دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
إذا كان مسار جنيف هو التشبيك الذي يريده الأميركيون للبقاء على منصّة التفاوض على شكل النظام الإقليمي للشرق الأوسط مع موسكو، فإن الأميركيين يعيشون مأزق الخيارات التي يمكن أن يدفعوا جنيف باتجاهها،
والنظام الإقليمي الجديد عسير الولادة بسبب الخيارات الصعبة الذي يضع أي شكل من أشكال النظام الإقليمي المفترض، مصالح أميركا وحلفائها أمامه.
ثلاثة احتمالات
مصدر روسي شرح لـ«البناء» هذه المعادلة، انطلاقاً من مسار جنيف متعدد المؤتمرات قبل أن تفرض تطورات الأحداث على واشنطن الاختيار وفق مبدأ أحلى الأمرّين، والمقصود هنا بالتطورات أحد ثلاثة احتمالات، إما اقتراب الجيش السوري من تحقيق إنجاز بحجم تحوّل نوعي في الميدان مثل استرداد مدينة حلب أو إقفال الحدود مع الأردن والسيطرة عليها، أما الاحتمال الثاني فهو تطور نشاط مفردات القاعدة عبر سورية نحو الخارج بصورة تجعله خطراً داهماً لا يحتمل الترف في التعامل مع الوقت ويفرض الانخراط مع الدولة السورية بتفاهمات عنوانها مواجهة الإرهاب وجرّ حلفائها بمن فيهم المعارضة السورية نحو هذا الانخراط. ويبقى الإحتمال الثالث وهو اقتراب الاستحقاق الرئاسي في سورية بصورة لا تسمح بمواصلة الحديث عن عملية سياسية محورها جسم حكومي، فيما الانتخابات الرئاسية هي الاستحقاق الذي يؤدي التعامل معه كفرصة للعملية السياسية لتوفير مخرج مناسب لتبرير التراجع عن خطابات العداء للرئيس السوري بشار الأسد، بجعل عملية الانتخابات حدثاً مفصلياً في التفاوض يقبل ما بعده بضمان ما قبله ومشاركة الجميع في خوض غماره كمحطة تطوي صفحة وتفتح صفحة جديدة .
خياران أمام واشنطن
يقول المصدر الروسي إن الخيارات المتاحة للأميركيين في النظام الإقليمي الجديد للمنطقة يجب أن تحسم أحد خيارين، إما أن مصالح السعودية
و«إسرائيل» ومكانتهما حاسمة في شكل هذا النظام وهويته، أو أن حجمهما لم يعد كما كان ولا يستطيع الاستمرار بما كان في الماضي، فإن كان الخيار الأول ففرض هذا الخيار دونه سلوك خارج التفاهمات الموقعة والمرتقبة مع إيران وخارج منصّات التفاوض التي تمت مع سورية وأنتجت التفاهم الكيماوي، أو تلك المتواصلة في جنيف، ومثل هذا السلوك يستدعي الاستعداد لبلوغ الحرب التي وصلت واشنطن لحافة الهاوية في ركوب موجها وتراجعت عنها واشنطن لصعوبة التفكير بهذه المخاطرة دون توقع الوقوع في حرب مفتوحة، تعرف واشنطن أنها تسعى للخروج من ميراث حروب أقل منها وطأة كحربيها على العراق وأفغانستان. أما الخيار الثاني فهو التخلي عن مكانة الحليفين السعودي و«الإسرائيلي» وهذا دونه قدرة هذين الحليفين على تعطيل مسارات التفاوض وخلق العراقيل والمناخات المتوترة وسحب جزء من الفريقين السوري واللبناني المحسوبين على أميركا والسعودية معا، فيما بيد «إسرائيل» القدرة على تدعيم التحالفات الأمنية للسعودية بإمكانات هائلة تجعل تفعيل وتزخيم دور التحالف السعودي مع القاعدة من تحت الطاولة ومن فوق الطاولة أكثر خطراً على الأمن الإقليمي والدولي .
يضيف المصدر الروسي لـ«البناء» أن خيار واشنطن الثالث هو المساكنة بين خيار منصّات التفاوض والتفاهمات البطيئة الباردة كشبكة أمان لمنع الانفجار الكبير من جهة، وبين خيار تسليم السعودية و«إسرائيل» مهمة إدارة هذا التفاوض وتحديد سقوفه وسيناريوهاته من جهة مقابلة، كما بدا حتى الآن من مسار جنيف سورية وكما بدا من مساعي تشكيل الحكومة الجامعة في لبنان .
أهم ما قاله المصدر الروسي لـ«البناء» هو أن الأميركيين لا يريدون تطبيق «جنيف ـ 1» ويخشون من النجاحات التي تحققها الدولة السورية في جعله ورقة عمل تنفيذية لـ«جنيف ـ 3»، رغم ما يبدو من كلام عالي الوتيرة تطلقه المعارضة السورية تحت عنوان تطبيق «جنيف ـ 1» وما يتحدث عنه الأميركيون بهذا الصدد .
يقول المصدر الروسي إن «جنيف ـ 1» جاء قبل عشرين شهراً في سياق كان فيه الانطباع السائد أن الدولة السورية ترفع شعار الحوار السياسي والحلّ السياسي يوفر فرصة للسيطرة على العنف، وتدعو للبدء فوراً بالحوار السياسي وتطلق المبادرات بهذا الاتجاه، وكان الاتهام للدولة السورية أنها تمارس العنف المفرط بحق المعارضة وجمهورها من المتظاهرين بصورة تحتاج إلى غطاء سياسي عبر الحوار، في ما تسميه المعارضة آلة القتل تواصل عملها، وبالمقابل كانت المعارضة ترفع شعار لا حوار ولا عملية سياسية قبل وقف العنف، وكان شرط المعارضة لبدء أي حوار أو عمل سياسي هو سحب الجيش والأمن وفك الحصارات وإطلاق المعتقلين، وكانت معادلتها هي إن وقف العنف يشكل الشرط الضروري لخلق بيئة مطمئنة للبدء بعملية سياسية، بينما كان رأي الدولة السورية أن العنف ليس من طرف واحد وأن مزاعم المعارضة بأن العنف من طرف المحسوبين عليها ليس إرهاباً ولا هو عنف منظم بل هو مجرد ردّ فعل دفاعي على عنف النظام، كلام تلفيقي مناف للواقع، وكانت الدولة السورية تقول إن البدء بالحوار سيخلق شبكة أمان تساعد بالسيطرة على العنف وتطويق مفتعليه .
تبدّل الظروف
يضيف المصدر أن مشكلة واشنطن هي أن الظروف انقلبت اليوم، ومن يسمع الائتلاف في مفاوضات جنيف سيجد ان النص الوارد في بيان «جنيف ـ 1» مأخوذ حرفياً من تصريحات قادة المعارضة قبل سنة ونصف السنة عن أولوية وقف العنف كشرط مسبق للبدء بالعملية السياسة، بينما قادة الائتلاف يقولون اليوم ما كانت تقوله الدولة السورية قبل عشرين شهراً، عن أهمية العملية السياسية في خلق بيئة مساعدة على وقف العنف، ولذلك يدعو الائتلاف خلافاً لنصوص «جنيف ـ 1» بصياغة خطوات سياسية محددة كالجسم الحكومي الإنتقالي قبل وقف العنف. ويضيف أن هذا وحده هو طريق المساهمة بوقف العنف والأكيد أن تطبيق «جنيف ـ 1» يعني اليوم الأخذ بالرؤية الراهنة للدولة السورية، وهي أولوية وقف العنف الذي لا يملك الائتلاف القدرة على السيطرة عليه، وتالياً لا يملك مشروعية الشراكة بأي حكومة أو جسم حكومي ينتج عن العملية السياسية المشروطة بوقف العنف، والقائمة على منح المعارضة مقاعد حكومية كمكافأة غير ديمقراطية على تعاونها في وقف العنف تمهيداً لولادة عملية انتخابية تحتكم فيها الحكومات فقط للديمقراطية.
يختم المصدر الروسي لـ«البناء» بالقول إن القبول الأميركي لـ«جنيف ـ 1» إطاراً للتفاوض يعني منح الدولة السورية فرصة تثبيت الحرب على الإرهاب كعنوان راهن يترجم وقف العنف، وربط مشاركة المعارضة بحكومة وحدة وطنية كما أشار إليها «جنبف ـ 1» بدورها في وقف هذا العنف، هذا عدا عن كون الحكومة الانتقالية بين الدستور الحالي ودستور جديد يجري الاستفتاء عليه وتجري على أساسه انتخابات نيابية ورئاسية، جعل مهمتها كما يبدو من النص مجرد إدارة الحوار الجامع لتعديل الدستور والتمهيد للانتخابات .
«جنيف ـ 1» يختم المصدر الروسي، ولد في ظروف تفرض على واشنطن عند بدء التفاوض الجدي القول لقد وجد في ظروف، والظروف تغيرت وإذا وصلت هي والائتلاف لهذا القول ربحت الدولة السورية ربحاً كاملاً، وإذا بقي الغموض ربحت الدولة السورية بالنقاط .
المصدر :
البناء
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة