دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في انتظار بلورة آفاق الانفتاح الاميركي الايراني، هناك تقاطع مصالح روسية سعودية، وجملة ملفات عالقة، يشكل لبنان احد عناوينها. فكيف يمكن ان تكون نتيجة هذا التقاطع؟
يرصد المتابعون اللبنانيون تطور العلاقة الاميركية ــــ السعودية في الاسابيع الاخيرة. ولئن كان تأجيل زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى الرياض تفصيلاً صغيراً من تداعياتها التي تترتب على لبنان بعد التطورات المتعلقة بالوضع السوري وما استجد حول الحوار الاميركي ــــ الايراني، الا ان هناك تشعبات وملاحظات تبدو اكثر اهمية وتأثيرا في المسار الشرق اوسطي.
ثمة التباس دائم في العلاقة بين الدولتين حول قراءة كل منهما لمفهوم الارهاب الذي تعطيه واشنطن اولوية في تحديد خياراتها الاستراتيجية، ولا سيما في رسم سياستها الخارجية. ومرد هذا الالتباس، هو التلويح الدائم بعلاقة السعودية ببعض التنظيمات الاصولية التي كانت ولا تزال ترعى عملها، ولا سيما في بعض دول المنطقة. ورغم ان السعودية تتبرأ دوما من اي مساندة لحركات اصولية الا انها ظلت اسيرة هذا الاتهام ولا سيما بعد 11 ايلول.
ورغم العلاقة التاريخية التي تجمع الرياض بواشنطن، الا ان هذه العلاقة شهدت مداً وجزراً منذ ان بدأ الجيش الاميركي بعد 11 ايلول يقترب من مناطق نفوذ الرياض استخباراتيا وعملانيا. لكن السعودية لم تستطع الا ان تكون الى جانب الولايات المتحدة في حملتيها ضد نظامي طالبان الافغاني والرئيس العراقي صدام حسين تحت عنوان محاربة الارهاب، وقدمت لها مرغمة بعض التسهيلات اللوجيستية في حربها الاخيرة على العراق.
جاء الربيع العربي، وتبلور اكثر فأكثر اختلاف النظرتين الاميركية والسعودية الى المتغيرات في المنطقة. اساساً لم تنظر السعودية بارتياح الى خطاب الرئيس الاميركي باراك اوباما في جامعة القاهرة عام 2009 الذي دعا فيه الى نبذ التطرف الديني واحترام الحريات الدينية والديموقراطية وحقوق المرأة وتطرق فيه الى مفاهيم الاسلام.
كان اوباما قد زار انقرة، في زيارة بدت اعترافاً اميركياً بتجربة الاخوان المسلمين مع حكومة حزب العدالة والتنمية، وهي رؤية حكمت الى حد كبير مفهوم الادارة الجديدة، آنذاك، في تعاطيها مع تظاهرات الربيع العربي في مصر وتونس. كان مثال الاخوان المسلمين نموذجاً اميركياً للتعميم، ما اثار حفيظة السعودية، التي بدأت ترى في الامر سحباً لسلطتها زعيمة اسلامية، مقابل تصدر تركيا الساحة الاقليمية في محاولة لاستعادة مجدها العثماني القديم. وجاءت انتخابات مصر وتونس ووصول الاخوان الى الحكم فيهما وكأنها تتمة لمسار اميركي مناهض للخط السعودي التقليدي الداعم لانظمة دول المنطقة الصديقة.
مع بداية الاحداث السورية، نأى الاميركيون بأنفسهم عن التدخل المباشر فيها، في حين تورط فيها الاتراك والسعوديون والروس والايرانيون. ومع مرور اكثر من عامين، ظلت واشنطن بعيدة عن التدخل المباشر في الحرب المستعرة، فيما ازداد تورط باقي الاطراف فيها، بينما كانت البلدان العربية تشهد متغيرات تتناول طبيعة انظمة الحكم الجديدة.
من مصر الى تونس واليمن وليبيا، كانت الرياض على نقيض من السياسة الاميركية، وبدا ان كل ما تطرحه ادارة اوباما لا يلائم السياسة السعودية. وما أن لاحت اشارات عن احتمال لقلب الانظمة الاخوانية، حتى اقتنصت السعودية الفرصة، وبدأت حملة ضغط سياسي ومالي على تونس ومصر لكسب نظاميهما، والمغرب حالياً لتشكيل حكومة حليفة، بعد تدخلها سابقاً في البحرين واليمن، في اطار تجميع اوراقها الاقليمية في حرب ديبلوماسية وسياسية مكشوفة مع واشنطن.
مع المحادثات الروسية الاميركية، على خلفية الملف الكيميائي السوري، والتي انتهت الى قرار من مجلس الامن بحسب النص الاميركي، انفتح باب خلفي على حوار ايراني اميركي، ظهر وكأنه ليس ابن ساعته، وهو ما ابدت روسيا انزعاجا منه، تماما كما السعودية، الامر الذي اعاد ربط الاتصالات بينهما. كانت روسيا، ولا تزال، تعارض نمو الاخوان المسلمين، واستمرت على تواصلها مع السعودية المبني على تقاطع مصالح اقليمية سياسية واقتصادية، ارتفعت وتيرته مع تطور الوضع في سوريا. وفي الاشهر الاخيرة قيل ان ثمة عرضاً قدمه رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، ورفضه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للتخلي عن الرئيس السوري بشار الاسد. لكن ثمة تقارير غربية تتحدث عن ان بوتين قال للسعوديين انهم اذا تمكنوا مع المعارضة السورية من انشاء حكومة معارضة فليكن. لكنه تقاطع معهم في نقطتين: محاربة الاخوان المسلمين ووقف صعودهم في سوريا، ومنع الغاز القطري من الوصول الى المتوسط ومن ثم الى اوروبا، لمنع المنافسة مع الطاقة الروسية.
مع انقشاع الرؤية عن تفاصيل الحوارات الاميركية ــــ الايرانية، بدت السعودية في حالة ارباك وفق بعض الاشارات، لكن من المبكر القول كيف يمكن ان تترجم من خلال دورها المؤثر في دول المنطقة والعراق وسوريا ولبنان في مقدمها. فهل يمكن للسعودية ان تعود الى لعب دور مفصلي سواء في الانتخابات العراقية المقبلة، او الحكومة اللبنانية واستطرادا الانتخابات الرئاسية، وكيف يمكن ان يتطور دورها في مساندة المعارضة السورية، بعد وضوح افاق الحوار الاميركي ــــ الايراني، ومستقبل العلاقة السعودية ــــ الايرانية بعد معرفة مصير زيارة الحج التي دعت اليها السعودية الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني وعدم لحظها في جدول مواعيده بحسب مساعد وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان.
ومن المبكر التعويل، ايضا، على حوارات اميركية ــــ ايرانية، او اميركية ــــ روسية، او حتى سعودية ــــ روسية، ولا سيما ان الرياض سبق ان حاولت شراء الموقف الروسي ما قبل الحرب السورية بعروض وصفقات اسلحة.
هناك ترقب للموقف التركي من هذه التحولات، بعدما هوت احلام حزب التنمية والعدالة في تأطير حلف اخواني من مصر الى غزة وسوريا وتونس. لكن، في المقابل، فان التعويل على الغزل الاميركي ــــ الايراني (مع العلم انها ليست المرة الاولى التي تحدث فيها مثل هذه الاتصالات وان ليس على مستوى رئيسي البلدين) سابق لاوانه. لكنه حتى الان بدأ يؤتي ثماره على صعيدين، قلق تركي وسعودي وروسي، وحركة ايرانية داخلية يمكن ان تؤدي الى تعزيز دور الفريق الاصلاحي الايراني تدريجاً مع رفع العقوبات الاقتصادية، في وجه المتشددين.
وفي انتظار حل كل هذه التشابكات الاقليمية سيبقى الوضع الداخلي معلقاً يراوح مكانه، طالما ان لبنان عنوان من جملة عناوين مطروحة للحل بين السعودية وروسيا من جهة وبين الولايات المتحدة وايران من جهة اخرى.
المصدر :
هيام القصيفي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة