الاستاذ ياسين الحاج صالح شخصية تستحق دراسة مستقلة لمنهجها الغريب، فهو من النماذج التي يمكن من خلالها فهم اسباب تخلف العالم العربي رغم هذا الكم الهائل من المتعلمين والنخبويين والثوريين بين صفوفه.

كذلك يقدم لنا الاستاذ عزمي بشارة في مسيرته الفكرية والحزبية والسياسية والشخصية والمالية دليلا آخر يؤكد ان سبب تخلفنا وتقدم الغرب يكمن في نماذج تماثل هؤلاء النخبويين الذين يفترض بهم قيادة " عامة الناس" ويعطون للرأي العام دافعا يحتاج اليه عبر نماذج تقوده نفسيا الى تبني افكار التقدمية والديمقراطية والحرية والتعلم والتصنيع والبروز والنشاط والمثابرة والالتزام والعمل الجماعي لما فيه خير المجتمع، وكل ذلك يفترض ان يقدمه النخبوي في افكاره التي يسوقها ولكن الشعب لن يتبعها الا ان رآها في النخبة واقعا في منهجها وفي مسيرتها.

القائد في تطور المجتمعات حضاريا واجتماعيا وانسانيا ليس فردا بل منظومة فكرية تحاكي الواقع من خلال تطبيق عملي يراه الناس في القائد (المجموعة النخبوية)، فهل كان ياسين الحاج صالح وخويّه الاكثر حظا مع الدلال القطري عزمي بشارة نماذج صالحة تبناها الرأي العام واتبع خطواتها؟؟

في الواقع، ان نشطاء كثر من الثوريين حقا ومن المخلصين حقا لقضية المظالم التي طالب الشعب السوري بأسره بازالتها من على كاهله تاه سعيهم واحبط جدهم واجتهادهم لانهم نظروا هذين وامثالهما فوجدوهما يقدمان الآنا الشخصية على المصلحة العامة، ففعلوا كما فعل "الكراز الثقافي" اي النخبة.

كان ذلك قبل ان ينقسم ذاك الشعب بين نموذجين اثنين:

1- ثوري حقا يضم كافة اطياف المجتمع الدينية والسياسية والفكرية وجد انه بين خيار تدمير البلاد وتسليمها للفوضى الخلاقة (خاصة كوندي رايس) وبين تاجيل المطالبة بالحقوق وتجميد التحرك لظرف افضل لا يكون الثمن فيه (للسعي خلف الحق) تأبيد وتعميم داعشية مستوردة ومحلية تحكم البلاد.

2- نماذج ثورية مخلصة انحرفت بعدما تاثرت بامثال ياسين الحاج صالح وعزمي بشارة لا فيما يزعمانه من افكار وتنظير فكري جميل، بل فيما رآه منهما الناشطون من ممارسات تسعى وراء فوائد الثورة قبل ان تبدأ، فوائد تبدأ من المال وتنتهي عنده وتمر بالأضواء والشهرة والبطولات الوهمية والمزعومة وبالنفوذ والسلطة ولو على حي او باستغلال ظل "حيطة " امير او "حيطة" سفارة.

 

التقدم الذي حققه الغرب والصين والهند وماليزيا بدأ من عمل نخبوي فكري ربما كان ملهمه شخص حاكم او سياسة حزب او طمع طامح ببناء دولة يعود الفضل اليه ببنائها فيخلد اسمه، ولكن دور النخبة الفكرية دائما يكون هو القائد للشعب لا شخص الحاكم ولا ايديولوجية الحزب، النخبة المتحركة تحفز الناس على التثقف والاستماع والتعلم ثم على العمل والتطور والتحسين وعلى الالتزام والتضحية في سبيل هدف جماعي. والنخبة الفكرية هي التي ثبتت في عقل الشعب بعدما ثبتت في عقل الحاكم ان وسيلة تحقيق اي تطور لا بد وان تمر بقوننة كل ما يتعلق بشؤون الناس والمجتمعات بحيث يكون لكل مسألة قانون يلتزم به الجميع ويسري على الجميع. حتى الجريمة في الغرب مقوننة اذا كانت في مصلحة المجتمع بزعم الحكام. الم يسن الكونغرس قوانينا لتحرير العراق وللتدخل في لبنان وسورية؟

 

لهذا حين انتهت حروب الاديان والطوائف في اوروبا واندلعت حروب الامبراطوريات وصولا الى حروب المستعمرين على مستعمراتهم خرجت المجتمعات الاوروبية بصيغة حكم عممها المفكرون لا الحكام واساسها حكم القانون وحيث كان هناك قانون كان هناك دولة ومجتمع متطور وناشط وحضاري.

لولا النخب الفكرية ما تقدمت اوروبا ولا الغرب قاطبة ولا تقدمت ماليزيا ولا الهند، ولولا القانون الذي يحترمه الحاكم والمحكوم ما بقي التطور ثابتا في مسار حضاري تصاعدي

 

وهنا (مقياس التطور الحضاري المقصود هو العلم والاستقرار وامن المجتمعات وحرية الانسان فيها )

وإن من الآفات التي ابتلي بها العرب والمسلمين منذ انقلاب معاوية وتحويله الحكم الى ملك ثم مع الغزو المملوكي ثم العثماني لبلادنا هو معرفة مستعمرينا والطامعين بنا بأن نخبتنا تشبه نخبة معاوية وتملك من الأنانية ما يجعل المصلحة الشخصية لكل مفكر وناشط وقادر ووجيه ونبيل امرا مقدسا يصل حد التدين.

هذا ترسب حضاري عمره من عمر الدولة العربية الاولى في الشام، وهي قانون وضع سنته ملك المسلمين والعرب الاول " معاوية بن ابي سفيان" الذي استمال الامة بمفكريها وقلبّها على سيد الخلق بعد رسول الله وجعل من حكم علي حكما متزعزعا في مقاييس الدنيا والدولة لا لأفضلية لابن ابي سفيان عدو رسول الله واحد الطلقاء، ولا لان معاوية ادهى من علي بن ابي طالب، ولكن لأن اساليب الملك حقيرة لا تتناسب وعلي واخلاقه وعبادته ومعرفته بصغر هذا العالم في مقابل ما عند الله.

الترسبات التاريخية حضاريا عند العرب تشد النخبة دوما الى معاوية (الفوائد الانية والملموسة) وتبعدهم عن مثاليات جيدة لجذب الناس وسيئة في ميزان المال والاعمال والواقع.

تاريخيا يعرف كل مثقف ان من وقفوا مع علي قتلوا وسجنوا وجرى نفيهم وتعذيبهم وخسروا المعركة الدولتية، ومن وقفوا مع نموذج معاوية سيد الخداع والسياسة المصلحية فازوا وصاروا حكام العالم وامراءه ولو من باب الحقارة والاساليب الاجرامية.

لهذا ترى كل عارف بتاريخنا يحمل في جيناته الفكرية قناعة بان افضل النضال هو ان تعرف متى تبيع نضالك لمعاوية زمنك. هذا بالضبط ما فعله كل من عزمي بشارة وياسين الحاج صالح.

سُنة الكون ان يجتمع الناس على امور يتعارفون على انها مسلمات، ومن المسلمات التي يمارسها مجتمعنا العربي احترام وتبجيل العلماء والنخبويين، وفي زمن الصحف المطبوعة والقنوات، الشهرة هي صفة لازمة للمتخذ من شهرته صفة العالم (لا للعالم الحقيقي) وصار المتعلم الناشط، عالما بنظر الناس ان اصابته شهرة.

وقد عملت وسائل اعلامية قريبة من سورية ومن حزب الله على ترويج شخص وعلم وفكر ودور ونضال المدعو عزمي بشارة.

لربما كان الرجل شيوعيا فعليا وعقائديا حين كان عضوا في حزب راكاح الاسرائيلي الماركسي، ولربما كان مخلصا لحزب الله حين جنده الحزب للعمل كمرصد سياسي معلوماتي يقدم تصورات امنية للمقاومين في لبنان من داخل الكنيست عن الطبقة السياسية الاسرائيلية.

ولربما كان مخلصا في صداقته للنظام الحاكم في سورية الذي كرم واستضاف وقرب عزمي بشارة من رأس السلطة فيه، حتى كاد ان يعتبر بين الجميع كفرد من اقرب مستشاري الرئيس السوري.

ويسجل لعزمي بشارة انه قال في حضور الرئيس السوري " انتم لا تقدمون اصلاحا حقيقيا بل دعاية مكثفة عن الاصلاح وتقدما بطيئا نحو الاصلاح، لكني اتفهم المؤامرات التي تحيط بكم والتي تجعل من اي عملية اصلاح سياسية حقيقية منفذا للمخابرات الدولية لاختراق المجتمع عامة والمجتمع السياسي المعارض خاصة والمجتمع الاقتصادي على وجه الخصوص، لهذا اتفهم رغبتكم بالاصلاح وعجزكم عن السير به حتى نهايته بسرعة"

يسجل لعزمي بشارة شجاعته في قول كلمة الحق تلك في عام 2004 فلماذا تفهم حين ذاك ولم يتفهم في 2011 ولماذا تفهم انذاك ثم سكت سبع سنين قبل ان ينقلب على اصدقائه في دمشق؟؟

إن الرجل قد كان حقا او باطلا من جماعة المثاليات الفكرية ربما ولكنه وجد في معاوية (اميركا وقطر) فوائد النضال فمارس افضل النضال العربي وباع نضاله في الوقت المناسب.

 

النخبة تقدم افكارا، ومن ثم تقدم نموذجا لتطبيق تلك الافكار على انفسها، فما هو نموذج عزمي بشارة وياسين الحاج صالح؟؟

نموذج المفكر الذي يبدأ حياته يساريا ثم ينقلب ليبراليا ثم يناضل لاجل هدف مجهول ويتلقى التكريم هنا وهناك ويصيب شهرة وتبجيلا شعبيا واحتراما نخبويا رياديا ثم يقدم رؤى هائمة وافكار حالمة ولا يطبقها على نفسه. فان مارس نشاطا فأنه يسعى لتمويله من ابناء القذافي (عزمي) او من منظمات اميركية واوروبية تمارس الحرب الناعمة باسم النشر والعمل الاهلي والنشاط الاجتماعي (ياسين الحاج صالح) ثم حين تبدأ الامة في نهش ثدييها وفي تقطيع اوصال نفسها، ينحاز المفكر لا الى الناس بل الى ما يجعل حركتهم في خدمة قطر واميركا وداعش(عزمي وياسين الحاج صالح).

لا يشغل بال عزمي بشارة هم قيام ثورة تحرير مدنية في فلسطين المحتلة ولا يعمل من اجلها ولا ينظر لها ولا يجهز ولا ينسق ولا ينظم ولا يدعو ولا يأمل ولا يعمل من اجل تحرير ارادة فلسطينيي الداخل من الاحتلال، فلا ثورة مطلوبة في الناصرة وحيفا ويافا والجليل والنقب، ولا عصيان مدني مطلوب حتى قيام دولة ديمقراطية حقيقية يعود اليها كل فلسطيني ويعيش فيها كل اهل البلاد بما يحقق انسانية الانسان لا عنصرية الصهاينة حصرا.

هناك في فلسطين لا حاجة لاي جهد يبذله بشارة لقيام ثورة شعبية، فقط في سورية يجب ان تقوم ثورة، وفي السعودية لا يجب ان تقوم ثورة وثورة البحرين مذهبية فقط في سورية وفي مصر يجب ان تقوم ثورة لعيون تميم وابيه من قبل. انه مثقف الدولار والريال لا مفكر عن امة.

في فلسطين آلام ينساها عزمي حيث يتمتع انصاره مثلا برعاية خاصة على عكس كل الفلسطينيين الاخرين من قبل الديمقراطية الاسرائيلية الاحتلالية التي يحترم انصار عزمي شروطها.

من جهته لا يسعى ياسين الحاج صالح لوقف شلال الدم ويذهب الى مفاوضة عدوه (النظام) ممثلا لمصالح سوريين ثوريين بل يرفض ذلك ويتباهى من مخبأه في منزل ديبلوماسي اميركي في ابو رمانة داخل اسوار السفارة، يتباهى وهو المثقف بمئة الف سوري حملوا السلاح لتخريب بلادهم. فمزاعم حماية التظاهرات ثبت انها كانت حجة لانهاء الثورة في سلمية مفترضة وحولتها الى مسرح لحرب عالمية ارهابية ضد سورية بكل بنيها وبناتها.

كان على المفكر ان يهزم الحاكم الذي يناضل ضده اينما بسلاح لا يدمر البلاد ولا يسلمها للموت القادم من افكار بن تيمية من خطط شمعون بيريز وكوندليسا رايس وروبرت فورد. كان عليه ان يعرف بان افضل سلاح لانتصار ثورية شعبية هو ان لا تستخدم الثورة السلاح.

 

بسلاح الهتاف والعصيان المدني وبوردة تقدم لجندي يطلق النار ينتصر شعب لديه قضية يقاتل من اجلها(لكن ياسين يعرف ان القضية طائفية يستغلها الاميركي لا اكثر لذا لجأ الى السلاح لا الى الفكر)

كان على ياسين ان يدعوا الناس الى مبادلة الرصاص بالورد لا ان يبادله المواطنون برصاص (والواقع انه كان رصاص ثوري كثيف مقابل كل رصاصة او اثنين من شرطة واجهزة كانت خائفة ومرتعبة من شراسة السلميين ومن قناصين يطلقون النار عليهم وعلى ابناء السلطة، في البداية على الاقل.

النموذج النخبوي للرجلين يدفع عامة الشعب الى اللحاق بهم وبأمثالهم الى حيث الفوائد فصارت الثورة ثورة ذباحين وعفيشة (نموذج لا يوجد منه فقط عند الموالين بل عند الطرفين) ولم يأخذهم الى مراتب الانتاج العلمي والحضاري والفكري الاقتصادي والاجتماعي المتطور، ثم الى عصرنة المجتمع الباني لدولة القانون لا الداعم لقيادة فردية تنتهي بموتها او بنهاية حكمها.

الرجلين (عزمي بشارة وياسين الحاج صالح) صناعة بعثية بالمناسبة، فقد اشتهر ياسين الحاج صالح لانه كان سجينا للبعثيين، واشتهر عزمي لان سورية فتحت له ابوابها واعلامها الحليف في لبنان.

ياسين الحاج صالح هو صناعة الاعتقاد البعثي بوجوب تناول المعارضين على الغداء قبل ان يتناول المعارضون سلطة البعث بعون الخارج (سوفياتي او اميركي) على العشاء. فقد كان الرجل عضوا في تنظيم يؤمن بان قتل وسحل وذبح وتقطيع اركان سلطة البعث واجب ثوري، فكان اولئك القساة القلب والمتمسكين بالسلطة بالنواجذ( الاركان البعثيين) رحماء على معارضيهم اليساريين ومنهم المؤمن بالكفاح المسلح والعنف الثوري ياسين الحاج صالح الذي دخل السجن لان مخطط تنظيمه للانقلاب على البعثيين والحلول مكانهم بكل ما في البعث من قسوة وديكتاتورية وفردية وتفرد فشل ...اي ان ياسين وصحبه في تنظيمه الثورجي اليساري لم يكونوا يعدون للناس ديمقراطية ولا حرية راي ولا صحافة حرة ولا باي شيء مماثل بل كانوا يرون كما البعث ان الانقلاب على السلطة واجب ولو بالقوة للوصول الى سلطة تمارس ديكتاتورية النخبة (اليسارية هنا) لتنفيذ سياسة تراها تلك النخبة مناسبة. اليس هذا ما فعله البعث ؟؟ لا بل ان البعث كان في السلطة ولم يفعل رجاله بهم ما كان المناضل العنفي ياسين ينوي ان يفعل بهم لو نجحت حركة تنظيمه الانقلابية.

اما عزمي فقد انتهى نموذجه الى حيث صار مثالا لكل حالم بالثروة والمال لا عبر الهجرة الى افريقيا واميركا والمكسيك وكندا واستراليا ولا عبر الحلم برقم لوتو ولا بورقة يانصيب ولا بوراثة ولا بصناعة ولا بتجارة بل عبر امتلاك قدرة مخاطبة الرأي العام واكتساب شهرة ومتابعين ثم العمل خادما في بلاط امير عربي رجعي ورث الحكم و الرعية والبلاد وما عليها وسيورثه لابنه من بعده كما فعل معاوية تماما.

  • فريق ماسة
  • 2014-09-24
  • 5862
  • من الأرشيف

عن عزمي بشارة وياسين الحاج صالح و"نخبة" معاوية بن ابي سفيان!

الاستاذ ياسين الحاج صالح شخصية تستحق دراسة مستقلة لمنهجها الغريب، فهو من النماذج التي يمكن من خلالها فهم اسباب تخلف العالم العربي رغم هذا الكم الهائل من المتعلمين والنخبويين والثوريين بين صفوفه. كذلك يقدم لنا الاستاذ عزمي بشارة في مسيرته الفكرية والحزبية والسياسية والشخصية والمالية دليلا آخر يؤكد ان سبب تخلفنا وتقدم الغرب يكمن في نماذج تماثل هؤلاء النخبويين الذين يفترض بهم قيادة " عامة الناس" ويعطون للرأي العام دافعا يحتاج اليه عبر نماذج تقوده نفسيا الى تبني افكار التقدمية والديمقراطية والحرية والتعلم والتصنيع والبروز والنشاط والمثابرة والالتزام والعمل الجماعي لما فيه خير المجتمع، وكل ذلك يفترض ان يقدمه النخبوي في افكاره التي يسوقها ولكن الشعب لن يتبعها الا ان رآها في النخبة واقعا في منهجها وفي مسيرتها. القائد في تطور المجتمعات حضاريا واجتماعيا وانسانيا ليس فردا بل منظومة فكرية تحاكي الواقع من خلال تطبيق عملي يراه الناس في القائد (المجموعة النخبوية)، فهل كان ياسين الحاج صالح وخويّه الاكثر حظا مع الدلال القطري عزمي بشارة نماذج صالحة تبناها الرأي العام واتبع خطواتها؟؟ في الواقع، ان نشطاء كثر من الثوريين حقا ومن المخلصين حقا لقضية المظالم التي طالب الشعب السوري بأسره بازالتها من على كاهله تاه سعيهم واحبط جدهم واجتهادهم لانهم نظروا هذين وامثالهما فوجدوهما يقدمان الآنا الشخصية على المصلحة العامة، ففعلوا كما فعل "الكراز الثقافي" اي النخبة. كان ذلك قبل ان ينقسم ذاك الشعب بين نموذجين اثنين: 1- ثوري حقا يضم كافة اطياف المجتمع الدينية والسياسية والفكرية وجد انه بين خيار تدمير البلاد وتسليمها للفوضى الخلاقة (خاصة كوندي رايس) وبين تاجيل المطالبة بالحقوق وتجميد التحرك لظرف افضل لا يكون الثمن فيه (للسعي خلف الحق) تأبيد وتعميم داعشية مستوردة ومحلية تحكم البلاد. 2- نماذج ثورية مخلصة انحرفت بعدما تاثرت بامثال ياسين الحاج صالح وعزمي بشارة لا فيما يزعمانه من افكار وتنظير فكري جميل، بل فيما رآه منهما الناشطون من ممارسات تسعى وراء فوائد الثورة قبل ان تبدأ، فوائد تبدأ من المال وتنتهي عنده وتمر بالأضواء والشهرة والبطولات الوهمية والمزعومة وبالنفوذ والسلطة ولو على حي او باستغلال ظل "حيطة " امير او "حيطة" سفارة.   التقدم الذي حققه الغرب والصين والهند وماليزيا بدأ من عمل نخبوي فكري ربما كان ملهمه شخص حاكم او سياسة حزب او طمع طامح ببناء دولة يعود الفضل اليه ببنائها فيخلد اسمه، ولكن دور النخبة الفكرية دائما يكون هو القائد للشعب لا شخص الحاكم ولا ايديولوجية الحزب، النخبة المتحركة تحفز الناس على التثقف والاستماع والتعلم ثم على العمل والتطور والتحسين وعلى الالتزام والتضحية في سبيل هدف جماعي. والنخبة الفكرية هي التي ثبتت في عقل الشعب بعدما ثبتت في عقل الحاكم ان وسيلة تحقيق اي تطور لا بد وان تمر بقوننة كل ما يتعلق بشؤون الناس والمجتمعات بحيث يكون لكل مسألة قانون يلتزم به الجميع ويسري على الجميع. حتى الجريمة في الغرب مقوننة اذا كانت في مصلحة المجتمع بزعم الحكام. الم يسن الكونغرس قوانينا لتحرير العراق وللتدخل في لبنان وسورية؟   لهذا حين انتهت حروب الاديان والطوائف في اوروبا واندلعت حروب الامبراطوريات وصولا الى حروب المستعمرين على مستعمراتهم خرجت المجتمعات الاوروبية بصيغة حكم عممها المفكرون لا الحكام واساسها حكم القانون وحيث كان هناك قانون كان هناك دولة ومجتمع متطور وناشط وحضاري. لولا النخب الفكرية ما تقدمت اوروبا ولا الغرب قاطبة ولا تقدمت ماليزيا ولا الهند، ولولا القانون الذي يحترمه الحاكم والمحكوم ما بقي التطور ثابتا في مسار حضاري تصاعدي   وهنا (مقياس التطور الحضاري المقصود هو العلم والاستقرار وامن المجتمعات وحرية الانسان فيها ) وإن من الآفات التي ابتلي بها العرب والمسلمين منذ انقلاب معاوية وتحويله الحكم الى ملك ثم مع الغزو المملوكي ثم العثماني لبلادنا هو معرفة مستعمرينا والطامعين بنا بأن نخبتنا تشبه نخبة معاوية وتملك من الأنانية ما يجعل المصلحة الشخصية لكل مفكر وناشط وقادر ووجيه ونبيل امرا مقدسا يصل حد التدين. هذا ترسب حضاري عمره من عمر الدولة العربية الاولى في الشام، وهي قانون وضع سنته ملك المسلمين والعرب الاول " معاوية بن ابي سفيان" الذي استمال الامة بمفكريها وقلبّها على سيد الخلق بعد رسول الله وجعل من حكم علي حكما متزعزعا في مقاييس الدنيا والدولة لا لأفضلية لابن ابي سفيان عدو رسول الله واحد الطلقاء، ولا لان معاوية ادهى من علي بن ابي طالب، ولكن لأن اساليب الملك حقيرة لا تتناسب وعلي واخلاقه وعبادته ومعرفته بصغر هذا العالم في مقابل ما عند الله. الترسبات التاريخية حضاريا عند العرب تشد النخبة دوما الى معاوية (الفوائد الانية والملموسة) وتبعدهم عن مثاليات جيدة لجذب الناس وسيئة في ميزان المال والاعمال والواقع. تاريخيا يعرف كل مثقف ان من وقفوا مع علي قتلوا وسجنوا وجرى نفيهم وتعذيبهم وخسروا المعركة الدولتية، ومن وقفوا مع نموذج معاوية سيد الخداع والسياسة المصلحية فازوا وصاروا حكام العالم وامراءه ولو من باب الحقارة والاساليب الاجرامية. لهذا ترى كل عارف بتاريخنا يحمل في جيناته الفكرية قناعة بان افضل النضال هو ان تعرف متى تبيع نضالك لمعاوية زمنك. هذا بالضبط ما فعله كل من عزمي بشارة وياسين الحاج صالح. سُنة الكون ان يجتمع الناس على امور يتعارفون على انها مسلمات، ومن المسلمات التي يمارسها مجتمعنا العربي احترام وتبجيل العلماء والنخبويين، وفي زمن الصحف المطبوعة والقنوات، الشهرة هي صفة لازمة للمتخذ من شهرته صفة العالم (لا للعالم الحقيقي) وصار المتعلم الناشط، عالما بنظر الناس ان اصابته شهرة. وقد عملت وسائل اعلامية قريبة من سورية ومن حزب الله على ترويج شخص وعلم وفكر ودور ونضال المدعو عزمي بشارة. لربما كان الرجل شيوعيا فعليا وعقائديا حين كان عضوا في حزب راكاح الاسرائيلي الماركسي، ولربما كان مخلصا لحزب الله حين جنده الحزب للعمل كمرصد سياسي معلوماتي يقدم تصورات امنية للمقاومين في لبنان من داخل الكنيست عن الطبقة السياسية الاسرائيلية. ولربما كان مخلصا في صداقته للنظام الحاكم في سورية الذي كرم واستضاف وقرب عزمي بشارة من رأس السلطة فيه، حتى كاد ان يعتبر بين الجميع كفرد من اقرب مستشاري الرئيس السوري. ويسجل لعزمي بشارة انه قال في حضور الرئيس السوري " انتم لا تقدمون اصلاحا حقيقيا بل دعاية مكثفة عن الاصلاح وتقدما بطيئا نحو الاصلاح، لكني اتفهم المؤامرات التي تحيط بكم والتي تجعل من اي عملية اصلاح سياسية حقيقية منفذا للمخابرات الدولية لاختراق المجتمع عامة والمجتمع السياسي المعارض خاصة والمجتمع الاقتصادي على وجه الخصوص، لهذا اتفهم رغبتكم بالاصلاح وعجزكم عن السير به حتى نهايته بسرعة" يسجل لعزمي بشارة شجاعته في قول كلمة الحق تلك في عام 2004 فلماذا تفهم حين ذاك ولم يتفهم في 2011 ولماذا تفهم انذاك ثم سكت سبع سنين قبل ان ينقلب على اصدقائه في دمشق؟؟ إن الرجل قد كان حقا او باطلا من جماعة المثاليات الفكرية ربما ولكنه وجد في معاوية (اميركا وقطر) فوائد النضال فمارس افضل النضال العربي وباع نضاله في الوقت المناسب.   النخبة تقدم افكارا، ومن ثم تقدم نموذجا لتطبيق تلك الافكار على انفسها، فما هو نموذج عزمي بشارة وياسين الحاج صالح؟؟ نموذج المفكر الذي يبدأ حياته يساريا ثم ينقلب ليبراليا ثم يناضل لاجل هدف مجهول ويتلقى التكريم هنا وهناك ويصيب شهرة وتبجيلا شعبيا واحتراما نخبويا رياديا ثم يقدم رؤى هائمة وافكار حالمة ولا يطبقها على نفسه. فان مارس نشاطا فأنه يسعى لتمويله من ابناء القذافي (عزمي) او من منظمات اميركية واوروبية تمارس الحرب الناعمة باسم النشر والعمل الاهلي والنشاط الاجتماعي (ياسين الحاج صالح) ثم حين تبدأ الامة في نهش ثدييها وفي تقطيع اوصال نفسها، ينحاز المفكر لا الى الناس بل الى ما يجعل حركتهم في خدمة قطر واميركا وداعش(عزمي وياسين الحاج صالح). لا يشغل بال عزمي بشارة هم قيام ثورة تحرير مدنية في فلسطين المحتلة ولا يعمل من اجلها ولا ينظر لها ولا يجهز ولا ينسق ولا ينظم ولا يدعو ولا يأمل ولا يعمل من اجل تحرير ارادة فلسطينيي الداخل من الاحتلال، فلا ثورة مطلوبة في الناصرة وحيفا ويافا والجليل والنقب، ولا عصيان مدني مطلوب حتى قيام دولة ديمقراطية حقيقية يعود اليها كل فلسطيني ويعيش فيها كل اهل البلاد بما يحقق انسانية الانسان لا عنصرية الصهاينة حصرا. هناك في فلسطين لا حاجة لاي جهد يبذله بشارة لقيام ثورة شعبية، فقط في سورية يجب ان تقوم ثورة، وفي السعودية لا يجب ان تقوم ثورة وثورة البحرين مذهبية فقط في سورية وفي مصر يجب ان تقوم ثورة لعيون تميم وابيه من قبل. انه مثقف الدولار والريال لا مفكر عن امة. في فلسطين آلام ينساها عزمي حيث يتمتع انصاره مثلا برعاية خاصة على عكس كل الفلسطينيين الاخرين من قبل الديمقراطية الاسرائيلية الاحتلالية التي يحترم انصار عزمي شروطها. من جهته لا يسعى ياسين الحاج صالح لوقف شلال الدم ويذهب الى مفاوضة عدوه (النظام) ممثلا لمصالح سوريين ثوريين بل يرفض ذلك ويتباهى من مخبأه في منزل ديبلوماسي اميركي في ابو رمانة داخل اسوار السفارة، يتباهى وهو المثقف بمئة الف سوري حملوا السلاح لتخريب بلادهم. فمزاعم حماية التظاهرات ثبت انها كانت حجة لانهاء الثورة في سلمية مفترضة وحولتها الى مسرح لحرب عالمية ارهابية ضد سورية بكل بنيها وبناتها. كان على المفكر ان يهزم الحاكم الذي يناضل ضده اينما بسلاح لا يدمر البلاد ولا يسلمها للموت القادم من افكار بن تيمية من خطط شمعون بيريز وكوندليسا رايس وروبرت فورد. كان عليه ان يعرف بان افضل سلاح لانتصار ثورية شعبية هو ان لا تستخدم الثورة السلاح.   بسلاح الهتاف والعصيان المدني وبوردة تقدم لجندي يطلق النار ينتصر شعب لديه قضية يقاتل من اجلها(لكن ياسين يعرف ان القضية طائفية يستغلها الاميركي لا اكثر لذا لجأ الى السلاح لا الى الفكر) كان على ياسين ان يدعوا الناس الى مبادلة الرصاص بالورد لا ان يبادله المواطنون برصاص (والواقع انه كان رصاص ثوري كثيف مقابل كل رصاصة او اثنين من شرطة واجهزة كانت خائفة ومرتعبة من شراسة السلميين ومن قناصين يطلقون النار عليهم وعلى ابناء السلطة، في البداية على الاقل. النموذج النخبوي للرجلين يدفع عامة الشعب الى اللحاق بهم وبأمثالهم الى حيث الفوائد فصارت الثورة ثورة ذباحين وعفيشة (نموذج لا يوجد منه فقط عند الموالين بل عند الطرفين) ولم يأخذهم الى مراتب الانتاج العلمي والحضاري والفكري الاقتصادي والاجتماعي المتطور، ثم الى عصرنة المجتمع الباني لدولة القانون لا الداعم لقيادة فردية تنتهي بموتها او بنهاية حكمها. الرجلين (عزمي بشارة وياسين الحاج صالح) صناعة بعثية بالمناسبة، فقد اشتهر ياسين الحاج صالح لانه كان سجينا للبعثيين، واشتهر عزمي لان سورية فتحت له ابوابها واعلامها الحليف في لبنان. ياسين الحاج صالح هو صناعة الاعتقاد البعثي بوجوب تناول المعارضين على الغداء قبل ان يتناول المعارضون سلطة البعث بعون الخارج (سوفياتي او اميركي) على العشاء. فقد كان الرجل عضوا في تنظيم يؤمن بان قتل وسحل وذبح وتقطيع اركان سلطة البعث واجب ثوري، فكان اولئك القساة القلب والمتمسكين بالسلطة بالنواجذ( الاركان البعثيين) رحماء على معارضيهم اليساريين ومنهم المؤمن بالكفاح المسلح والعنف الثوري ياسين الحاج صالح الذي دخل السجن لان مخطط تنظيمه للانقلاب على البعثيين والحلول مكانهم بكل ما في البعث من قسوة وديكتاتورية وفردية وتفرد فشل ...اي ان ياسين وصحبه في تنظيمه الثورجي اليساري لم يكونوا يعدون للناس ديمقراطية ولا حرية راي ولا صحافة حرة ولا باي شيء مماثل بل كانوا يرون كما البعث ان الانقلاب على السلطة واجب ولو بالقوة للوصول الى سلطة تمارس ديكتاتورية النخبة (اليسارية هنا) لتنفيذ سياسة تراها تلك النخبة مناسبة. اليس هذا ما فعله البعث ؟؟ لا بل ان البعث كان في السلطة ولم يفعل رجاله بهم ما كان المناضل العنفي ياسين ينوي ان يفعل بهم لو نجحت حركة تنظيمه الانقلابية. اما عزمي فقد انتهى نموذجه الى حيث صار مثالا لكل حالم بالثروة والمال لا عبر الهجرة الى افريقيا واميركا والمكسيك وكندا واستراليا ولا عبر الحلم برقم لوتو ولا بورقة يانصيب ولا بوراثة ولا بصناعة ولا بتجارة بل عبر امتلاك قدرة مخاطبة الرأي العام واكتساب شهرة ومتابعين ثم العمل خادما في بلاط امير عربي رجعي ورث الحكم و الرعية والبلاد وما عليها وسيورثه لابنه من بعده كما فعل معاوية تماما.

المصدر : خضر عواركة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة