دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من تابع الخطابين اللذين ألقاهما السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني بمناسبة ذكرى عاشوراء يلمس ثقة غير مسبوقة بالنفس، واطمئنان واضح للمستقبل، سواء في لبنان أو سورية.
في جميع خطابات السيد نصر الله التي ألقاها في العامين الماضيين، ومنذ اندلاع الأزمة السورية على وجه التحديد، كان الرجل في حال دفاع عن النفس، يغرق في التفسير والتبرير لمواقفه، وتفنيد حجج الخصوم واتهاماتهم، سواء اللبنانيين منهم أو غير اللبنانيين، لكنه في خطابيه الأخيرين كان بمثابة “قلب الهجوم” يوجه سهامه إلى الغير دون خوف أو قلق، فقد هاجم المملكة العربية السعودية بالاسم دون مواربة، وتحدى كل دول الخليج الداعمة للمعارضة المسلحة في سورية ولم ينسى أن يغمز في قناة السيد سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، ومن قبله الرئيس ميشال سليمان.
مؤشرات الثقة بالنفس التي تحدثنا عنها يمكن اختصارها بالنقاط التالية:
أولا: ظهر السيد نصر الله علنا وسط أنصاره في الضاحية الجنوبية “مرتين” في يومين وخاطبهم مباشرة، وليس من خلال شاشة تلفزيونية مثلما جرت العادة في الغالبية الساحقة من خطاباته السابقة.
ثانيا: أكد بكل قوة ووضوح على استمرار وجود قوات حزبه في سورية، واستمرار قتالها إلى جانب الرئيس بشار الأسد، دون أي اعتذار أو بحث عن تبريرات، وقال “إن هذا الوجود هو بهدف الدفاع عن لبنان والدفاع عن فلسطين، وعن سورية حضن المقاومة”.
ثالثا: أدار ظهره للحكومة اللبنانية والرئيس سليمان، ووضع جميع بيضه، وبطريقة علنية صارمة في سلة النظام السوري وحلفائه اللبنانيين عندما أكد انه لن يقايض وجود قواته في سورية مقابل مجموعة مقاعد في الحكومة، ووصف من يتحدث عن انسحاب الحزب من سورية كشرط لتشكيل الحكومة اللبنانية في المرحلة بطرح شروطا “تعجيرية”.
وتعود أسباب هذه الثقة لدى زعيم حزب الله إلى عوامل سورية، وأخرى عربية، وثالثة إقليمية دولية:
* على الصعيد الميداني السوري تحقق القوات النظامية تقدما ملحوظا على الأرض خاصة في منطقة حلب، حيث استعادت أكثر من 14 قرية وموقعا في ريفها، وأفادت التقارير الإخبارية الجمعة عن مقتل خمسة قياديين ميدانيين رئيسيين في ألوية مقاتلة بينهم أربعة في منطقة حلب وحدها، أبرزهم العقيد يوسف العباس القيادي في لواء التوحيد كما أصيب عبد القادر صالح قائد اللواء نفسه في غارات لطائرات النظام.
* على الصعيد العربي والإقليمي، تعاني فصائل المعارضة السورية من انقسامات حادة، وتتشرذم إلى أكثر من ألف كتيبة ولواء، تنفجر صراعات دموية فيما بينها حول النفوذ، ومن المفارقة أن هذا الصراع هو انعكاس بطريقة أو بأخرى لصراعات الدول الداعمة لها، فالصراع بين كل من المملكة العربية السعودية وقطر، أو السعودية وتركيا، اكبر من صراعهما ضد نظام الرئيس الأسد، بينما الحال ليس كذلك بين الدول الداعمة للنظام السوري وجماعاتها المقاتلة على الأرض مثل كتائب حزب الله أو أبو الفضل العباسي أو الحرس الثوري الإيراني، حيث تبدو صفا واحدا وفق رؤية واضحة.
* على الصعيد الدولي يتقدم المحور الروسي الإيراني السوري ويحقق انجازات دبلوماسية متسارعة إلى جانب المكاسب الميدانية العسكرية، تنعكس في الحوار الإيراني الأمريكي المتسارع وقرب التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني يخفف الحصار ويؤسس لتقاسم النفوذ على حساب العرب طبعا، وحجيج معظم حلفاء أمريكا في المنطقة إلى موسكو، وزيارة وزيري الدفاع والخارجية الروسي إلى مصر تمهيدا لتوقيع صفقات أسلحة روسية لتسليح الجيش المصري إلا احد المؤشرات، في المقابل يتراجع الدور الأمريكي ويضمحل في الوقت الراهن على الأقل، وتسود الفوضى والارتباك حلفاء أمريكا العرب.
تدخل قوات حزب الله وكتائب أبو الفضل العباس المدربة بشكل جيد إلى جانب الجيش النظامي السوري لعب دورا كبيرا في قلب المعادلات الميدانية، وبات يحظى بدعم غربي غير مباشر تحت ذريعة أن هذا التدخل جاء لمكافحة الجماعات “التكفيرية” على حد وصف السيد نصر الله في خطابيه الأخيرين، أي أنه تم استغلال عداء أمريكا والغرب للجماعات الجهادية وتوظيفه لمصلحة المعسكر الإيراني السوري.
لا بد أن الدول العربية الداعمة للمعارضة السورية المسلحة تعض أصابعها ندما وهي ترى طموحاتها في إطاحة النظام السوري، المعززة بآلة إعلامية جبارة، ورصد مليارات الدولارات تتراجع بقوة، وترى في الوقت نفسه خصومها بزعامة إيران يتجهون للسيطرة على المنطقة، ويهددون بالانتقام سرا وعلنا.
حلفاء المعارضة المسلحة راهنوا على أمريكا والغرب لإطاحة النظام السوري، وتقزيم طموحات إيران النووية، فتعرضوا لخذلان ما بعده خذلان، واكتشفوا أن أمريكا تدافع عن مصالح مثلما قال السيد نصر الله، ومصلحة أمريكا ليست مع هؤلاء الذين يريدونها أن تدمر أعداءهم حتى يناموا مطمئنين، فقد أخذت كل شيء منهم، أخذت أموالهم عبر صفقات أسلحة، وأخذت نفطهم رخيصا مما قادها إلى الخروج من أزماتها الاقتصادية والاقتراب من الاكتفاء الذاتي في ميادين الطاقة، وها هي تقذف بهم إلى عالم المجهول ولا نقول أكثر من ذلك.
النظام السوري راهن على روسيا وإيران وحزب الله والحلفاء الشيعة في العراق فصمد أمام العاصفة، وتجاوز الأزمة تقريبا بفضل أموال إيران وسلاحها ومقاتليها، وهنا يكمن الفارق بين الجعجعة الإعلامية والعمل الميداني على الأرض، ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا.
وبعد كل هذا من حق السيد نصر الله أن يخرج علنا وسط أنصاره ويحتفل معهم بعاشوراء واثقا مبتسما، مؤكدا بقاء قواته في سورية دون استحياء أو تبرير، فهو يقف في خندق المنتصرين، أو غير المهزومين على الأقل، ولا عزاء للآخرين الذين راهنوا على أمريكا وأساطيلها ولم يجنوا غير الحسرة وخيبة الأمل حتى الآن على الأقل.
المصدر :
الرأي اليوم / عبد الباري عطوان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة