شكلت عودة الرئيس الحريري مادة اضافية جديدة على جدول الاعمال السياسي، الذي سيفتتحه فعليا من خلال مشاركته في انتخاب مفت للجمهورية بشبه تذكية، وباعادة تكوين لـ 14 آذار التي اعادت التاكيد على ثوابتها بما فيها موضوع حزب الله، علما ان الابرز في الشكل كانت تقصده بحسب مقربين منه ان تكون اطلالته العلنية الاولى بعد العودة، في الزيارة التي قام بها الى ضريح الشهيدين الحريري واللواء وسام الحسن، حيث اراد ايصال رسالة رمزية واضحة، تبدأ من قضية ميشال سماحة ولا تنتهي بالموقف الحاسم من الجدل القائم حول ضرورة اعادة التنسيق مع السوريين في ما خص الحرب على الارهاب.

ورغم تعدد القراءات لأبعاد انتهاء فترة النفي الاضطراري، فان الثابت ان «العودة المزدوجة»، التي رسم ساعة الصفر لها الاعلان عن مكرمة المليار دولار، اتت من ضمن رزمة اتفاق متكامل وتتويجا لجهد دولي اقليمي بدأ منذ فترة. عودة فعالة للمملكة السعودية واعادة امساك من قبل الرياض بالملفات على الساحة اللبنانية، حيث يتحدث احد السفراء ان الدول التي ترعى الامن عادة هي التي تحظى بالموقع السياسي المؤثر الاول، رغم الهمس بأن لا شيء محددا بعد في ما اذا كان الرئيس سعد الحريري سيبقى نهائياً في بيروت او انها زيارة قصيرة او طويلة، لارتباط الامر بما سيكون عليه مسار الوضع العام في لبنان الامني والسياسي والملفات التي تحتاج الى وجوده الشخصي.

ايا يكن الجدل القائم حول اهداف العودة وغاياتها، فان عودته خلقت دينامية سياسية جديدة واعادت الامل باحياء بعض خطوط الاتصال التي من الممكن ان تنتج حلولا للازمات وللملفات العالقة وفي مقدمتها ملف انتخاب رئيس للجمهورية، وسط الكشف عن مفاجأة قد تحصل الثلثاء المقبل موعد انعقاد جلسة مجلس النواب المخصصة لانتخاب الرئيس، نتيجة فتح ثغرة هامة في جدار الاستحقاق واعادة التواصل بين كل القوى السياسية، وهذا ما عكسته عودة الرئيس الحريري وزيارته الرئيس سلام في السراي الكبير، ولقاءاته المسؤولين السياسيين وبعدها انعقاد اجتماع 14 آذار. فانقسام الاطراف السياسيين بين اطمئنان الحلفاء «للاقامة» المغطاة بمظلة حماية إقليمية دولية مخابراتية بإمتياز، والخاضعة لإجراءات حماية أمنية مكثّفة،وتريث الخصوم، الذين استبعدوا حصول اي تغيير مهم في المعادلات في ظل الستاتيكو القائم في المنطقة والممتد من سوريا الى العراق، حيث لبنان ساحة لرد الفعل وليس الفعل، اقله حتى الساعة، تبعا لما تبينه المعطيات السياسية والامنية والعسكرية، في ظل المخاطر نفسها سواء بالنسبة الى التفجيرات أو الاغتيالات، والاصطفافات السياسية المستمرة في مهاجمة «حزب الله»، وحدهم كما المراقبين في قراءة خلفيات وملابسات هذه الخطوة، التي شكلت تطورا نوعيا غير مرتقب في توقيتها، اذ انطوت على أبعاد اربع متقاطعة:

- إدراك الحريري الحاجة الى وجوده الشخصي على رأس تيار الاعتدال السني لمواجهة رياح التشدد التي تعصف بالمنطقة، خصوصاً بعد احداث عرسال الاخيرة، والحاجة لحسم الجدل ضمن المستقبل حول كثير من الملفات، حزبيا وسياسيا، رغم تاكيده خلال اجتماع قيادي للتيار ان شيئا لن يتغير في الثوابت، لناحية الاعتدال السياسي والحوار مع الجميع ، باستثناء من لا يريد التفاهم مع أحد، ضمن بنود المبادرة التي طرحها، «لا لقاء مع أمين عام «حزب الله» وسيكون هناك لقاء مع رئيس مجلس النواب، التعاون مع «التيار الوطني» كان له ايجابيات كثيرة ونتمنى أن يستكمل بغض النظر عما سيحصل في الانتخابات الرئاسية، لا تخلٍّ عن الحلفاء، لا فيتو على أحد في ملف الانتخابات الرئاسية شرط أن ينال التوافق من قبل الجميع، لا انتخابات نيابية قبل الرئاسية».

- الانطباع بقرب نضوج تسوية ما في ملف رئاسة الجمهورية وعودة «المستقبل» الى رئاسة الحكومة بعدما كان أقصي عنها بـانقلاب سياسي - دستوري، بعدما حركت «خارطة طريقه» مياه المبادرات الراكدة، فتحرك النائب وليد جنبلاط باتجاه حارة حريك والرابية، وهو ما ظهر جليا في الموقف الجنبلاطي العلني والضمني والايحاء المقصود بأن العودة مكملة وتتقاطع مع الجهود التي يقوم بها والتي وضعت الانتخابات على سكة الحل.

- إعادة التوازن الى اللعبة الداخلية وتحديداً في الملفات الشائكة الموضوعة، وهو ما يفسر الارتياح الكبير الذي عبّرت عنه قوى 14 آذار، التي اعادت التأكيد في اجتماعها في بيت الوسط بحضور كامل قياداتها على ثوابتها، واستمرار الحلف وتمتينه، وانطلاق دينامية جديدة في المشاورات بين مكونات الفريق بما يؤسس لمرحلة لاحقة وليس لمرحلة مباشرة.

- القلق السعودي من الاحداث في المنطقة،ومحاولة عزل لبنان عما يجري في المنطقة،ما دفع بالعاهل السعودي الطلب من الرئيس الحريري العودة الى بيروت، مع هبة مالية لدعم الجيش وتزويده بالسلاح والعتاد الكافي، وحمّله مهمة العمل على تقوية تيار الاعتدال السني وغيرها من الطوائف، رغم ان هناك من يعمل على تفشيل هذه المهمة بربط ملف العودة بالاستحقاق الرئاسي، علما ان حركة الحريري المتمثلة في لقاءات واجتماعات قد تسرع ملف الاستحقاق، من دون ان يكون هذا الامر مهمة ملقاة على عاتقه.

يشار الى ان مصادر مواكبة، ان رئيس الحكومة تمام سلام سيوجّه دعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، على جدول اعمالها موضوع الهبة السعودية المخصصة لدعم الجيش اللبناني، واشارت الى ان الرئيس الحريري وبصفته المؤتمن على تنفيذ الهبة، اتفق مع الرئيس سلام على اعتماد كل الوسائل الدستورية التي تضمن تسلم هبة عينية ، وان المجلس سيوافق على قبول الهبة وتكليف الوزراء المختصين تحديد الآلية التي ستعتمد لتنفيذها، على ان يُعقد بعد ذلك اجتماع امني يضع تقريرا مفصلا حول حاجات الجيش وقوى الامن الملحة من الاسلحة والعتاد.

عرسال، التي شكلت سبب العودة غير المباشر، تبرع لها الحريري بـ15 مليون دولار لاعادة اعمارها، في وقت دخلها الجيش وبدأ الانتشار في شوارعها، وسط غموض لا يزال يكتنف مصير العسكريين اللبنانيين الاسرى، رغم كشف المفاوضين ان عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي بصحة جيدة، وقد قيل لهم عند أسرهم «عليكم الأمان»، في إشارة الى أنها كلمة عندما يقولها التنظيم المسلح، يعني أنّهم لن يتعرّضوا للخطر والقتل، باعتبار أنّ أسرهم هو من أجل المقايضة وطلب تنفيذ شروط.

اقفل الاسبوع اللبناني على شبه انفراج أمني تمثل في انحسار معركة عرسال، وأمل في انفراج سياسي بعد عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، عكره محاولة الاعتداء التي تعرض عضو الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار نوفل ضو في الطيبة بعلبك، في تطور قرأ فيه البعض رسالة تحذير، فيما كان احد الاجهزة الامنية يحصل على مجموعة من الصور للشيخ احمد الاسير متعمدا الظهور في حي حطين داخل مخيم عين الحلوة بشكل لافت برفقة الإسلامي المتطرف أبو محجن الذي يتصدر اسمه المحسوبين على تنظيم القاعدة، فيما وجه الفنان المعتزل فضل شاكر، تحية إلى أهالي عرسال، مغردا من خلال حسابه على تويتر: «قصف وحصار، قتل وتشريد، تجويع وترويع.. كل هذا ولم يحبط من عزيمتكم ولم ينلْ من كرامتكم، التي هي أغلى بكثير من مساعدة غذائية. تحية لعرسال وأهلها»، مشيدا بصمود أهالي البلدة ضد الهجمة التي شنها الجيش بالتعاون مع «حزب الله» على الأهالي، لا سيما السنّة.

  • فريق ماسة
  • 2014-08-09
  • 5081
  • من الأرشيف

قرار دولي بإعادة السعودية إلى لبنان

شكلت عودة الرئيس الحريري مادة اضافية جديدة على جدول الاعمال السياسي، الذي سيفتتحه فعليا من خلال مشاركته في انتخاب مفت للجمهورية بشبه تذكية، وباعادة تكوين لـ 14 آذار التي اعادت التاكيد على ثوابتها بما فيها موضوع حزب الله، علما ان الابرز في الشكل كانت تقصده بحسب مقربين منه ان تكون اطلالته العلنية الاولى بعد العودة، في الزيارة التي قام بها الى ضريح الشهيدين الحريري واللواء وسام الحسن، حيث اراد ايصال رسالة رمزية واضحة، تبدأ من قضية ميشال سماحة ولا تنتهي بالموقف الحاسم من الجدل القائم حول ضرورة اعادة التنسيق مع السوريين في ما خص الحرب على الارهاب. ورغم تعدد القراءات لأبعاد انتهاء فترة النفي الاضطراري، فان الثابت ان «العودة المزدوجة»، التي رسم ساعة الصفر لها الاعلان عن مكرمة المليار دولار، اتت من ضمن رزمة اتفاق متكامل وتتويجا لجهد دولي اقليمي بدأ منذ فترة. عودة فعالة للمملكة السعودية واعادة امساك من قبل الرياض بالملفات على الساحة اللبنانية، حيث يتحدث احد السفراء ان الدول التي ترعى الامن عادة هي التي تحظى بالموقع السياسي المؤثر الاول، رغم الهمس بأن لا شيء محددا بعد في ما اذا كان الرئيس سعد الحريري سيبقى نهائياً في بيروت او انها زيارة قصيرة او طويلة، لارتباط الامر بما سيكون عليه مسار الوضع العام في لبنان الامني والسياسي والملفات التي تحتاج الى وجوده الشخصي. ايا يكن الجدل القائم حول اهداف العودة وغاياتها، فان عودته خلقت دينامية سياسية جديدة واعادت الامل باحياء بعض خطوط الاتصال التي من الممكن ان تنتج حلولا للازمات وللملفات العالقة وفي مقدمتها ملف انتخاب رئيس للجمهورية، وسط الكشف عن مفاجأة قد تحصل الثلثاء المقبل موعد انعقاد جلسة مجلس النواب المخصصة لانتخاب الرئيس، نتيجة فتح ثغرة هامة في جدار الاستحقاق واعادة التواصل بين كل القوى السياسية، وهذا ما عكسته عودة الرئيس الحريري وزيارته الرئيس سلام في السراي الكبير، ولقاءاته المسؤولين السياسيين وبعدها انعقاد اجتماع 14 آذار. فانقسام الاطراف السياسيين بين اطمئنان الحلفاء «للاقامة» المغطاة بمظلة حماية إقليمية دولية مخابراتية بإمتياز، والخاضعة لإجراءات حماية أمنية مكثّفة،وتريث الخصوم، الذين استبعدوا حصول اي تغيير مهم في المعادلات في ظل الستاتيكو القائم في المنطقة والممتد من سوريا الى العراق، حيث لبنان ساحة لرد الفعل وليس الفعل، اقله حتى الساعة، تبعا لما تبينه المعطيات السياسية والامنية والعسكرية، في ظل المخاطر نفسها سواء بالنسبة الى التفجيرات أو الاغتيالات، والاصطفافات السياسية المستمرة في مهاجمة «حزب الله»، وحدهم كما المراقبين في قراءة خلفيات وملابسات هذه الخطوة، التي شكلت تطورا نوعيا غير مرتقب في توقيتها، اذ انطوت على أبعاد اربع متقاطعة: - إدراك الحريري الحاجة الى وجوده الشخصي على رأس تيار الاعتدال السني لمواجهة رياح التشدد التي تعصف بالمنطقة، خصوصاً بعد احداث عرسال الاخيرة، والحاجة لحسم الجدل ضمن المستقبل حول كثير من الملفات، حزبيا وسياسيا، رغم تاكيده خلال اجتماع قيادي للتيار ان شيئا لن يتغير في الثوابت، لناحية الاعتدال السياسي والحوار مع الجميع ، باستثناء من لا يريد التفاهم مع أحد، ضمن بنود المبادرة التي طرحها، «لا لقاء مع أمين عام «حزب الله» وسيكون هناك لقاء مع رئيس مجلس النواب، التعاون مع «التيار الوطني» كان له ايجابيات كثيرة ونتمنى أن يستكمل بغض النظر عما سيحصل في الانتخابات الرئاسية، لا تخلٍّ عن الحلفاء، لا فيتو على أحد في ملف الانتخابات الرئاسية شرط أن ينال التوافق من قبل الجميع، لا انتخابات نيابية قبل الرئاسية». - الانطباع بقرب نضوج تسوية ما في ملف رئاسة الجمهورية وعودة «المستقبل» الى رئاسة الحكومة بعدما كان أقصي عنها بـانقلاب سياسي - دستوري، بعدما حركت «خارطة طريقه» مياه المبادرات الراكدة، فتحرك النائب وليد جنبلاط باتجاه حارة حريك والرابية، وهو ما ظهر جليا في الموقف الجنبلاطي العلني والضمني والايحاء المقصود بأن العودة مكملة وتتقاطع مع الجهود التي يقوم بها والتي وضعت الانتخابات على سكة الحل. - إعادة التوازن الى اللعبة الداخلية وتحديداً في الملفات الشائكة الموضوعة، وهو ما يفسر الارتياح الكبير الذي عبّرت عنه قوى 14 آذار، التي اعادت التأكيد في اجتماعها في بيت الوسط بحضور كامل قياداتها على ثوابتها، واستمرار الحلف وتمتينه، وانطلاق دينامية جديدة في المشاورات بين مكونات الفريق بما يؤسس لمرحلة لاحقة وليس لمرحلة مباشرة. - القلق السعودي من الاحداث في المنطقة،ومحاولة عزل لبنان عما يجري في المنطقة،ما دفع بالعاهل السعودي الطلب من الرئيس الحريري العودة الى بيروت، مع هبة مالية لدعم الجيش وتزويده بالسلاح والعتاد الكافي، وحمّله مهمة العمل على تقوية تيار الاعتدال السني وغيرها من الطوائف، رغم ان هناك من يعمل على تفشيل هذه المهمة بربط ملف العودة بالاستحقاق الرئاسي، علما ان حركة الحريري المتمثلة في لقاءات واجتماعات قد تسرع ملف الاستحقاق، من دون ان يكون هذا الامر مهمة ملقاة على عاتقه. يشار الى ان مصادر مواكبة، ان رئيس الحكومة تمام سلام سيوجّه دعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، على جدول اعمالها موضوع الهبة السعودية المخصصة لدعم الجيش اللبناني، واشارت الى ان الرئيس الحريري وبصفته المؤتمن على تنفيذ الهبة، اتفق مع الرئيس سلام على اعتماد كل الوسائل الدستورية التي تضمن تسلم هبة عينية ، وان المجلس سيوافق على قبول الهبة وتكليف الوزراء المختصين تحديد الآلية التي ستعتمد لتنفيذها، على ان يُعقد بعد ذلك اجتماع امني يضع تقريرا مفصلا حول حاجات الجيش وقوى الامن الملحة من الاسلحة والعتاد. عرسال، التي شكلت سبب العودة غير المباشر، تبرع لها الحريري بـ15 مليون دولار لاعادة اعمارها، في وقت دخلها الجيش وبدأ الانتشار في شوارعها، وسط غموض لا يزال يكتنف مصير العسكريين اللبنانيين الاسرى، رغم كشف المفاوضين ان عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي بصحة جيدة، وقد قيل لهم عند أسرهم «عليكم الأمان»، في إشارة الى أنها كلمة عندما يقولها التنظيم المسلح، يعني أنّهم لن يتعرّضوا للخطر والقتل، باعتبار أنّ أسرهم هو من أجل المقايضة وطلب تنفيذ شروط. اقفل الاسبوع اللبناني على شبه انفراج أمني تمثل في انحسار معركة عرسال، وأمل في انفراج سياسي بعد عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، عكره محاولة الاعتداء التي تعرض عضو الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار نوفل ضو في الطيبة بعلبك، في تطور قرأ فيه البعض رسالة تحذير، فيما كان احد الاجهزة الامنية يحصل على مجموعة من الصور للشيخ احمد الاسير متعمدا الظهور في حي حطين داخل مخيم عين الحلوة بشكل لافت برفقة الإسلامي المتطرف أبو محجن الذي يتصدر اسمه المحسوبين على تنظيم القاعدة، فيما وجه الفنان المعتزل فضل شاكر، تحية إلى أهالي عرسال، مغردا من خلال حسابه على تويتر: «قصف وحصار، قتل وتشريد، تجويع وترويع.. كل هذا ولم يحبط من عزيمتكم ولم ينلْ من كرامتكم، التي هي أغلى بكثير من مساعدة غذائية. تحية لعرسال وأهلها»، مشيدا بصمود أهالي البلدة ضد الهجمة التي شنها الجيش بالتعاون مع «حزب الله» على الأهالي، لا سيما السنّة.

المصدر : الماسة السورية/يشال نصر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة