتمع الدولي أن يتحمّل حصته من المسؤولية.لن يكون أي من هذا ممكناً، من دون التسويات الحقيقية من قبل كل الأطراف. الجمود يعني أنه على الجميع أن يحوّل وجهته: الحكومة، المعارضة، والقوى الدولية والإقليمية. بهذه الطريقة، المجتمع الدولي يستطيع تأمين شرط أساسي للمسار السياسي: مجتمع دولي موحّد، يدعم الانتقال السلمي إلى حكومة شرعية بشكل فعّال وناشط.لا يزال من الممكن إنقاذ سـوريا من الأسوأ. لكن ذلك يتطلب شجاعة وقيادة، بشكل خاص من كل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، بما في ذلك الرئيسـان بوتـين وأوباما. هل مجتـمعنا الدولي من النـوع الذي يعمل للدفاع عن الأكثر ضعفاً في عالمنا، ويقدم التضحيات اللازمـة للمسـاعدة؟ الأسـابيـع المقبلة في سوريا ستجيب.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة