دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
المعادلة الإحترافية في رسالة القضاء العسكري الأردني بخصوص القضية الأولى للمنظر الأصولي البارز الشيخ أبو قتادة لها ما يبررها خصوصا وأن التحقيق القضائي مع الشيخ أبو قتادة يتم هذه المرة وسط مظاهر إعلام وإنفتاح وفي إطار ضمانات قانونية ودستورية أثبت القضاء العسكري الأردني قدرته على التعاطي معها بمعايير مرتفعة القيمة.
أبو قتادة نفسه كان يشكك في محاكمته أمام سلطات القضاء الأردنية قبل تسليمه في عملية شهيرة العام الماضي.
لكن محكمة أمن الدولة التي تنطبق عليها معايير المحكمة الإستثنائية قررت وعلى نحو مفاجيء حكم «البراءة» وليس فقط عدم المسؤولية بالقضية الأولى المقامة ضده بموجب إتفاقية التسليم البريطانية التي ضمنت له سيرا عادلا لمحاكمته القضائية.
يؤشر ذلك وحسب محامي أبو قتادة حسان ذنيبات على «عدم وجود ادلة «حقيقية تدين موكله وعلى إحتمال قوي بصدور حكم إضافي بالبراءة في قضية ثانية تنظرها محكمة أمن الدولة وهي قضية يتوقع المحامي وعضو البرلمان محمد حجوج أن تنتهي بنفس طريقة القضية الأولى.
الأبعد والأعمق أن براءة أبو قتادة تحتوي التشكيك المنهجي خصوصا من جمهور التيار السلفي بالمحاكمات العسكرية التي يصفها المحامي موسى العبداللات بانها غير قانونية ومتعسفة، في قرار براءة ابو قتادة وقبله قرار الإفراج عن الشيخ أبو محمد المقدسي ثمة رسائل «وطنية» ومسيسة وعميقة هذه المرة في حال إلتقاطها تقول بأن مؤشرات ماكينة الدولة الأردنية لا ترغب بـ»التصعيد» خصوصا مع السلفيين والأصوليين.
ذلك يحصل لسبب بكل الأحوال فالإعتقاد يسود في اوساط عمان السياسية حاليا بان عودة الأمير بندر بن سلطان في السعودية إلى مسرح اللعبة الأمنية قد يعني مشاهدة وشيكة لسلسلة من معارك «الكر والفر» بين «جبهة النصرة» في سوريا وتنظيمات «داعش» في كل من سوريا والعراق.
الأردن لا يريد التورط في المزيد من الإستراتيجيات السعودية وقواعد النصرة اللوجستية على حدود درعا المحاذية للأردن كات في الماضي مسرح العمليات المفضل للأمير بندر بن سلطان الذي وخلافا لما قبل عامين لم يعد مرحبا به في الأردن هذه الأيام خصوصا إذا عاد في إطار السيناريو المتوقع وهو «إشعال حرب» بين «داعش» و»النصرة» وهي حرب يحذر منها الشيخ المقدسي علنا وحذر منها عبر «القدس العربي» عشرات المرات كل من المحامي العبداللات والشيخ أبو محمد الطحاوي.
عموما، فعمان فيما يبدو «رتبت أوراقها» مع نظام الرئيس بشار الأسد وتتبع قواعد «السلامة» في التعاطي مع التيارات السلفية الجهادية شرط أن لا تكون نشاطاتها عابرة للحدود خصوصا مع سوريا والعراق.
من هذا المستوى من العمق يمكن قراءة قرار البراءة للشيخ أبو قتادة وقبله قرار الإفراج عن الشيخ المقدسي المنظر الأكثر بروزا على مستوى المنطقة للتنظيمات الجهادية فالسلطات الأردنية تريد الإيحاء بانها لا تستهدف الإسلاميين الجهاديين إلا بقدر مخالفتهم لقواعد القانون واللعبة في الداخل الأردني.
وتريد أن تقول- وهذا الأهم- انها ليست معنية بالتحول إلى ذراع في معركة ضد السلفيين الجهادين بل ويإمكانها تدبر بعض الرسائل الإيجابية من طراز الإفراج عن الشيخين المقدسي وأبو قتادة مقابل إنضاج ترتيب يمنع الصدام مجددا ودون «أي تهاون» من أي نوع لا في العراق وعبر الحدود معها ولا في محيط مدينة معان جنوبي المملكة. وهي المدينة التي ظهرت فيها ملامح الخشونة السلفية عبر مظاهرة يتيمة في الشارع لم يتبناها أحد وتضمنت رفع رايات تنظيم دولة داعش مع إتهام من أوساط سلفية للسلطات بتدبيرها.
المعادلات السياسية التي طفت على سطح الأحداث خصوصا بعد «النمو» الكبير لتنظيمات داعش على هامش التحولات الأخيرة المهمة في العراق هي التي فرضت إيقاعا مستجدا وان كان بطيئا وزاحفا للملف السلفي الأردني حيث يمكن بوضوح تلمس رغبة من جمهور الشارع السلفي بعدم التصعيد ولا إظهار الرغبة في الإستعراض بعد إنتصارات داعش العراقية.
ويمكن في المقابل تلمس رغبة السلطة في اولا إظهار إهتمام المملكة بالمعايير الدولية المهمة في مجال حقوق الإنسان بعدما أصبح الأمير زيد بن رعد مفوضا دوليا لحقوق الإنسان، وثانيا إظهار مساحة من «المرونة» مع التيار الجهادي السلفي المحلي قد تكون مثمرة ومفيدة في الأيام العراقية الصعبة..بالمساحتين يمكن قراءة الرسالة الدقيقة المحترفة لجهاز القضاء العسكري.
المصدر :
القدس العربي /بسام البدارين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة