دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم تترك المبادرة الروسية الأثر ذاته على جميع السوريين. هناك من هلّل «بضربة المعلم» عقب التصريحات التي خرج بها، بتزامن، وزيرا خارجية روسيا سيرغي لافروف وسورية وليد المعلم، وهناك مَن ألقى الخبر عن كاهله تهديد الحرب وما يليها.
لكن ثمة من توقف لينظر ما يعنيه كل هذا. وضع سورية لترسانتها الكيميائية تحت رقابة دولية شيء، والتخلي عنها وتدميرها شيء أكبر. الأمر الذي سيدفع السلطات إلى شرح العرض الروسي وأبعاده، قريباً، وفق ما علمت «السفير».
الإعلامية السورية أليسار معلا علقت بشيء من المرارة عبر صفحتها الخاصة على «فايسبوك». «تحتاج سورية أن تحمي ما تبقى منها»، وذلك بعد أن أبدت ثقتها بـ«غيرة القيادة السورية على أوراق قوتنا، وثقتي أنها لن تفرط بها».
من جهته كتب مدير شبكة «عاجل» الإخبارية رامي منصور أن «أميركا لن تقوم بعدوان والسياسة السورية هي من انتصر..»، معتبراً أنه في ما يخص الكيميائي «لو كان له عوز لاستخدمناه ضد إسرائيل.. وعليه فلينقعه (الرئيس الاميركي باراك) أوباما وليشرب الخليج من مياهه».
الشاعرة والناشطة غراسيا العوض، حاولت أمس ضخ «الثقة» بالقرار الاستراتيجي الصادم. فردت على المنبهين من السيناريوهات المدمّرة التي سبقت في العراق وليبيا بأنه من غير الممكن «ألا تكون الدولة منتبهة» لهذه المقارنة. وسألت «دولة تقاتل منذ سنتين، وانتم واقفون إلى جانبها سنتين، وغير واثقين بقراراتها؟».
لكن تبقى المخاوف من السيناريو العراقي شرعية. عبارات مشابهة لما تم تكراره بين يوم وليلة هنا، أعاد استحضاره تقرير لمركز «تشاتهام هاوس» البحثي البريطاني.
ووفقاً للورقة التي أعدّها الباحث نديم رشيدي فإن صدى ما جرى في العام 1991 يتردد الآن في سورية «أنا كنت واضحاً منذ البداية بأن هدف التحالف أو الولايات المتحدة لم يكن التخلص من نظام صدام حسين». الكلمات لوزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول في ذلك التاريخ. صاحب مشهد الوثائق المزيّفة بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية، والذي يتم تشبيهه باستمرار لخليفته لاحقاً جون كيري.
كما تذكر الورقة بتصريحات وزير الدفاع ديك تشيني حينها، عندما ردّ على تساؤلات الكونغرس، عن الإجراء الأميركي المحتمل للتعامل مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حربه الداخلية ضد الأكراد والمتمردين. فكان ردّه «نحن لسنا على ثقة مع جانب أي طرف سنقف». السيناريو العراقي الذي تدرج من ضربة عسكرية سريعة إلى عقوبات دولية خانقة، انتهت بعد إنهاكه إلى ضربة عسكرية قاتلة، مختلف بدوره عن السيناريو الليبي، لتخلي نظام العقيد معمر القذافي عن مشروع سلاحه الكيميائي منذ أكثر من عقد، مقابل تسوية كبيرة، فتحت له أبواب الديبلوماسية الدولية، حتى جاءت لحظة اقتلاعه من دون مقاومة فعلية من كرسيه.
لكن يبقى ثمة فوارق جوهرية بين «الاستثناء» السوري والحالتين. وأبرز ما في هذا الاستثناء، وفقاً لمصدر مقرب من السلطات، استمرار وجود حلفاء لسورية، بين أبرزهم روسيا وإيران، وعدم وجود مؤشرات لانفضاض هذا التحالف بأي شكل.
بل إن أبرز ما في «الاستثناء» أن سورية هي الدولة الوحيدة المتبقية، في الشرق الأوسط، التي يمكن أن تبقى في إطار تحالف مشابه. يضاف إلى ذلك ظروف سياسية مختلفة عن العقدين السابقين، إضافة لموقع سورية الجغرافي وقدرتها على حركة مرنة في محيطها. كما أن قراراً أممياً لن يمرّ بصدد سورية.
وفي هذا السياق، يدافع المصدر عن التوافق الروسي - السوري، مشدداً على أن دمشق «رحّبت بالمبادرة الروسية». أياً يكن، وفقاً لتقييم المصدر، فإن القبول السوري ناجم عن مقومات عدة منها التالي: دفع التيار المعادي للحرب في الكونغرس لتبني «المبادرة السياسية» التي تقي من الحرب، وكذلك الأمر مع الرأي العام الدولي المناهض للتدخل، إضافة إلى توفير «مخرج» للرئيس الأميركي للانفلات من تورطه في الاندفاع العسكري.
من جهة أخرى، فإن الرهان السوري أن المبادرة قد تدفع لاحقاً لعملية سياسية، ترغب بها دمشق وموسكو. ووفقاً للمصدر ألقى السوريون كل ثقتهم على الروس في هذه العملية، مستندين للتنسيق الدائم الذي يجري بين الطرفين، ولرغبة البلدين في تعزيز الموقف الروسي على الصعيد الدولي.
رغم ذلك، سوريون كثر صدمهم أن «توافق» دمشق على «التخلي» عن الترسانة «الكيميائية» التي لم تعترف بها يوماً، في سبيل التقليل من احتمالات عدوان أميركي.
بل إن وسائل إعلام مقربة من الدولة روجت أمس بأن ترسانة «الكيميائي» السوري تعود للثمانينيات، وقديمة ولا يُعوّل عليها. وذلك في خلاف لما قيل على مدى عقود عن الجهود التي بذلت ضمن تحالفات سوريا التقليدية لتطوير هذا السلاح وتركيزه، حتى تحوّل إلى سلاح استراتيجي رادع. الأمر الذي ربما يعني أن قراراً بهذه الخطورة، ربما لا يمر بيسر في الدوائر السياسية والعسكرية في سوريا. ثمة من يقول في دمشق إنه «لا تخلّي عن السلاح لا اليوم ولا بعد اسبوع أو عام»، يجابهه رأي آخر بأن «الكيميائي الغرض منه الحماية. ماذا إن تحوّل إلى تهديد؟».
من جهتها، لا زالت المبادرة التي صاغها الروس غامضة، وتحتاج إلى نقاش، بين القطبين الدوليين روسيا وأميركا. ووفقاً لما أكده لـ«السفير» مصدر روسي تابع لقاء المعلم في موسكو «ما من خريطة طريق بعد لهذه العملية، ولكن كان المهم هو تعويم الحل السياسي على الحل العسكري». وهي معلومات ثبتها مسؤول سوري ايضاً، مشيراً في تصريحات لـ«السفير» إلى أن «التفاصيل ستأتي لاحقاً، وأن مشاورات تجري بين الأطراف المعنية لوضع خطة عمل».
ماذا عن الصراع؟ هل يدخل ضمن ذيول الاتفاق؟ يجيب المصدر بـ«لا» من دون تردّد. «الصراع مستمرّ، وربما يزداد شراسة مع فوات مشروع التدخل العسكري مرة أخرى». من جهته، يقول مراقب غربي لـ«السفير» إن الاتفاق ربما يترك الباب مفتوحاً، لفتح قنوات اتصال جديدة مع دمشق. كما يلمح إلى خبر إلغاء الإدارة الأميركية زيارة «قائد المجلس العسكري الأعلى للجيش الحرّ» سليم إدريس، «كنوع من ردّ التحية» لروسيا، ولكن من دون أن يعني ذلك تحولاً في الحرب السورية.
المصدر :
الماسة السورية/ السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة