دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كشفت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية النقاب عن تغيير الجيش الإسرائيلي مؤخراً مركز اهتماماته الأمنية من سوريا إلى لبنان، وتجهيز قواته على هذا الأساس.
ويأتي هذا التغيير في ظل الحديث عن تزاوج عاملين أساسيين، في نظر الجيش الإسرائيلي، وهما تزايد ضائقة الميزانية العسكرية، وتغير وجه الشرق الأوسط وطبيعة مخاطره. فالخشية من مواجهات عسكرية تقليدية تقلصت، حيث توجهت القدرات العسكرية السورية وخصوصاً القوة الصاروخية نحو الداخل وليس ضد إسرائيل، في حين تزايدت سيناريوهات التصعيد في جبهات مثل لبنان ضد «حزب الله»، أو نشوب انتفاضة فلسطينية جديدة، أو وقوع عمليات كبيرة من جانب جهات جهادية سواء من الحدود السورية أم حتى المصرية.
وكان خبراء قد أشاروا إلى أن التزاوج بين الضغوط الاقتصادية وتغير المخاطر يجبر الجيش الإسرائيلي على تغيير أنماط عمله. وكان رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بني غانتس قد أعلن في مؤتمر هرتسليا الأخير أن مهمته هي «قيادة الجيش الإسـرائيلي، من النقـطة التـي يقف فيها الآن إلى حيث يجب أن يكون من دون التخلي عن الجاهزية المطلوبة لمواجهة التحديات المعروفـة، وبشكل مدروس ومسؤول يبقي الجيش مؤهلاً لأداء مهماته».
وفي مطلع العام الحالي، عقد غانتس عدداً من اللقاءات المنفردة مع قادة الجيش بغرض تحديد التغييرات الواجبة في هيكلية الجيش. وقال إن «كل شيء تغير من حولنا. وبات مطلوباً إجراء إصلاح في الجيش، في أقرب وقت. وأنا أؤمن بمقاربة التغيير المسؤول»، مضيفا: «سنضطر لفحص تغييرات في حجم القوات البرية، بما في ذلك في القوات الاحتياطية. علينا دراسة أمر تقصير فترة الخدمة العسكرية ومسارات الخدمة ومكافأة الجندي وفق مصاعب خدمته ومنح الأولوية للمقاتلين. فقد حان الوقت لإجراء التغيير. والأسلوب المعهود المتبع لدينا لم يعد مناسباً للواقع الجديد».
ويبدو أن التغيير الملموس الأول هو ما يجري على الجبهة الشمالية، حيث يركز الجيش الإسرائيلي أساس جهده اليوم نحو لبنان وليس سوريا. وفي العام الأخير، وإثر التغييرات في الواقع السوري، قرر الجيش الإسرائيلي إعادة انتشاره على طول الجبهة. وأشار معلق عسكري في «هآرتس» إلى أن كل محارب في الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة تقريباً يعرف في تدريباته أن «العدو المفترض» في الشمال هو الجيش السوري. ولكن التغييرات التي طرأت على الجيش السوري مؤخراً، بمقتل حوالى 13 ألف جندي في المعارك الداخلية وانشقاق حوالى 40 ألفاً عن الجيش، وفقاً لـ«هآرتس»، كانت حاسمة.
وتنقل «هآرتس» عن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال أفيف كوخافي قوله أمام مؤتمر هرتسليا إن «معظم القوات البرية للجيش السوري تفككت – أغلقت وحدات، والمعنويات متدنية وكذلك الجاهزية - من العتاد إلى الأفراد». وأضاف ان «إيران وحزب الله ينالان فرصة دخول القفص الذهبي الذي يعرضه عليهما (الرئيس السوري بشار) الأسد، ويحاولان، وأحياناً ينجحان في أخذ قدرات الدفاع الجوي، صواريخ أرض - بحر، قدرات صاروخية أرض - أرض وقدرات أخرى. وحزب الله وإيران يفهمان أن مستقبل الأسد تقرر، وهما يستعدان لليوم التالي».
وعلى هذا الأساس، يستعد الجيش الإسرائيلي لتغيير غاية عدد من فرقه العسكرية الشمالية، ليضيف لها المهمة اللبنانية. وبحسب «هآرتس» فإن هذا جرى لفرقة احتياط شمالية تحوي لواء مدرعاً شارك في المناورات الأخيرة. ففي الأسبوع الأخير من المناورات تدرب لواءان احتياطيان – مدرع ومشاة - على القتال في ظروف لبنانية، بعدما كانا يركزان في الماضي فقط على الظروف السورية. وقال قائد اللواء العقيد إيهود نجمة إنه «طوال 30 عاماً كان اللواء يعرف أن مهمته هي سوريا. قل كلمة سوريا، فتنطلق الصافرات. وهذه هي المرة الأولى التي يغدو فيها العدو في نظرهم لبنانيا».
وكان رجال المدرعات قد ركزوا حتى وقت قريب على التخطيط لمعارك مدرعات ضد مدرعات. أما حالياً، فالتحدي الجديد هو مواجهة الصواريخ المضادة للدبابات، والموجودة بالآلاف لدى «حزب الله». وفي الماضي كانوا ينظرون لخطر هذه الصواريخ على أنه «تهديد لوتيرة وطول الحرب المقبلة».
ويعترف قائد سرية الاستطلاع في اللواء، الرائد إيتان لافي بأن «العدو لم يعد ما عهدناه، إنها حرب عصابات. هذا ليس جيشاً، إنه تنظيم». أما قائد لواء المشاة «ألون»، العقيد وجدي سرحان، فقد حاول أن يبين أمام جنوده المصاعب المادية التي تعترض سبيلهم في حرب من نوع القتال في منطقة جبلية أو مبنية أو ريفية مأهولة. وقال: «أردنا أن يفهموا مقابل أي عدو يعملون، وهو عدو يجب أن نبحث عنه، وهذا ما حاولنا التدرب عليه».
وقد رافق المناورات الأخيرة ضابط من هيئة الأركان سيكون مسؤولاً عن تفعيل القوات في أي قتال مستقبلي في الشمال. وكانت أول جملة تخرج من فمه هي أن «الجيش الإسرائيلي يستعد جداً لاحتمالات الحرب مع لبنان». فقد تم تجنيد الاحتياطي بطريقة تشبه تماماً ما يجري في الحرب، أي رسالة تلقائية دعتهم للتواجد في مواقع تجنيدهم، بعد ذلك تم نقلهم إلى وحدات مخازن الطوارئ، كما لو أنهم يتعرضون لقصف صاروخي لا يتوقف، ومن هناك مباشرة إلى ميدان المعارك. وقال الضابط الكبير إن «حزب الله تنظيم دينامي، جدي، لكن لدينا كل الأدوات لضربه بقسوة، ونحن ننوي فعل ذلك».
وبحسب «هآرتس»، فإن التلميحات لشكل العمليات العسكرية في حرب لبنان الثانية شبه واضحة. ويحاول الجيش الإسرائيلي تقليص الهالة التي أحاطت بفعاليات «حزب الله». وكان قائد الجبهة الشمالية الجنرال يائير جولان قد أعلن، في جامعة بار إيلان، أنه يريد «تطبيع هذا الخطر. هناك ميل للتعامل معه بشكل استحواذي، يشذ عن الحدود العقلانية. حزب الله بوسعه إزعاج الجيش الإسرائيلي، لكن ليس بوسعه إيقافه».
وتؤمن قيادة الجبهة الشمالية أن الحل يكمن بالمزج بين حركة فرق عدة داخل الأراضي اللبنانية، إلى جانب تفعيل قوة نارية مكثفة من الجو. وهكذا تم تأسيس تدريب لواءي الاحتياط الأسبوع الماضي، وهو تدريب بري واسع شمل حركات كبيرة لمدرعات ومشاة داخل قرى تشبه القرى اللبنانية وفي مناطق مفتوحة. وقال ضابط إن الغاية من التدريب هي تعريف الجنود بطبيعة الأرض اللبنانية «حتى إذا وصلوا إلى لبنان لا تبدو لهم الأمور جديدة، حينها يمكنهم أن يكونوا أشد هجومية، وبالتالي يهزم حزب الله. وأنا أؤمن أن بالوسع أن نفعل مع حزب الله ما فعلناه مع الإرهاب في الضفة الغربية. إذا أردت استخدام تعبير الحسم، فأنت بحاجة إلى المناورة».
وأشارت «هآرتس» إلى أن «حزب الله» يتدرب أيضاً لمواجهة الجيش الإسرائيلي وتهديداته. وتنقل الصحيفة عن جهات استخبارية قولها إن «حزب الله» أقدم في العام الأخير على عدة عمليات استثنائية جريئة، ابتداء من إرسال طائرة من دون طيار في تشرين أول الماضي، مرورا بتهريب 20 كيلوغراماً من المتفجرات عالية التقنية من طراز «سي فور» في شهر آب، وصولا إلى عملية بورغاس في تموز في بلغاريا.
وعلاوة على ذلك، فإن التغيير في سوريا، التي تُصنف حالياً في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأنها «دولة تتفكك»، يغير ميزان القوى ويؤثر في صيغة القتال المستقبلية ضد «حزب الله». وقد شرع الجيش الإسرائيلي بتنسيق خططه العملانية لاحتمال تسرب أسلحة متطورة، خصوصاً صواريخ أرض - جو، واحتمال نشاط أشمل للطائرات من دون طيار. فـ«حزب الله» في نظر الجيش الإسرائيلي «يعاظم قدراته، ولكنها ليست بكميات وأحجام لا نستطيع مواجهتها. وبالقطع نستطيع هزيمته والانتصار عليه. لقد تعلمنا من حرب لبنان الثانية»، يقول سرحان.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة