دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يشكل «الربيع العربي» نقطة تحوّل بالنسبة للدول التي شهدته فقط، فالمصطلح الذي أدى إلى تغيير الحكم في تونس وليبيا ومصر وإلى حرب طويلة في سورية، ساهم في تغيير السياسة القطرية، وبشكل مختلف في بدايته عما هي الآن.
الدولة التي قال عنها حاكمها المتنحي الامير حمد بن خليفة في مقابلة مع صحيفة «فاينانشل تايمز» في العام 2010، إنها تنتهج سياسة «الصداقة» مع الجميع من دون أن تكون طرفاً في أي نزاع، خلعت عن نفسها هذا الثوب في العام 2011 بدخولها معترك «الثورات العربية» من بابه العريض، مشجعة الطرف الأقوى بالنسبة إليها أي «الإسلاميين»، من خلال التجييش الإعلامي والشعبي، وصولاً إلى اتهامها بإمداد «الثوار» في ليبيا وسورية بالأسلحة.
قبل العام 2011، كان الدور القطري يقتصر على الوساطة في النزاعات الدائرة في الدول الشقيقة وغير الشقيقة، فمن اتفاق الدوحة اللبناني إلى السعي لحل قضية دارفور في السودان إلى لعب دور الوسيط في اليمن والصومال وأفغانستان وفلسطين، كانت قطر تسعى لأن تكون مرجعاً في الديبلوماسية الشرق أوسطية.
وبالإضافة إلى الوساطة، اتسمت السياسة القطرية منذ وقت طويل بصفة «التناقض». وأتى «الربيع العربي» ليلغي الصفة الأولى ويلقي الضوء على الثانية، حيث برزت قطر التي تستضيف على أرضها أكبر قاعدة عسكرية أميركية، كأهم داعم للحركات الإسلامية التي يفترض انها تشكل خطراً على سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، كذلك على بقية دول الخليج العربي.
ومع تقدم مراحل «الربيع العربي»، بدأ التغير الذي شهدته السياسة القطرية يتحول إلى تراجع، خصوصاً بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي وفوز أحمد عاصي الجربا المدعوم من قبل السعودية في انتخابات رئاسة «المجلس الوطني السوري» المعارض، إضافة إلى استقالة غسان هيتو من رئاسة «الحكومة الانتقالية» السورية. ولكن هذا التراجع لم يكن إلى المربع الأول، بل إلى ما هو أبعد من ذلك مع إقصاء قائد الأوركسترا الديبلوماسية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، الأمر الذي يعني إبعاد محاور ومندفع ومخطط أساسي للسياسة القطرية الخارجية منذ انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على حكم والده وتسلمه للسلطة في العام 1995، حتى بعد سنتين من انطلاق أحداث «الربيع العربي».
تمهيد لتغيير؟
قالها الشيخ تميم لدى تسلّمه حكم الامارة، وأكد أن قطر ستكمل التزاماتها الدولية والإقليمية ولكنه مع ذلك لم يدخل في التفاصيل ولم يسهب في الشرح، الأمر الذي فسره بعض المراقبين أنه مقدمة لتغيّر محتمل في السياسة الإقليمية القطرية.
بالتوازي مع ذلك، برز دور السعودية على الساحة الإقليمية مع ظهور رئيس استخباراتها الأمير بندر بن سلطان، الذي دل على نقطة التحول وتبادل للأدوار بين البلدين، وفق ما يشير لـ«السفير» مدير فرع قطر للمعهد الملكي للخدمات المتحدة دايفيد روبرتس.
لكن الشيخ تميم أكد أيضاً أن قطر عملت للوصول إلى سلوكها «المستقل» وهي لا ترضى بأن يملي عليها أحد ما تفعل، مشدداً في الوقت ذاته على أن علاقتها مع جاراتها تنطلق من الأخوة وحسن والجوار والصداقة بما يتناسب مع مصلحة الشعب القطري.
إذن، المصلحة أو الاستفادة القطرية هي المحرك الأساسي لسياسة هذه الدولة الخليجية، وهي التي ترجمها بعض الباحثين على أنها تنطلق من الـ«براغماتية». كما وصفها بعض المحللين أنها ليست قائمة على استراتيجية واضحة ومتماسكة أو على تخطيط بعيد المدى، بل على رد فعل ساخن على الأحداث القائمة. من هنا، وللحفاظ على دورها الريادي وعلى مكانتها كمرجع في المنطقة، إضافة إلى إبعاد خطر «الثورات العربية» عنها، كان على قطر أن تتدخل بشكل مباشر في أحداث «الربيع العربي». ولكن مع تقدم مراحل هذا «الربيع»، بدأ الامتعاض يظهر على حلفائها بسبب دعمها للإسلاميين، سواء على المستوى السياسي او على المستوى «الجهادي»، الأمر الذي أدى على ما يبدو حتى الآن الى تباطؤ الاندفاع القطري بوصول الأمير تميم إلى الحكم، واعلانه رفض «تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي».
«قطر كغيرها من الدول لم يكن لديها استراتيجية واضحة لكيفية التعاطي مع أحداث الربيع العربي». يشير روبرتس في حديثه لـ«السفير»، إلى أن دعمها لـ«الإخوان المسلمين» لم يكن نابعاً من تقارب أيديولوجي، لكن من إرادة قطر في القيادة والتي يعززها بروز «الإخوان» كقوة في مصر وسورية وليبيا، كما أن دعمها لـ«الإخوان» في مصر، كان انطلاقاً من رغبتها في رؤية «مصر جديدة» وحكم جديد.
في مقاربة أخرى للموضوع، تؤكد مديرة برنامج الإصلاح العربي والديموقراطية في جامعة «ستانفورد» لينا الخطيب في بحث بعنوان «السياسة الخارجية القطرية: حدود البراغماتية»، أن عدم وجود إستراتيجية متماسكة في سياسة قطر الخارجية، جعلها عرضة لمصادر عدم الاستقرار الدولية والمحلية.
وتشير الخطيب إلى أنه خلال عهد الأمير حمد بن خليفة، كانت دائرة صنّاع القرار ضيقة جداً وكان اتخاذ القرار محصوراً بالشيح حمد بن خليفة ورئيس حكومته حمد بن جاسم وزير حتى صيف 2013، وكان ذلك يعني سهولة في اتخاذ القرارات واستجابة سريعة للنزاعات الناشئة في الدول الأخرى.
مراقبون آخرون يربطون سبب التراجع في السياسة الخارجية القطرية، بالشيخ تميم نفسه «الذي يبدو أكثر تحفظاً من والده، ويسعى لأن يعيد التركيز على الملفات الداخلية أكثر منه على تغيير المعادلة الإقليمية، التي شهدت مؤخراً وضع اليد السعودية الطولى على أهم قضيتين تجذبان انتباه العالم العربي: سورية ومصر»، وفق ما يشير المحلل المتخصص في الشأن القطري نبيل الناصري، الذي يناقض في الوقت ذاته أصحاب رأي «عدم وجود الإستراتيجية الواضحة».
ويوضح الناصري في هذا الإطار، أن قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي وضعت رؤية رسمية بعيدة الأمد بعنوان «رؤية قطر 2030»، وهي عبارة عن وثيقة وافقت عليها السلطات القطرية في العام 2008، ترسم مسار البلاد وصولاً إلى هدف إظهار الدولة القطرية كنموذج تحتذي به بقية دول المنطقة. وتأتي هذه الرؤية من رغبة قطر في تنويع اقتصادها مع الحفاظ على قيمها وتقاليدها، كما تهدف إلى تحويل هذه الدولة الصغيرة إلى مركز للالتقاء، التواصل والوساطة.
ظهور السعودية
يعتبر بعض المحللين أن زيارة الأمير تميم للسعودية في بداية شهر آب الماضي، نشأت من تقارب بين الدولتين ووصل البعض إلى حد القول إن هذه الزيارة تعني تسليم قطر بالقيادة السعودية في المنطقة، على غرار غيرها من الدول الخليجية، بينما يرى البعض الآخر أن السعودية وجدت مؤخراً أن لا مناص من التدخل.
«الخطر الشيعي هو الذي يحرك سياسة السعودية في المنطقة»، يقول الناصري، موضحاً أن هذا الخطر «يشكل تحدياً إقليمياً حقيقياً بالنسبة للرياض».
ومع التزام إيران بدعمها للرئيس السوري بشار الأسد، وإعلان «حزب الله» دخوله في الحرب السورية، رأت السعودية أن الوقت قد حان لتعزز تدخلها ودورها، ورداً على ذلك، «ارتأت أن دعم المعارضة السورية بات مصيرياً، ومن الضروري الإمساك بزمام الأمور»، وفق ما يؤكد الناصري.
وفي الشأن المصري، لم يخف السعوديون عداءهم لـ«الإخوان المسلمين» أو حتى للعملية الديموقراطية في مصر، وذلك لسببين يشرحهما الناصري: «أولاً، السعودية تريد أن تكون المحتكر الوحيد لكل ما يتصل بالسياسة في شقها الإسلامي، حيث يمكن أن تشكل جماعة الإخوان المسلمين بديلاً أو منافساً. وثانياً، فإن السعودية كنظام ملكي، لطالما كانت عدائية تجاه الربيع العربي خوفاً من أن يصل إليها».
لهذه الأسباب، قررت المملكة السعودية أخذ المبادرة من جديد، في الوقت الذي بدأت فيه قطر تظهر علامات التباطؤ، خصوصاً على المسرح السوري.
تقارب مع دول أخرى
ابتعاد قطر عن محور «الربيع العربي» قابله تقاربها مع دول أخرى تشهد نمطاً سياسياً أو تحولات أكثر تباطؤاً، فربما تكون زيارة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى العراقي عمار الحكيم خطوة أولى في هذه الطريق، وذلك بعد التوتر الذي شهدته العلاقة بين البلدين، خصوصاً بعد استقبال قطر نائب رئيس الجمهورية العراقي السابق طارق الهاشمي، المحكوم بالإعدام، العام الماضي، الأمر الذي أثار غضب الحكومة العراقية.
كذلك، برز مؤخراً تقارب بين الدوحة وعمان، فبذهاب الملك الأردني عبد الله الثاني بنفسه إلى قطر لتهنئة حاكمها الجديد الشيخ تميم، يمكن الكلام على محاولة سياسية واضحة لاستعادة العلاقات الأردنية - القطرية التي شهدت مستويات عالية من التقلب والبرود، خلال الأعوام العشرة الماضية.
المصدر :
الماسة السورية/ السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة