خطر جديد يمتد بطول ألف كيلو متر يطل برأسه على طول حدود مصر الغربية مع ليبيا. فمع تدهور الأوضاع في الداخل الليبي، بخاصة في شرق ليبيا، أصبحت الحدود المصرية مهددة ليس فقط بتهريب المخدرات والسلاح كما كان يحدث دائماً، بل أصبحت مرشحة بقوة لأن تكون مسرح عمليات ممتد بطول الحدود مع الجار الذي يعاني من انهيار داخلي، يتبدى في فقدان مؤسساته السيطرة على أي شيء، وانتشار تنظيمات متطرفة لا ينقصها السلاح الذي خلفه نظام القذافي، والذي يمكن أيضاً توفيره بالكميات والنوعيات المطلوبة من أكثر من مصدر.

الخطر استدعى طرح فكرة التدخل العسكري المصري في ليبيا لاستباق الخطر الآتي من الغرب. ولم تأتِ تلك الفكرة من أشخاص معروف عنهم التهور أو الاندفاع، بل جاءت من قامة ديبلوماسية رفيعة، وهو عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، ورئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور. ما يجعل تلك الفكرة على درجة من الجدية، برغم تصريحات وزير الخارجية سامح شكري بأن العمل العسكري مستبعَد.

الخطر الآتي من الغرب يلتقي مع خطر آخر في الداخل لا يقل في أهميته، فقد شكل سقوط نظام «الإخوان المسلمين» عقب «ثورة 30 يونيو» هزيمة لتيار الإسلام السياسي، وبالذات لجناحه الإصلاحي المعتدل. وهو ما قد يدفع أنصار هذا التيار الى التخلي عن المسار المعتدل وآليات الديموقراطية وصندوق الانتخاب وتبني نهج العنف، مع العلم بأن هذه هي المرة الثالثة التي يمر بها تيار الإسلام السياسي بهذه التجربة بعد انتخابات الجزائر في العام 1989، وفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في العام 2006، وتقدم الفصائل الإسلامية الأكثر تطرفاً في العراق وسوريا وليبيا.

وقد توفر التطورات الجارية حالياً في العراق وسوريا وليبيا دعماً معنوياً للتطرف في الداخل المصري، بخاصة مع تواتر أخبار مشاركة شباب مصريين في حركة «داعش»، أي أن الخطر المرابط على الحدود قد يجد حلفاء له في الداخل.

هكذا تطرح تطورات الأوضاع في ليبيا تحديات ذات شأن على القيادة المصرية، لم يفلح الجنرال خليفة حفتر في مواجهتها، ما يجعل خيارات بدت مستبعَدة في السابق، ومن بينها التدخل العسكري، مطروحة على طاولة البحث.

ويقول اللواء رفعت عبد الحميد، الخبير في مسرح الجريمة والعلوم الجنائية، في حديث إلى «السفير» إن «الأوضاع على الحدود الليبية تطرح تحديات يجب أن يحسب لها ألف حساب. وتمثل خطورة وشيكة الوقوع على الأمن القومي المصري، سواء جنائياً أو سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً أيضاً».

ويضيف عبد الحميد «تتمركز في شرق الأراضي الليبية بؤر إرهابية لديها أسلحة ومعَدّات متبقية من ترسانة نظام القذافي، ما يسهل عليها اختراق الأمن القومي المصري. وهذا الخطر يماثل خطورة الأوضاع على الحدود الشرقية. ولكن من حسن الحظ أن الدولة المصرية تنبّهت مبكراً لهذا الخطر. وهناك تشديدات أمنية للقوات المسلحة على الحدود الغربية، وأي خرق للحدود سيُعامَل بمنتهى الحسم»، مشدداً على أن «من حق مصر وفق القانون الدولي أن تؤمن حدودها بالطريقة التي تراها».

ويشير عبد الحميد إلى أن «الخطورة مزدوجة نتيجة للأوضاع في الداخل المصري. وهذا أيضاً يؤخذ الاعتبار. وموضوع له دراسات والأجهزة المصرية متفوقة في هذا المجال وسنسمع قريباً مفاجآت تحققها القوات المسلحة في القضاء على تلك الجماعات».

على جانب آخر، يقلل اللواء نبيل فؤاد، أستاذ العلوم الاستراتيجية من خطورة ما يجري، قائلاً لـ«السفير» إن «لا جديد على الحدود الليبية. عمليات تهريب السلاح لداخل مصر مستمرة منذ زمن بعيد، وهي مرتبطة بمافيا وتجارة عالمية. أما تشكيل ما يُسمّى بالجيش المصري الحر على الحدود مع ليبيا فلم تثبت صحته. ومع ذلك فإن عدم الاستقرار في ليبيا ينعكس على مصر».

ويتابع «هناك اتصال بالتأكيد بين الإخوان في الداخل المصري والخارج، ووجود القاعدة وداعش والفصائل الليبية على الحدود يمثل تهديداً للأمن المصري، ولكن الحديث عن تدخل عسكري حديث غير مسؤول، ولا يقدر الأمور بدقة، فنحن لا نعيش في جزيرة منعزلة، وهناك قوى إقليمية وقوى دولية وقوى في الداخل الليبي لا نعرف ردود أفعالها على تدخل كهذا».

ويضيف «أعتقد أن القيادة المصرية قيادة مسؤولة وتعرف أن هذا مستنقع لا ينبغي الانزلاق إليه... ونحن لدينا تجارب لا نريد أن نكررها، وأقصد حرب اليمن».

ولفت إلى أن «هناك من سيقترحون عدم التدخل والاكتفاء بطلعات جوية، ولكن هذا الأمر لن يقبله الليبيون أو العرب أو المجتمع الدولي، ففي ليبيا حكومة وبرلمان وعلاقتها بمصر جيدة»، مشيراً إلى أنه «يمكن التنسيق مع القوى المختلفة في ليبيا لحماية الحدود، ويمكن تدعيم القوات الحكومية بالسلاح والخبرة والتدريب».

ويرى اللواء فؤاد أن «حجم القوات المصرية على الحدود تعادل جيشاً ميدانياً كاملاً مدعوماً بكل صنوف السلاح، والقوات المسلحة المصرية ليست مذهبية أو عرقية، ولذا فهي متماسكة بعكس جيوش أخرى قابلة للانقسام».

المخاطر الأمنية المحتملة على الحدود المصرية الغربية تبدو كبيرة. ولكن هناك أخطار أخرى بدأت تفرض نفسها فعلاً وهي الآثار الاقتصادية لتردي الأوضاع في ليبيا، والتي تهدد بفقدان مئات الآلاف من العمال المصريين وظائفهم في الدولة الجارة وعودتهم إلى مصر، ما يعني تفاقم أزمة البطالة وظهور أزمة مستحقات العائدين من ليبيا والتي يصعب التنبّؤ باحتمالات حلها».

وفي هذا الإطار، يقول رئيس الجمعية المصرية الليبية للمستثمرين ناصر بيان لـ«السفير» إن «مشكلة عودة العمالة المصرية من ليبيا ستكون مؤثرة بالطبع نظراً إلى أزمة الاقتصاد المصري. ولكن نرجو أن تكون في حدود ضيقة، فهناك مناطق في ليبيا لم تشهد أحداثاً خطيرة، وبالتالي ستكون عودة العمالة من المناطق المأزومة فقط». ويرى أن «التأثيرات الاقتصادية لما يجري في ليبيا ستكون محدودة بالنظر إلى أن حجم الاستثمارات بين البلدين لم يتغير منذ ثلاث سنوات، كما أنه لا توجد استثمارات مصرية في ليبيا، في حين توجد استثمارات ليبية في مصر».

ويتابع «ستتأثر حركة التجارة بكل تأكيد ولكنها أصلاً محدودة ولا تتجاوز المليار جنيه مصري، في حين أن معظم المشاريع التي تعمل بها شركات مصرية في ليبيا توقفت منذ فترة».

على مدار عقود كان الشرق مصدراً للخطر ومسرحاً لعمليات قوات الأمن والجيش المصري. ولكن خطراً جديداً يظهر اليوم، وهو لا يقلّ أهمية عن خطر الشرق، بل قد يزيد... ولذلك تتأهب القوات المصرية اليوم لاجتياز الصحراء الغربية، وتأمين حدود يزيد طولها على ألف كيلومتر، وذلك حماية الخاصرة المصرية التي توشك أن تنكشف أمام خصم لن يتردّد في طعنها.

  • فريق ماسة
  • 2014-08-05
  • 5582
  • من الأرشيف

الفوضى في ليبيا تهدّد مصر

خطر جديد يمتد بطول ألف كيلو متر يطل برأسه على طول حدود مصر الغربية مع ليبيا. فمع تدهور الأوضاع في الداخل الليبي، بخاصة في شرق ليبيا، أصبحت الحدود المصرية مهددة ليس فقط بتهريب المخدرات والسلاح كما كان يحدث دائماً، بل أصبحت مرشحة بقوة لأن تكون مسرح عمليات ممتد بطول الحدود مع الجار الذي يعاني من انهيار داخلي، يتبدى في فقدان مؤسساته السيطرة على أي شيء، وانتشار تنظيمات متطرفة لا ينقصها السلاح الذي خلفه نظام القذافي، والذي يمكن أيضاً توفيره بالكميات والنوعيات المطلوبة من أكثر من مصدر. الخطر استدعى طرح فكرة التدخل العسكري المصري في ليبيا لاستباق الخطر الآتي من الغرب. ولم تأتِ تلك الفكرة من أشخاص معروف عنهم التهور أو الاندفاع، بل جاءت من قامة ديبلوماسية رفيعة، وهو عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، ورئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور. ما يجعل تلك الفكرة على درجة من الجدية، برغم تصريحات وزير الخارجية سامح شكري بأن العمل العسكري مستبعَد. الخطر الآتي من الغرب يلتقي مع خطر آخر في الداخل لا يقل في أهميته، فقد شكل سقوط نظام «الإخوان المسلمين» عقب «ثورة 30 يونيو» هزيمة لتيار الإسلام السياسي، وبالذات لجناحه الإصلاحي المعتدل. وهو ما قد يدفع أنصار هذا التيار الى التخلي عن المسار المعتدل وآليات الديموقراطية وصندوق الانتخاب وتبني نهج العنف، مع العلم بأن هذه هي المرة الثالثة التي يمر بها تيار الإسلام السياسي بهذه التجربة بعد انتخابات الجزائر في العام 1989، وفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في العام 2006، وتقدم الفصائل الإسلامية الأكثر تطرفاً في العراق وسوريا وليبيا. وقد توفر التطورات الجارية حالياً في العراق وسوريا وليبيا دعماً معنوياً للتطرف في الداخل المصري، بخاصة مع تواتر أخبار مشاركة شباب مصريين في حركة «داعش»، أي أن الخطر المرابط على الحدود قد يجد حلفاء له في الداخل. هكذا تطرح تطورات الأوضاع في ليبيا تحديات ذات شأن على القيادة المصرية، لم يفلح الجنرال خليفة حفتر في مواجهتها، ما يجعل خيارات بدت مستبعَدة في السابق، ومن بينها التدخل العسكري، مطروحة على طاولة البحث. ويقول اللواء رفعت عبد الحميد، الخبير في مسرح الجريمة والعلوم الجنائية، في حديث إلى «السفير» إن «الأوضاع على الحدود الليبية تطرح تحديات يجب أن يحسب لها ألف حساب. وتمثل خطورة وشيكة الوقوع على الأمن القومي المصري، سواء جنائياً أو سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً أيضاً». ويضيف عبد الحميد «تتمركز في شرق الأراضي الليبية بؤر إرهابية لديها أسلحة ومعَدّات متبقية من ترسانة نظام القذافي، ما يسهل عليها اختراق الأمن القومي المصري. وهذا الخطر يماثل خطورة الأوضاع على الحدود الشرقية. ولكن من حسن الحظ أن الدولة المصرية تنبّهت مبكراً لهذا الخطر. وهناك تشديدات أمنية للقوات المسلحة على الحدود الغربية، وأي خرق للحدود سيُعامَل بمنتهى الحسم»، مشدداً على أن «من حق مصر وفق القانون الدولي أن تؤمن حدودها بالطريقة التي تراها». ويشير عبد الحميد إلى أن «الخطورة مزدوجة نتيجة للأوضاع في الداخل المصري. وهذا أيضاً يؤخذ الاعتبار. وموضوع له دراسات والأجهزة المصرية متفوقة في هذا المجال وسنسمع قريباً مفاجآت تحققها القوات المسلحة في القضاء على تلك الجماعات». على جانب آخر، يقلل اللواء نبيل فؤاد، أستاذ العلوم الاستراتيجية من خطورة ما يجري، قائلاً لـ«السفير» إن «لا جديد على الحدود الليبية. عمليات تهريب السلاح لداخل مصر مستمرة منذ زمن بعيد، وهي مرتبطة بمافيا وتجارة عالمية. أما تشكيل ما يُسمّى بالجيش المصري الحر على الحدود مع ليبيا فلم تثبت صحته. ومع ذلك فإن عدم الاستقرار في ليبيا ينعكس على مصر». ويتابع «هناك اتصال بالتأكيد بين الإخوان في الداخل المصري والخارج، ووجود القاعدة وداعش والفصائل الليبية على الحدود يمثل تهديداً للأمن المصري، ولكن الحديث عن تدخل عسكري حديث غير مسؤول، ولا يقدر الأمور بدقة، فنحن لا نعيش في جزيرة منعزلة، وهناك قوى إقليمية وقوى دولية وقوى في الداخل الليبي لا نعرف ردود أفعالها على تدخل كهذا». ويضيف «أعتقد أن القيادة المصرية قيادة مسؤولة وتعرف أن هذا مستنقع لا ينبغي الانزلاق إليه... ونحن لدينا تجارب لا نريد أن نكررها، وأقصد حرب اليمن». ولفت إلى أن «هناك من سيقترحون عدم التدخل والاكتفاء بطلعات جوية، ولكن هذا الأمر لن يقبله الليبيون أو العرب أو المجتمع الدولي، ففي ليبيا حكومة وبرلمان وعلاقتها بمصر جيدة»، مشيراً إلى أنه «يمكن التنسيق مع القوى المختلفة في ليبيا لحماية الحدود، ويمكن تدعيم القوات الحكومية بالسلاح والخبرة والتدريب». ويرى اللواء فؤاد أن «حجم القوات المصرية على الحدود تعادل جيشاً ميدانياً كاملاً مدعوماً بكل صنوف السلاح، والقوات المسلحة المصرية ليست مذهبية أو عرقية، ولذا فهي متماسكة بعكس جيوش أخرى قابلة للانقسام». المخاطر الأمنية المحتملة على الحدود المصرية الغربية تبدو كبيرة. ولكن هناك أخطار أخرى بدأت تفرض نفسها فعلاً وهي الآثار الاقتصادية لتردي الأوضاع في ليبيا، والتي تهدد بفقدان مئات الآلاف من العمال المصريين وظائفهم في الدولة الجارة وعودتهم إلى مصر، ما يعني تفاقم أزمة البطالة وظهور أزمة مستحقات العائدين من ليبيا والتي يصعب التنبّؤ باحتمالات حلها». وفي هذا الإطار، يقول رئيس الجمعية المصرية الليبية للمستثمرين ناصر بيان لـ«السفير» إن «مشكلة عودة العمالة المصرية من ليبيا ستكون مؤثرة بالطبع نظراً إلى أزمة الاقتصاد المصري. ولكن نرجو أن تكون في حدود ضيقة، فهناك مناطق في ليبيا لم تشهد أحداثاً خطيرة، وبالتالي ستكون عودة العمالة من المناطق المأزومة فقط». ويرى أن «التأثيرات الاقتصادية لما يجري في ليبيا ستكون محدودة بالنظر إلى أن حجم الاستثمارات بين البلدين لم يتغير منذ ثلاث سنوات، كما أنه لا توجد استثمارات مصرية في ليبيا، في حين توجد استثمارات ليبية في مصر». ويتابع «ستتأثر حركة التجارة بكل تأكيد ولكنها أصلاً محدودة ولا تتجاوز المليار جنيه مصري، في حين أن معظم المشاريع التي تعمل بها شركات مصرية في ليبيا توقفت منذ فترة». على مدار عقود كان الشرق مصدراً للخطر ومسرحاً لعمليات قوات الأمن والجيش المصري. ولكن خطراً جديداً يظهر اليوم، وهو لا يقلّ أهمية عن خطر الشرق، بل قد يزيد... ولذلك تتأهب القوات المصرية اليوم لاجتياز الصحراء الغربية، وتأمين حدود يزيد طولها على ألف كيلومتر، وذلك حماية الخاصرة المصرية التي توشك أن تنكشف أمام خصم لن يتردّد في طعنها.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة