ما حصل اليوم بالنسبة للملف الكيمائي السوري يؤكد مقولة شهيرة في علم السياسية أن ما يجري تحت الطاولات وفي الكواليس هو غير ما يحصل فوقها .

نجح قيصر روسيا فلاديمير بوتين مرة ثانية باجتراح المعجزة. أوقف فتيل النار قبل لحظة من وصوله إلى برميل البارود. أكد للعالم أن روسيا الجديدة باتت صاحبة قرار مفصلي في أزمات العالم. فهي التي ساهمت في توريط باراك اوباما بمنطق الحرب وهي التي يلجأ إليها الرئيس الأميركي حاليا لإنقاذه من الورطة .

اقترحت روسيا رقابة دولية على الأسلحة الكيميائية السورية إذا كان ذلك يوقف الحرب وفق ما قال وزير خارجيتها سيرغي لافروف. قبلت دمشق سريعا بهذا الحل. كان البلدان قد اتفقا منذ أيام على هذا المخرج لكنهما على الأرجح أرجآ الإعلان عنه حتى يزداد إحراج اوباما عالميا خصوصا بعدما تبين أن اخلص حلفائه الاوروبيين أي بريطانيا خذلته والرأي العام العالمي والعربي ضده، ولم يبق إلى جانبه سوى فرنسا بخجل، وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وإسرائيل . ربما حتى إسرائيل تراجعت حين ارتفع منسوب القلق من الأسلحة الإيرانية والسورية وتلك التابعة لحزب الله. فهمت أن ما تخبئه الأطراف الثلاثة ربما اخطر بكثير مما توقعت .

لم يأت الاقتراح الروسي من عدم. سبقته مشاورات مكثفة وعروض كثيرة. ما قدم من هذه العروض أولا لإيران وموسكو قوبل بالرفض لأنه كان يتضمن ملفات عديدة تشمل البرنامج النووي والعراق وسورية وحزب الله والمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ومستقبل الرئيس بشار الأسد، ثم جاءت المبادرة العراقية التي لم تكن بعيدة عن إيران وموسكو، وسبقتها زيارةُ سلطان عمان إلى طهران، وزياراتٌ أوروبية رفيعة، وتخللتها زيارة المبعوث الدولي الأميركي الجنسية الإسرائيلي الهوى جيفري فيلتمان إلى طهران حتى كادت العاصمة الإيرانية تتحول إلى ملتقى كل الساعين لحل سياسي ...

وتقول معلومات مؤكدة عندنا أن الاقتراح الروسي أقدمت به هيئة التنسيق غلى ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي ، وكان ذلك بعلم وزارتي الخارجية العراقية والمصرية . وقد يلتقي وزير الخارجية المصري نبيل فهمي غدا في القاهرة وفدا من الهيئة التي يرأسها في الخارج الدكتور هيثم مناع لتطوير هذه الفكرة .

وفق معلومات موثوقة، فان مسالة الكيميائي هي بالأساس ليست ذات قيمة، فما هو متوفر من كيميائي في سورية ليس بالأصل مهما ولا هو سلاح فتاك كما يدعي الأميركيون وإنما عبارة عن مواد تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي والتخلي عنها سهل إذا كان في الأمر ما يبعد شبح الحرب التي كادت أن تتحول إلى كارثة فعلية على المنطقة بمجملها وفق ما قال الروس والإيرانيون والسوريون والصينيون وغيرهم مرارا.

والمعلومات تقول أيضا أن سورية ما كانت لتقبل بهذا الاقتراح الروسي وتوافق عليه مسبقا، لولا حصولها مع حلفائها على ثمن عسكري وسياسي قد تتوضح تفاصيله لاحقا.

ولو لاحظتم فان هذا الثمن قد تم التمهيد له أمس من قبل وزير الخارجية السورية وليد المعلم بالتأكيد على أن دمشق ذاهبة إلى جنيف اثنين دون شروط مسبقة.

ومنعا لإحراج اوباما والظهور بمظهر الخاسر، كان الإخراج على ما يبدو هو ترك وزير خارجيته جون كيري يقول قبل ساعتين من لافروف أن الرئيس الأسد يستطيع تفادي الضربة إذا سلم الأسلحة الكيمائية.

من الصعب التفكير بأن كل ذلك لم يكن منسقا مع الروس، وهذا يعني بالتالي أن أميركا لجأت في نهاية الأمر إلى موسكو وطهران لإيجاد حل سياسي ينقذ اوباما من ورطته، ويوجد حلا مقبولا من الجميع ، خصوصا أن المحور الأميركي الإسرائيلي مع بعض الدول الإقليمية والعربية فهم أن ثمن المواجهة العسكرية سيكون باهظا جدا وربما أكثر بكثير مما توقع البعض.

لكن هل هذا يعني أن أميركا ستتراجع سريعا عن العدوان، ليس الأمر محسوما بعد ففي مثل هذه الحالات تأخذ العروض والعروض المضادة وقتا طويلا .

والسؤال المطروح في هكذا حال، هل تعمد الروس ترك اوباما يغرق في هذه الورطة، فقالوا بداية أنهم لن يتدخلوا ثم صاروا يرفضون الحرب ثم قالوا أن كيري يكذب ثم هددوا بان الحرب ممنوعة،هل أرادوا فعلا إيصال اوباما إلى مرحلة تبدو فيها صورته عالميا وأميركا سيئة ودون حلفاء تقريبا حتى داخل أوروبا نفسها باستثناء فرنسا.

ربما ... ولكن الأكيد، أن اوباما اخترع قصة الكيميائي لشن عدوان على قلب العروبة النابض، فتلقى ضربة كيمائية من الروس أصابت قلب العدوان الجائر بأزمة من الصعب الخروج منها سريعا .

كان المخطط أن يشل قدرات الجيش السوري، ويقطع كل الاتصالات والمواصلات، ويضرب في دمشق وحمص واللاذقية، ويدمر بنى تحتية كثيرة ويساهم في إضعاف النظام في وجه المسلحين، ويفتح ثغرات لاختراقات للمسلحين. وكان من المفترض أيضا أن تقوم فرقة عسكرية ( ليست بالضرورة أميركية) بعملية كوماندوس أرضية للسيطرة على مواقع تعتقد أنها كيمائية أو لخطف أو اغتيال مسؤولين في النظام ، وكان من المرصود أيضا قتل بعض المسؤولين . ولكن تبين في الأيام القليلة الماضية أن المحفوقها.ر من إيران إلى سورية فحزب الله يستعدون لحرب واسعة وان روسيا ستدعم عسكريا وماليا وإنسانيا، ولعل ما ظهر من تهديداتهم ليس سوى جزء بسيط مما كانوا يخبئونه، وهذا بالضبط ما كبح جماح الأميركيين وحلفائهم وما اقلق إسرائيل ، فراح اوباما يبحث عن حل سياسي ، ويقال أن بعض هذا الحل قد طبخ أصلا في قمة العشرين في سان بطرسبورغ رغم كل ما أشيع عن جو متشائم .

فما يحصل تحت الطاولات مغاير تماما لما يقال فوقها ...

  • فريق ماسة
  • 2013-09-08
  • 6558
  • من الأرشيف

خسارة اوباما....بالضربة الروسية الكيمائية/ بقلم سامي كليب

ما حصل اليوم بالنسبة للملف الكيمائي السوري يؤكد مقولة شهيرة في علم السياسية أن ما يجري تحت الطاولات وفي الكواليس هو غير ما يحصل فوقها . نجح قيصر روسيا فلاديمير بوتين مرة ثانية باجتراح المعجزة. أوقف فتيل النار قبل لحظة من وصوله إلى برميل البارود. أكد للعالم أن روسيا الجديدة باتت صاحبة قرار مفصلي في أزمات العالم. فهي التي ساهمت في توريط باراك اوباما بمنطق الحرب وهي التي يلجأ إليها الرئيس الأميركي حاليا لإنقاذه من الورطة . اقترحت روسيا رقابة دولية على الأسلحة الكيميائية السورية إذا كان ذلك يوقف الحرب وفق ما قال وزير خارجيتها سيرغي لافروف. قبلت دمشق سريعا بهذا الحل. كان البلدان قد اتفقا منذ أيام على هذا المخرج لكنهما على الأرجح أرجآ الإعلان عنه حتى يزداد إحراج اوباما عالميا خصوصا بعدما تبين أن اخلص حلفائه الاوروبيين أي بريطانيا خذلته والرأي العام العالمي والعربي ضده، ولم يبق إلى جانبه سوى فرنسا بخجل، وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وإسرائيل . ربما حتى إسرائيل تراجعت حين ارتفع منسوب القلق من الأسلحة الإيرانية والسورية وتلك التابعة لحزب الله. فهمت أن ما تخبئه الأطراف الثلاثة ربما اخطر بكثير مما توقعت . لم يأت الاقتراح الروسي من عدم. سبقته مشاورات مكثفة وعروض كثيرة. ما قدم من هذه العروض أولا لإيران وموسكو قوبل بالرفض لأنه كان يتضمن ملفات عديدة تشمل البرنامج النووي والعراق وسورية وحزب الله والمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ومستقبل الرئيس بشار الأسد، ثم جاءت المبادرة العراقية التي لم تكن بعيدة عن إيران وموسكو، وسبقتها زيارةُ سلطان عمان إلى طهران، وزياراتٌ أوروبية رفيعة، وتخللتها زيارة المبعوث الدولي الأميركي الجنسية الإسرائيلي الهوى جيفري فيلتمان إلى طهران حتى كادت العاصمة الإيرانية تتحول إلى ملتقى كل الساعين لحل سياسي ... وتقول معلومات مؤكدة عندنا أن الاقتراح الروسي أقدمت به هيئة التنسيق غلى ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي ، وكان ذلك بعلم وزارتي الخارجية العراقية والمصرية . وقد يلتقي وزير الخارجية المصري نبيل فهمي غدا في القاهرة وفدا من الهيئة التي يرأسها في الخارج الدكتور هيثم مناع لتطوير هذه الفكرة . وفق معلومات موثوقة، فان مسالة الكيميائي هي بالأساس ليست ذات قيمة، فما هو متوفر من كيميائي في سورية ليس بالأصل مهما ولا هو سلاح فتاك كما يدعي الأميركيون وإنما عبارة عن مواد تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي والتخلي عنها سهل إذا كان في الأمر ما يبعد شبح الحرب التي كادت أن تتحول إلى كارثة فعلية على المنطقة بمجملها وفق ما قال الروس والإيرانيون والسوريون والصينيون وغيرهم مرارا. والمعلومات تقول أيضا أن سورية ما كانت لتقبل بهذا الاقتراح الروسي وتوافق عليه مسبقا، لولا حصولها مع حلفائها على ثمن عسكري وسياسي قد تتوضح تفاصيله لاحقا. ولو لاحظتم فان هذا الثمن قد تم التمهيد له أمس من قبل وزير الخارجية السورية وليد المعلم بالتأكيد على أن دمشق ذاهبة إلى جنيف اثنين دون شروط مسبقة. ومنعا لإحراج اوباما والظهور بمظهر الخاسر، كان الإخراج على ما يبدو هو ترك وزير خارجيته جون كيري يقول قبل ساعتين من لافروف أن الرئيس الأسد يستطيع تفادي الضربة إذا سلم الأسلحة الكيمائية. من الصعب التفكير بأن كل ذلك لم يكن منسقا مع الروس، وهذا يعني بالتالي أن أميركا لجأت في نهاية الأمر إلى موسكو وطهران لإيجاد حل سياسي ينقذ اوباما من ورطته، ويوجد حلا مقبولا من الجميع ، خصوصا أن المحور الأميركي الإسرائيلي مع بعض الدول الإقليمية والعربية فهم أن ثمن المواجهة العسكرية سيكون باهظا جدا وربما أكثر بكثير مما توقع البعض. لكن هل هذا يعني أن أميركا ستتراجع سريعا عن العدوان، ليس الأمر محسوما بعد ففي مثل هذه الحالات تأخذ العروض والعروض المضادة وقتا طويلا . والسؤال المطروح في هكذا حال، هل تعمد الروس ترك اوباما يغرق في هذه الورطة، فقالوا بداية أنهم لن يتدخلوا ثم صاروا يرفضون الحرب ثم قالوا أن كيري يكذب ثم هددوا بان الحرب ممنوعة،هل أرادوا فعلا إيصال اوباما إلى مرحلة تبدو فيها صورته عالميا وأميركا سيئة ودون حلفاء تقريبا حتى داخل أوروبا نفسها باستثناء فرنسا. ربما ... ولكن الأكيد، أن اوباما اخترع قصة الكيميائي لشن عدوان على قلب العروبة النابض، فتلقى ضربة كيمائية من الروس أصابت قلب العدوان الجائر بأزمة من الصعب الخروج منها سريعا . كان المخطط أن يشل قدرات الجيش السوري، ويقطع كل الاتصالات والمواصلات، ويضرب في دمشق وحمص واللاذقية، ويدمر بنى تحتية كثيرة ويساهم في إضعاف النظام في وجه المسلحين، ويفتح ثغرات لاختراقات للمسلحين. وكان من المفترض أيضا أن تقوم فرقة عسكرية ( ليست بالضرورة أميركية) بعملية كوماندوس أرضية للسيطرة على مواقع تعتقد أنها كيمائية أو لخطف أو اغتيال مسؤولين في النظام ، وكان من المرصود أيضا قتل بعض المسؤولين . ولكن تبين في الأيام القليلة الماضية أن المحفوقها.ر من إيران إلى سورية فحزب الله يستعدون لحرب واسعة وان روسيا ستدعم عسكريا وماليا وإنسانيا، ولعل ما ظهر من تهديداتهم ليس سوى جزء بسيط مما كانوا يخبئونه، وهذا بالضبط ما كبح جماح الأميركيين وحلفائهم وما اقلق إسرائيل ، فراح اوباما يبحث عن حل سياسي ، ويقال أن بعض هذا الحل قد طبخ أصلا في قمة العشرين في سان بطرسبورغ رغم كل ما أشيع عن جو متشائم . فما يحصل تحت الطاولات مغاير تماما لما يقال فوقها ...

المصدر : الماسة السورية/ سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة