دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم تكن تتوقع الإدارة الأميركية أثناء تحشيدها للتحالف الدولي ضد "داعش" أن تجد كل هذا الرفض التركي لمواكبة العمليات العسكرية ضد المتطرفين.
جال وزير الخارجية الأميركية جون كيري في عواصم عدة لتنسيق العمليات. ناورت انقره بداية قبل أن يأتي الجواب الصريح: لا نرغب في قتال "الدولة الإسلامية". ناقش كيري القيادة التركية في الأسباب و أهميَّة الانخراط في المرحلة الجديدة. تبين ان الموضوع أبعد من قضية الحقد على دمشق والخشية من أن تستفيد سوريا من الضربات العسكرية ضد "داعش". الحلف التركي - الداعشي يبدو قائماً، عملياً تستفيد منه أنقره اقتصادياً بالنفط السوري المسروق أولا، وإشغال الكرد بحروب واستنزاف ثانياً، و إضعاف إيران وشل العراق ثالثاً، وإبقاء سوريا في دورة الدم رابعاً، وترهيب كل دول الخليج خامساً.
الاستفادة التركية بالجملة من وجود "داعش". عدا عن معرفة تركيا ان سوء تخطيط يعم في مشروع التحالف بغياب مؤيدين مقاتلين على الأرض لترجمة الحرب. من هنا جاء الرفض في أنقرة وعدم تقديم أدنى المساعدات اللوجستية للتحالف الدولي.
لكن كيف بدا المشهد في مصر والخليج؟
رغم كل يقال إعلامياً عن موقف مصري يطابق الرأي السعودي حول سوريا، تسربت أنباء عن محاولة القاهرة إقناع الأميركيين بفتح صفحة جديدة مع دمشق. أساسا حاولت القيادة المصرية سراً لعب هذا الدور مع الرياض. الكلام المصري استند الى حقيقة آن لا قدرة على محاربة "داعش" في العراق وسوريا من دون ضم الحكومة السورية الى التحالف، فهي الخبيرة بأرضها ولديها معلومات وافية عن المتطرفين وارتباطاتهم مع مجموعات تتواجد في دول غربية. ذكّرت مصر الولايات المتحدة الأميركية بدور الاستخبارات السورية في تقديم معلومات للغرب والعرب عن تحرك المجموعات الإرهابية بعد اعتداءات 11 أيلول. قالت لكيري ان المعركة واحدة لا يمكن فصلها. بالنسبة للقاهرة ان تنظيم "داعش" يكمل "الإخوان المسلمين" وغيرهم من المجموعات والفصائل المقاتلة، وبالتالي لا يمكن لا الفصل ولا الرهان على "الاخوان". تنطلق القاهرة من قاعدة واضحة ان الحرب السورية والمصرية على المتطرفين واحدة. ومن هنا وجب التنسيق وفتح صفحة جديدة مع دمشق.
فصّلت مصر عسكريا بأهمية التعاون مع الحكومة السورية على الأقل لوجستياً باستخدام المطارات والاستخبارات وتأمين التدخل الأرضي حيث يلزم.
الرأي المصري يشبه تماماً موقف بعض دول الخليج وخصوصاً الإمارات العربية التي هاجمت صحفها تركيا واتهمتها بأنها ترغب بإطالة عمر الأزمات وتوسيع مشروع "الأخونة" لتتريك سوريا والعراق والتمدد نحو الخليج. ما لم تقله الامارات أشارت اليه بضرورة محاربة "الدواعش" و"الإخوان" وأشباههم والتحالف مع من يحاربهم. التودد قائم أساساً مع طهران والتبادل التجاري فعّال.
رد الأميركيون بأن السياسة هي التي تمنع إدخال سوريا بالتحالف ضد "داعش". هم يتعاملون مع دمشق على أساس حلفها مع طهران وموسكو. لا يمكن فصل اي تعامل مع السوريين عن الملفات العالقة مع الإيرانيين والروس.
يعلم الأميركيون ان ما عجزت عنه كل الدول و"الأصدقاء" والدعم والتسليح وما جرى على مسافة ثلاث سنوات لا يمكن ان يتبدل من خلال تدريب بضعة آلاف ليحلوا مكان الجيش السوري. إنها الزكزكة الأميركية وإبقاء الضغوط قائمة. تدرك واشنطن انها لا تغير اي تفصيل في المعادلة السورية.
معلومات أميركية ذكرت ان واشنطن تخطط لمزيد من التسخين مع الروس من خلال جذب السوريين الى اشتباك عسكري. قد يتهم التحالف الدولي دمشق بإعاقة حربه ضد الإرهاب لشن غارات على مواقع الجيش. هذه الإشارات وصلت الى موسكو وطهران. يُدركان ان ما يجري يكمل المواجهة الجارية في أوكرانيا والمفاوضات النووية وسباق المصالح والنفوذ ورغبة الغرب بحماية إسرائيل.
المنطقة دخلت باشتباك معقّد: مصر تريد القضاء على كل الحركات الإسلامية المتطرفة والتعاون مع خصوم وأعداء تلك الحركات وفي المقدمة الحكومة السورية. عواصم الخليج تريد إقصاء "الإخوان" و "داعش" ولكن السعودية تقول انها قلقة من النفوذ الإيراني وتريد المحاصصة في سوريا والعراق. بالنسبة للأميركيين لا يمكن فصل الملف السوري عن الصراع القائم مع روسيا. تركيا المستفيد الأكبر من تفكك عناصر القوة في المنطقة وتمدد الحركات الإسلامية وعلمها المسبق بفشل ضرب التطرف من خلال التحالف ضد "داعش".
أمام الوقائع السياسية تبدو الأزمة الميدانية الى اشتداد على مسافة زمنية مفتوحة باستبعاد التسوية الشاملة.
المصدر :
عربي برس /عباس ضاهر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة