لم يعرف التاريخ دولة متجبرة قاهرة لشعوبها كالدولة العباسية ، صحيح أن الشعوب الإسلامية قد عانت من جبروت ملوك بني أمية- حاشاك عمر بن عبد العزيز- إلا أن الأمر لما وصل إلى جبابرة الدولة العباسية الأولى ترحموا على ملوك بني أمية ولسان حالهم، يقول :

ربّ يومٍ بكيتُ منه فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه

وإذا كان لا بد من الدخول في التفاصيل ، فإن ملوك بني أمية لم يصل موصولهم إلى تبني كتّاب ومؤرخين يشوّهون حقيقة الإسلام والمسلمين ، صحيح أنهم تبنوا بعضاً من الصحابة والتابعين ممن كتب ما يرضيهم ، فكذبوا على رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ولكن كذبهم كان في إطار تأكيد إسلامهم ، وهم الطلقاء ، وتأكيد أنهم في الصف النبوي وهم العتقاء ، ولكنهم وكل همهم في واقع الحال كان محاولة جادة لمحو تاريخ مجموعة من الأحاديث قالها النبي بحقهم وهو يلعنهم ، وعليك أيها القارئ العزيز أن تعود إلى كتاب المقريزي (1) ( النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم (2) ) لتقف على لعنات النبي (ص) المتكررة على بني أمية ، الذين كان جل همهم من استخدام الوضاعين أن ينظر المسلمون إليهم بعين الرضا ، بعد أن أبعدهم الرسول عنه وأخرجهم من ذوي قرباه لما كان من عداوتهم له في دين الله ، وتكذيبهم النبوة والرسالة إلى أن جعلهم الله من الطلقاء .

فلما جاء العباسيون جاء معهم القتل وسفك الدماء وسفحها وسفكها ويكفى التاريخ أن يصور أبا جعفر المنصور فتاكاً قاتلاً أقرب الناس إليه وفي سبيل الحكم ومن أجل الاستمرارية في السلطة، لجؤوا إلى وسائل قذرة بين الفينة والأخرى ، لجؤوا إلى العمل غير الصالح ، فلم ينفعهم أنهم أولاد العباس عم النبي ، وصدق الله في كل ما يقول : " إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح " هود / 46 .

وإذا كان الحجاج الحاكم الأموي قد جعل عبد الملك بن مروان أنفع للمسلمين من رسول الله ، بمجلس كفر ، فإن ابن شقي الحميري أعاد الكرة وجعل هشام بن عبد الملك ، أكرم على الله من رسوله ، في كلمة له بمجلس هشام حين ، قال : أمير المؤمنين خليفة الله وهو أكرم على الله من رسوله ، فأنت ( يخاطب هشام بن عبد الملك ) خليفة الله ، وأنت أكرم على الله من رسوله ، فأنت خليفة ومحمد رسول الله!..

ذلك المجلس الأموي بحاشيته كان نخبة الشعب المنكوب المنكود بهؤلاء الخلفاء ، ولم يكن كتاب ذلك العصر إلا أكثر نفاقاً وكذباً على الله ورسوله ، في باب مدح ملوكهم ورفعهم فوق مستوى الرسالة والرسول ، واكتب يا تاريخ !..

وسجّل التاريخ صفات الإسلام والإيمان عن أناس عادوا رسول الله ، وما آمنوا إلا طلقاء طلقاء ، سجّل عن قوم كانوا الأكثر ، والأنكر ، والأمكر .

وعلى شباب أمتنا المعاصرين أن يعرفوا المقدمات الخاطئة التي أوصلت أمة العرب والإسلام إلى ما هم عليه في العصر الحديث من ضعف وخزي وتخلف ، ومن رحمة الله بنا أن التخلف ليس له رائحة وإلا لما استطاع الناس أن يمشوا في الشوارع من نتن ريح التخلف هذا التخلف ، وفقدان الوعي القديم والسعي كذباً على الرسول جعلهم يعتقدون أن دعوة النبي صراع على الدنيا ، وهذا ما يعلنه أبو سفيان في وقوفه على قبر حمزة ، وهو يركله بقدمه ، ويقول : يا حمزة إن الأمر الذي كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم ، وكنا أحق به من تيم وعدي ".

وإذن فأبو سفيان يركل قبر حمزة عم النبي (ص) ويصرح بما في قلبه أن بني أمية أحق بأمر الخلافة من جماعة أبي بكر ( تيم ) ومن جماعة عمر ( عدي ) ، فهذا كل مفهومه عن الدين أنه صراع من أجل الملك ، فلما استوى لهم الملك وضعوا الأحاديث على لسان سيد الكائنات     (ص) بما يناسبهم ويجعلهم وحدهم مسلمين ، وما عداهم خارجين عن الإسلام .. ولطالما قال رسول الله " فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم " صحيح مسلم .

كلام خطير على العوام وأشباه المثقفين والباحثين ولكنه ليس غريباً على من يقف وراء كل خبر تاريخي محللاً مقارناً ما وراء أكمة الأقوال والأخبار. وأزعم أن بني أمية وراء مقتل الخليفتين عمر وعثمان الأول حين دفعوا أبا لؤلؤة فقتله بالخنجر والثاني خبطوه بالسلاح ، وبعجوا بطنه بالحراب وضربوا أوداجه بالمشاقص ( جمع مشقص سهم ذو نصل عريض ) ليثيروا الفتن ، باتهام الآخرين بقتله فيخرجوا ( بموجب البند السابع ) مناصرين للمظلوم الذي قتلوه من أجل الوصول إلى الحكم ، بعد التعطيش ، والحصر الشديد والمنع من القوت ، ووطئ أضلاعه بعد موته ، وإلقائه على المزبلة جسداً مجرداً.

فكانت المادة السابعة احتلبته دماً لا تطير رغوته ، ولا تسكن فورته ، ولا يموت ثائره ، ولا يكمل طالبة ( انظر رسالة الجاحظ في بني أمية ) وكان لهم ما أرادوا من ذلك حين استلموا فما يفعله الإعلام اليوم من تشويه للحقائق ما هو بجديد ، وما يفعله شياطين الإنس اليوم ما هو بجديد ، فقد عمله الأوائل من أجل الملك.

ومع كل ذلك العمل الشنيع لم يكن همّ بني أمية إلا أن يسيطروا على مقاليد ذلك الحكم وأن يظهروا مسلمين كبقية المسلمين ، وإن نالوا من خصومهم بالسم تارة " لله في العسل جنود " وبالغدر تارة ، وبالشتم سنين طويلة !..وأسسوا فكراً دموياً تابعه العباسيون لما فيه من جور للرعيه يكتم أنفاسها ، فلا يتكلم إلا من يريدون له الكلام، وأحلوا لخلفائهم أمويين وعباسيين الظلم ، والجور ، وقتل الفقهاء ، ونفي الصلحاء وإجاعة الناس وظلم الضعفاء ، وتعطيل الحدود ، وإبطال جهاد الثغور ، وإظهار الفجور ، وشرب الخمور .

ومن يقرأ كتاب "بهجة المجالس وأنس المجالس" المنسوب للسيوطي يقف على الكثير مما ندعيه موثقاً . أما الشعب ، فقد تعلم من سلاطين الدولتين المداهنة ، والملاعنة ، إلا بقية ممن عصمهم الله ظلوا بعيدين ، وعلى روح الإسلام محافظين فكم مرة هدموا الكعبة ، وكم مرة غزوا المدينة واستباحوا حرمتها وكم مرة أخروا الصلاة عن وقتها ، وظلوا يستخدمون المادة السابعة بقتل الشعب ، وتكفير من يخرج عليهم ، حتى أعلن عبد الملك بن مروان سياسته القمعية بكل صراحة ، فزجر من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، وعاقب عليه ، وقتل فيه . فصار السلاطين بعده ، لا يتناهون عن منكر فعلوه وتمردوا على الله ، واستخفوا بالدين ، واستهانوا بالمسلمين ، وأهان أعزتهم في هؤلاء " أكلُ أمرائهمِ الطعام وشربهم الشراب على منابرهم أيام جمعهم وجموعهم ، فعل ذلك حبيش بن ولجة القيني ، وطارف مولي عثمان ، والحجاج وغيرهم ، وذلك أنه كان كفراً كله ، فلم يبلغ كفر نابتة عصرنا .." وإذا تذكرنا أن الجاحظ توفي سنة 255هـ علمنا مدى توغل حركة التكفيريين -في ذلك الوقت- بين المسلمين لهذا يقول بعد أن يتحدث عن حبيش بن ولجة وهزئه بالدين ، يقول : لم يبلغ كفر نابتة عصرنا.." كلام يعتقد المرء معه أن حركة التكفيريين نشأت على يد المنافقين والطلقاء والعتقاء الذين ما استطاعوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، فاستخدموا نار حقدهم لينالوا من عباد الله المخلصين مستخدمين التكفير سلاحاً يرهبون به المسلمين الموحدين ، لدرجة يعتقد معها الباحث أن مادة التكفير تعاقبت على يد هؤلاء وتلاميذهم من عصر إلى عصر إلى أن وصلتنا في العصر الحديث ألعنَ وأخبثَ ، لأنها اعتمدت على تفكير التكفيريين القدامى وجعلتهم السلف ، بل والسلف الصالح أيضاً !.."

إن دراسة جادة ومستفيضة لهؤلاء التكفيريين ، كذلك دراسة تفاعلات فكرهم وتشددهم ، واستدام العنف على مدار حركتهم في التاريخ تبين لنا إلى أي مدى كانت قدرتهم في حرف الإسلام عن مساره الصحيح ، إن أحداً لم يتفرغ لدراسة درجة الانحراف الشديد بعد ، وإن فعل فالقداسة المصطنعة قد تحول دون ذلك .

  • فريق ماسة
  • 2008-12-31
  • 20641
  • من الأرشيف

الحلقة الأولى من لو أن للتخلف رائحة /الدكتور علي الشعيبي

لم يعرف التاريخ دولة متجبرة قاهرة لشعوبها كالدولة العباسية ، صحيح أن الشعوب الإسلامية قد عانت من جبروت ملوك بني أمية- حاشاك عمر بن عبد العزيز- إلا أن الأمر لما وصل إلى جبابرة الدولة العباسية الأولى ترحموا على ملوك بني أمية ولسان حالهم، يقول : ربّ يومٍ بكيتُ منه فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه وإذا كان لا بد من الدخول في التفاصيل ، فإن ملوك بني أمية لم يصل موصولهم إلى تبني كتّاب ومؤرخين يشوّهون حقيقة الإسلام والمسلمين ، صحيح أنهم تبنوا بعضاً من الصحابة والتابعين ممن كتب ما يرضيهم ، فكذبوا على رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ولكن كذبهم كان في إطار تأكيد إسلامهم ، وهم الطلقاء ، وتأكيد أنهم في الصف النبوي وهم العتقاء ، ولكنهم وكل همهم في واقع الحال كان محاولة جادة لمحو تاريخ مجموعة من الأحاديث قالها النبي بحقهم وهو يلعنهم ، وعليك أيها القارئ العزيز أن تعود إلى كتاب المقريزي (1) ( النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم (2) ) لتقف على لعنات النبي (ص) المتكررة على بني أمية ، الذين كان جل همهم من استخدام الوضاعين أن ينظر المسلمون إليهم بعين الرضا ، بعد أن أبعدهم الرسول عنه وأخرجهم من ذوي قرباه لما كان من عداوتهم له في دين الله ، وتكذيبهم النبوة والرسالة إلى أن جعلهم الله من الطلقاء . فلما جاء العباسيون جاء معهم القتل وسفك الدماء وسفحها وسفكها ويكفى التاريخ أن يصور أبا جعفر المنصور فتاكاً قاتلاً أقرب الناس إليه وفي سبيل الحكم ومن أجل الاستمرارية في السلطة، لجؤوا إلى وسائل قذرة بين الفينة والأخرى ، لجؤوا إلى العمل غير الصالح ، فلم ينفعهم أنهم أولاد العباس عم النبي ، وصدق الله في كل ما يقول : " إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح " هود / 46 . وإذا كان الحجاج الحاكم الأموي قد جعل عبد الملك بن مروان أنفع للمسلمين من رسول الله ، بمجلس كفر ، فإن ابن شقي الحميري أعاد الكرة وجعل هشام بن عبد الملك ، أكرم على الله من رسوله ، في كلمة له بمجلس هشام حين ، قال : أمير المؤمنين خليفة الله وهو أكرم على الله من رسوله ، فأنت ( يخاطب هشام بن عبد الملك ) خليفة الله ، وأنت أكرم على الله من رسوله ، فأنت خليفة ومحمد رسول الله!.. ذلك المجلس الأموي بحاشيته كان نخبة الشعب المنكوب المنكود بهؤلاء الخلفاء ، ولم يكن كتاب ذلك العصر إلا أكثر نفاقاً وكذباً على الله ورسوله ، في باب مدح ملوكهم ورفعهم فوق مستوى الرسالة والرسول ، واكتب يا تاريخ !.. وسجّل التاريخ صفات الإسلام والإيمان عن أناس عادوا رسول الله ، وما آمنوا إلا طلقاء طلقاء ، سجّل عن قوم كانوا الأكثر ، والأنكر ، والأمكر . وعلى شباب أمتنا المعاصرين أن يعرفوا المقدمات الخاطئة التي أوصلت أمة العرب والإسلام إلى ما هم عليه في العصر الحديث من ضعف وخزي وتخلف ، ومن رحمة الله بنا أن التخلف ليس له رائحة وإلا لما استطاع الناس أن يمشوا في الشوارع من نتن ريح التخلف هذا التخلف ، وفقدان الوعي القديم والسعي كذباً على الرسول جعلهم يعتقدون أن دعوة النبي صراع على الدنيا ، وهذا ما يعلنه أبو سفيان في وقوفه على قبر حمزة ، وهو يركله بقدمه ، ويقول : يا حمزة إن الأمر الذي كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم ، وكنا أحق به من تيم وعدي ". وإذن فأبو سفيان يركل قبر حمزة عم النبي (ص) ويصرح بما في قلبه أن بني أمية أحق بأمر الخلافة من جماعة أبي بكر ( تيم ) ومن جماعة عمر ( عدي ) ، فهذا كل مفهومه عن الدين أنه صراع من أجل الملك ، فلما استوى لهم الملك وضعوا الأحاديث على لسان سيد الكائنات     (ص) بما يناسبهم ويجعلهم وحدهم مسلمين ، وما عداهم خارجين عن الإسلام .. ولطالما قال رسول الله " فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم " صحيح مسلم . كلام خطير على العوام وأشباه المثقفين والباحثين ولكنه ليس غريباً على من يقف وراء كل خبر تاريخي محللاً مقارناً ما وراء أكمة الأقوال والأخبار. وأزعم أن بني أمية وراء مقتل الخليفتين عمر وعثمان الأول حين دفعوا أبا لؤلؤة فقتله بالخنجر والثاني خبطوه بالسلاح ، وبعجوا بطنه بالحراب وضربوا أوداجه بالمشاقص ( جمع مشقص سهم ذو نصل عريض ) ليثيروا الفتن ، باتهام الآخرين بقتله فيخرجوا ( بموجب البند السابع ) مناصرين للمظلوم الذي قتلوه من أجل الوصول إلى الحكم ، بعد التعطيش ، والحصر الشديد والمنع من القوت ، ووطئ أضلاعه بعد موته ، وإلقائه على المزبلة جسداً مجرداً. فكانت المادة السابعة احتلبته دماً لا تطير رغوته ، ولا تسكن فورته ، ولا يموت ثائره ، ولا يكمل طالبة ( انظر رسالة الجاحظ في بني أمية ) وكان لهم ما أرادوا من ذلك حين استلموا فما يفعله الإعلام اليوم من تشويه للحقائق ما هو بجديد ، وما يفعله شياطين الإنس اليوم ما هو بجديد ، فقد عمله الأوائل من أجل الملك. ومع كل ذلك العمل الشنيع لم يكن همّ بني أمية إلا أن يسيطروا على مقاليد ذلك الحكم وأن يظهروا مسلمين كبقية المسلمين ، وإن نالوا من خصومهم بالسم تارة " لله في العسل جنود " وبالغدر تارة ، وبالشتم سنين طويلة !..وأسسوا فكراً دموياً تابعه العباسيون لما فيه من جور للرعيه يكتم أنفاسها ، فلا يتكلم إلا من يريدون له الكلام، وأحلوا لخلفائهم أمويين وعباسيين الظلم ، والجور ، وقتل الفقهاء ، ونفي الصلحاء وإجاعة الناس وظلم الضعفاء ، وتعطيل الحدود ، وإبطال جهاد الثغور ، وإظهار الفجور ، وشرب الخمور . ومن يقرأ كتاب "بهجة المجالس وأنس المجالس" المنسوب للسيوطي يقف على الكثير مما ندعيه موثقاً . أما الشعب ، فقد تعلم من سلاطين الدولتين المداهنة ، والملاعنة ، إلا بقية ممن عصمهم الله ظلوا بعيدين ، وعلى روح الإسلام محافظين فكم مرة هدموا الكعبة ، وكم مرة غزوا المدينة واستباحوا حرمتها وكم مرة أخروا الصلاة عن وقتها ، وظلوا يستخدمون المادة السابعة بقتل الشعب ، وتكفير من يخرج عليهم ، حتى أعلن عبد الملك بن مروان سياسته القمعية بكل صراحة ، فزجر من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، وعاقب عليه ، وقتل فيه . فصار السلاطين بعده ، لا يتناهون عن منكر فعلوه وتمردوا على الله ، واستخفوا بالدين ، واستهانوا بالمسلمين ، وأهان أعزتهم في هؤلاء " أكلُ أمرائهمِ الطعام وشربهم الشراب على منابرهم أيام جمعهم وجموعهم ، فعل ذلك حبيش بن ولجة القيني ، وطارف مولي عثمان ، والحجاج وغيرهم ، وذلك أنه كان كفراً كله ، فلم يبلغ كفر نابتة عصرنا .." وإذا تذكرنا أن الجاحظ توفي سنة 255هـ علمنا مدى توغل حركة التكفيريين -في ذلك الوقت- بين المسلمين لهذا يقول بعد أن يتحدث عن حبيش بن ولجة وهزئه بالدين ، يقول : لم يبلغ كفر نابتة عصرنا.." كلام يعتقد المرء معه أن حركة التكفيريين نشأت على يد المنافقين والطلقاء والعتقاء الذين ما استطاعوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، فاستخدموا نار حقدهم لينالوا من عباد الله المخلصين مستخدمين التكفير سلاحاً يرهبون به المسلمين الموحدين ، لدرجة يعتقد معها الباحث أن مادة التكفير تعاقبت على يد هؤلاء وتلاميذهم من عصر إلى عصر إلى أن وصلتنا في العصر الحديث ألعنَ وأخبثَ ، لأنها اعتمدت على تفكير التكفيريين القدامى وجعلتهم السلف ، بل والسلف الصالح أيضاً !.." إن دراسة جادة ومستفيضة لهؤلاء التكفيريين ، كذلك دراسة تفاعلات فكرهم وتشددهم ، واستدام العنف على مدار حركتهم في التاريخ تبين لنا إلى أي مدى كانت قدرتهم في حرف الإسلام عن مساره الصحيح ، إن أحداً لم يتفرغ لدراسة درجة الانحراف الشديد بعد ، وإن فعل فالقداسة المصطنعة قد تحول دون ذلك .

المصدر : موقع عربي برس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة