الرجل مرتاح» عبارة ترددت بالامس على لسان حلفاء وحتى خصوم الرئيس السوري بشار الاسد، فالمقابلة المتلفزة مع «الاخبارية السورية»، اعطت انطباعا مغايرا لكل ما يحكى عن ارباك لدى القيادة السورية بعد سنتين ونيف من عمر الازمة في البلاد،واذا«كانت المشاعر قد انقسمت بين شعور الكثيرين بالغيظ، وشعور اخرين بالارتياح، الا ان السؤال المركزي يبقى عن اسباب هذه الطمأنينة لدى الرئيس السوري، فضلا عن تغييب اكثر من ملف مرتبط مباشرة بتداعيات الحرب على سوريا.؟

اوساط سياسية متابعة للملف السوري تشير الى ان الرئيس الاسد حاول ان يستفيد من اطلالته للاضاءة على بعض الملفات التي تشتم من خلالها القيادة السورية رائحة «عفنة»، واراد ان يضع المتورطين امام مسؤولياتهم على طريقة «اللهم اشهد اني قد بلغت»، ومن خلال ترتيب الاولويات تستشعر دمشق بخبث «المكيدة» التي يجري الاعداد لها عبر الاراضي الاردنية كواحدة من الاوراق الاخيرة التي يجري الاعداد لها لخلق منطقة عازلة في درعا، وكانت الرسالة العلنية تتويجا لرسائل سورية شديدة اللهجة، فهمتها عمان جيدا، كما ادركت مخاطرها واشنطن التي اعلنت عن نشر مئتي عنصر فوق الاراضي الاردنية،في رسالة مفادها انها مستعدة للذهاب بعيدا في حماية النظام هناك في مواجهة تداعيات انكشاف الدور الاردني.

أما غياب لبنان عن حديث الاسد تقول الاوساط فيعود الى انخفاض منسوب المخاطر الاستراتيجية من الجانب اللبناني، فالقيادة السورية تدرك جيدا ان الساحة اللبنانية غير قابلة للاستثمار من قبل خصومها المحليين او الخارجيين، وحلفاؤها في لبنان استطاعوا ان يؤمنوا لها «مظلة» حمائية على قدر كبير من الاهمية رغم الخروقات الحدودية غير المؤثرة من قبل بعض المجموعات،وقد نجح هذا التوازن الداخلي في لبنان بتحييده عن لعب دور «الخاصرة الرخوة» لسوريا،كما ان التعاون والتنسيق مع غالبية الاجهزة الامنية لا يزال على اعلى المستويات، وما يقوم به السفير السوري في بيروت اكثر من كاف لتبادل الرسائل السياسية والتي لا تحتاج الى تظهير اعلامي من الرئيس السوري الذي لم يعد مهتما بمتابعة التفاصيل اللبنانية المتروكة لحزب الله ومن معه من حلفاء.

اما السؤال عن اسباب ارتياح الرئيس السوري، فالاجابة تنقسم الى جزئين على حد قول الاوساط، الاول له علاقة بالوضع الميداني، اما الثاني، فمرتبط بموقف الحليفين الروسي والايراني، ومن فاته الانتباه، يجب لفت نظره الى تزامن اطلالة الاسد مع وجود وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في تركيا، وبحسب المعلومات المتوافرة فان القيادة السورية تعرف ان الديبلوماسي الروسي جاء لابلاغ الأتراك رسالة واضحة مفادها أن الرئيس السوري «خط أحمر» واي حديث عن تنحيه بات من الماضي، بعد ان شهدت المعطيات على الارض الكثير من المتغيرات الميدانية، ناصحا الطرف التركي بالضغط على المعارضة للقبول بمبدأ الدخول في عملية التفاوض.

وهذا الموقف، تضيف الاوساط لا يشكل تراجعاً عن تفاهم مبهم بين الديبلوماسية الروسية والديبلوماسية الأميركية، لان موسكو لم تقل أبداً إنها جاهزة للتخلي عن الرئيس السوري بل تمسكت باستمرار بدوره في العملية السياسية الانتقالية لكن ما حصل بالامس ان الاتراك وكذلك الاميركيين ادركوا ان رهانهم على تبني موسكو لانسحاب الرئيس السوري من السلطة تدريجاً، لم يكن الا وهم ، واتضح للديبلوماسية الاميركية بشكل خاص أن ذلك الافتراض لم يكن أبداً في ذهن موسكو ،وهناك من نصب «كمينا» لهم وكان منذ اليوم الاول يريد قطف ما يلائمه في اتفاق جنيف.

اما ايران ذات الدور الفاعل على الارض، فقد نجحت وبحسب الاوساط في خلق توازن مريح على مستوى المنطقة مع دول الخليج نتيجة تداخل الملفات وترابطها، وفتحت قنوات اتصال مع بعض الدول الفاعلة يمكن الاستثمار عليها في وقت لاحق، وما حصل في لبنان نموذج يحتذى، كما نجحت في «احتواء» الهجوم الاميركي الاسرائيلي بشأن ملفها النووي، من خلال اتباع لغة مرنة «ومطاطة» في المحادثات مع الدول الست، وهي استراتيجية لا تؤدي الى انفراج في الازمة، ولكنها لا توحي بأن ابواب الحل مغلقة، فطهران تعرف تماماً ماذا تريد من واشنطن، وتعرف كيف تفكر الادارة الديموقراطية تجاهها، وهي تستفيد من رفض الرئيس باراك أوباما الانسياق الى مواجهة معها. وهي بذلك تستفيد من هامش مناورة واسع يحقق لها الاستمرار في تخصيب اليورانيوم بالنسبة التي تلائمها، وتحافظ على دورها في العراق وفي سورية ولبنان،وهي عملت خلال الاشهر القليلة الماضية على التوسع باتجاه باب المندب.

موقف الحلفاء ما كان ليكون كافيا لشعور الاسد بالارتياح لولا النتائج الحاسمة التي حققها الجيش السوري ميدانيا، وتلفت اوساط خبيرة في الشأن العسكري، الى انكفاء قوات المعارضة وتقدم الجيش السوري في عدة محاور استراتيجية لا سيما في حلب وريف إدلب وحمص ولاحقاً في الرقة، وانتقل الجيش السوري في ريف ادلب من الدفاع إلى الهجوم، ونجح في فك الحصار عن قواعده العسكرية الاستراتيجية وتحديداً في منطقة وادي الضيف حيث أحد أهم معسكراته، ثم أخذ يشن هجمات على مختلف محاور ريف إدلب وصولاً إلى قرية سرمدا الحدودية معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهناك ضرب الجيش السوري أبرز معاقل المعارضة ملحقاً خسائر كبيرة في صفوفها. لكن ما هي اسباب هذا التفوق الميداني؟

بحسب تلك الاوساط فان تطور نوعي حصل خلال الأسابيع الأخيرة من عمر المواجهات، حيث تمكن الجيش السوري من قلب المعادلة واستدراج مقاتلي المعارضة الى «ملعبه»، وفرض عليها نمطا قتاليا يناسبه ميدانياً ويلائم تكتيكه العسكري، فبعد مراجعة معمقة لكيفية ادارة المواجهات استدرجت القوات السورية المعارضة لمواجهته بطريقة حرب الوحدات النظامية الكلاسيكية. وأجبرتهم على القتال في المناطق المكشوفة وبأعداد كبيرة، هذه الاستراتيجية الجديدة مكنت الجيش السوري من تحقيق اختراق لوجستي ومعلوماتي، كما أن ضرباته باتت توقع أعداداً كبيرة من المقاتلين بين قتيل وجريح استناداً للأعداد الكبير من المسلحين والتي باتت تشارك في العمليات العسكرية، وهذا سمح له باستخدام وسائل حرب أكثر تطوراً لكونه يقاتل ألوية وكتائب وليس مجرد منشقين أو عدداً من حملة السلاح.

ويضاف الى هذه الانجازات العسكرية تقدم كبير حققته لجان المصالحة الوطنية، وقد انجزت الكثير من الخطوات المهمة على الارض ستتظهر نتائجها في الاسابيع القليلة المقبلة، فهناك الكثير من المصالحات المناطقية قد تمت واخرى على الطريق، وهذا سيؤدي الى انفراج كبير في الكثير من المناطق المشتعلة، او المتوترة، في حمص، وحلب، وادلب، ويأتي اصدار الرئيس الاسد لقانون العفو الجديد كجزء مكمل من عملية شاملة يجري تنفيذ بنودها تدريجيا، واذا ما نجحت هذه المصالحات فان انقلاباً كبيرا سيحصل على ارض الواقع سيترجم عزلا للمجوعات الاسلامية المتطرفة التي ستخسر الكثير من «البيئة الحاضنة» التي ساهمت بتمددها في وقت سابق.

  • فريق ماسة
  • 2013-04-18
  • 6509
  • من الأرشيف

ما هي أسباب «ارتياح» الرئيس السوري ؟ ولماذا غاب لبنان عن إطلالته الإعلاميّة ؟

الرجل مرتاح» عبارة ترددت بالامس على لسان حلفاء وحتى خصوم الرئيس السوري بشار الاسد، فالمقابلة المتلفزة مع «الاخبارية السورية»، اعطت انطباعا مغايرا لكل ما يحكى عن ارباك لدى القيادة السورية بعد سنتين ونيف من عمر الازمة في البلاد،واذا«كانت المشاعر قد انقسمت بين شعور الكثيرين بالغيظ، وشعور اخرين بالارتياح، الا ان السؤال المركزي يبقى عن اسباب هذه الطمأنينة لدى الرئيس السوري، فضلا عن تغييب اكثر من ملف مرتبط مباشرة بتداعيات الحرب على سوريا.؟ اوساط سياسية متابعة للملف السوري تشير الى ان الرئيس الاسد حاول ان يستفيد من اطلالته للاضاءة على بعض الملفات التي تشتم من خلالها القيادة السورية رائحة «عفنة»، واراد ان يضع المتورطين امام مسؤولياتهم على طريقة «اللهم اشهد اني قد بلغت»، ومن خلال ترتيب الاولويات تستشعر دمشق بخبث «المكيدة» التي يجري الاعداد لها عبر الاراضي الاردنية كواحدة من الاوراق الاخيرة التي يجري الاعداد لها لخلق منطقة عازلة في درعا، وكانت الرسالة العلنية تتويجا لرسائل سورية شديدة اللهجة، فهمتها عمان جيدا، كما ادركت مخاطرها واشنطن التي اعلنت عن نشر مئتي عنصر فوق الاراضي الاردنية،في رسالة مفادها انها مستعدة للذهاب بعيدا في حماية النظام هناك في مواجهة تداعيات انكشاف الدور الاردني. أما غياب لبنان عن حديث الاسد تقول الاوساط فيعود الى انخفاض منسوب المخاطر الاستراتيجية من الجانب اللبناني، فالقيادة السورية تدرك جيدا ان الساحة اللبنانية غير قابلة للاستثمار من قبل خصومها المحليين او الخارجيين، وحلفاؤها في لبنان استطاعوا ان يؤمنوا لها «مظلة» حمائية على قدر كبير من الاهمية رغم الخروقات الحدودية غير المؤثرة من قبل بعض المجموعات،وقد نجح هذا التوازن الداخلي في لبنان بتحييده عن لعب دور «الخاصرة الرخوة» لسوريا،كما ان التعاون والتنسيق مع غالبية الاجهزة الامنية لا يزال على اعلى المستويات، وما يقوم به السفير السوري في بيروت اكثر من كاف لتبادل الرسائل السياسية والتي لا تحتاج الى تظهير اعلامي من الرئيس السوري الذي لم يعد مهتما بمتابعة التفاصيل اللبنانية المتروكة لحزب الله ومن معه من حلفاء. اما السؤال عن اسباب ارتياح الرئيس السوري، فالاجابة تنقسم الى جزئين على حد قول الاوساط، الاول له علاقة بالوضع الميداني، اما الثاني، فمرتبط بموقف الحليفين الروسي والايراني، ومن فاته الانتباه، يجب لفت نظره الى تزامن اطلالة الاسد مع وجود وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في تركيا، وبحسب المعلومات المتوافرة فان القيادة السورية تعرف ان الديبلوماسي الروسي جاء لابلاغ الأتراك رسالة واضحة مفادها أن الرئيس السوري «خط أحمر» واي حديث عن تنحيه بات من الماضي، بعد ان شهدت المعطيات على الارض الكثير من المتغيرات الميدانية، ناصحا الطرف التركي بالضغط على المعارضة للقبول بمبدأ الدخول في عملية التفاوض. وهذا الموقف، تضيف الاوساط لا يشكل تراجعاً عن تفاهم مبهم بين الديبلوماسية الروسية والديبلوماسية الأميركية، لان موسكو لم تقل أبداً إنها جاهزة للتخلي عن الرئيس السوري بل تمسكت باستمرار بدوره في العملية السياسية الانتقالية لكن ما حصل بالامس ان الاتراك وكذلك الاميركيين ادركوا ان رهانهم على تبني موسكو لانسحاب الرئيس السوري من السلطة تدريجاً، لم يكن الا وهم ، واتضح للديبلوماسية الاميركية بشكل خاص أن ذلك الافتراض لم يكن أبداً في ذهن موسكو ،وهناك من نصب «كمينا» لهم وكان منذ اليوم الاول يريد قطف ما يلائمه في اتفاق جنيف. اما ايران ذات الدور الفاعل على الارض، فقد نجحت وبحسب الاوساط في خلق توازن مريح على مستوى المنطقة مع دول الخليج نتيجة تداخل الملفات وترابطها، وفتحت قنوات اتصال مع بعض الدول الفاعلة يمكن الاستثمار عليها في وقت لاحق، وما حصل في لبنان نموذج يحتذى، كما نجحت في «احتواء» الهجوم الاميركي الاسرائيلي بشأن ملفها النووي، من خلال اتباع لغة مرنة «ومطاطة» في المحادثات مع الدول الست، وهي استراتيجية لا تؤدي الى انفراج في الازمة، ولكنها لا توحي بأن ابواب الحل مغلقة، فطهران تعرف تماماً ماذا تريد من واشنطن، وتعرف كيف تفكر الادارة الديموقراطية تجاهها، وهي تستفيد من رفض الرئيس باراك أوباما الانسياق الى مواجهة معها. وهي بذلك تستفيد من هامش مناورة واسع يحقق لها الاستمرار في تخصيب اليورانيوم بالنسبة التي تلائمها، وتحافظ على دورها في العراق وفي سورية ولبنان،وهي عملت خلال الاشهر القليلة الماضية على التوسع باتجاه باب المندب. موقف الحلفاء ما كان ليكون كافيا لشعور الاسد بالارتياح لولا النتائج الحاسمة التي حققها الجيش السوري ميدانيا، وتلفت اوساط خبيرة في الشأن العسكري، الى انكفاء قوات المعارضة وتقدم الجيش السوري في عدة محاور استراتيجية لا سيما في حلب وريف إدلب وحمص ولاحقاً في الرقة، وانتقل الجيش السوري في ريف ادلب من الدفاع إلى الهجوم، ونجح في فك الحصار عن قواعده العسكرية الاستراتيجية وتحديداً في منطقة وادي الضيف حيث أحد أهم معسكراته، ثم أخذ يشن هجمات على مختلف محاور ريف إدلب وصولاً إلى قرية سرمدا الحدودية معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهناك ضرب الجيش السوري أبرز معاقل المعارضة ملحقاً خسائر كبيرة في صفوفها. لكن ما هي اسباب هذا التفوق الميداني؟ بحسب تلك الاوساط فان تطور نوعي حصل خلال الأسابيع الأخيرة من عمر المواجهات، حيث تمكن الجيش السوري من قلب المعادلة واستدراج مقاتلي المعارضة الى «ملعبه»، وفرض عليها نمطا قتاليا يناسبه ميدانياً ويلائم تكتيكه العسكري، فبعد مراجعة معمقة لكيفية ادارة المواجهات استدرجت القوات السورية المعارضة لمواجهته بطريقة حرب الوحدات النظامية الكلاسيكية. وأجبرتهم على القتال في المناطق المكشوفة وبأعداد كبيرة، هذه الاستراتيجية الجديدة مكنت الجيش السوري من تحقيق اختراق لوجستي ومعلوماتي، كما أن ضرباته باتت توقع أعداداً كبيرة من المقاتلين بين قتيل وجريح استناداً للأعداد الكبير من المسلحين والتي باتت تشارك في العمليات العسكرية، وهذا سمح له باستخدام وسائل حرب أكثر تطوراً لكونه يقاتل ألوية وكتائب وليس مجرد منشقين أو عدداً من حملة السلاح. ويضاف الى هذه الانجازات العسكرية تقدم كبير حققته لجان المصالحة الوطنية، وقد انجزت الكثير من الخطوات المهمة على الارض ستتظهر نتائجها في الاسابيع القليلة المقبلة، فهناك الكثير من المصالحات المناطقية قد تمت واخرى على الطريق، وهذا سيؤدي الى انفراج كبير في الكثير من المناطق المشتعلة، او المتوترة، في حمص، وحلب، وادلب، ويأتي اصدار الرئيس الاسد لقانون العفو الجديد كجزء مكمل من عملية شاملة يجري تنفيذ بنودها تدريجيا، واذا ما نجحت هذه المصالحات فان انقلاباً كبيرا سيحصل على ارض الواقع سيترجم عزلا للمجوعات الاسلامية المتطرفة التي ستخسر الكثير من «البيئة الحاضنة» التي ساهمت بتمددها في وقت سابق.

المصدر : ابراهيم ناصرالدين - الديار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة