دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
«يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح»
الحديث صحيح رواه ابن أبي شيـبه وأحمد في المسند والبخاري في خلق أفعال العباد وابن حيان في الصحيح والبيـهقي وأبو نعيم في الدلائل. وصححـه الشيخ أحمد شاكر وحسّنه الشيخ الارناؤوط وصححه أيضاً الشيخ الألباني في كتابه صحيح السيرة النبوية. ويتابع الموقع: «الحديث ليس على عمومه كما يزعم السفهاء بل ان المقصود بالخطاب صناديد قريش وأئمة الكفر كأبي جهل وسبعة أنفار من قريش كانوا معه يستهزئون بالنبي (ص)».
انتهى الاقتباس.
إذا لم تخترع «داعش» والنصرة هذا الحديث الذي اشتهرت به، فهو موجود في أهم مراجع الحديث «الصحيح» عند أهل السنة والجماعة وإن اختلفوا في تعميمه او تخصيصه.
هذه المقدمة حول هذا الحديث ضرورية في محاولة الجواب عن السؤال عن سر هذا الاستقطاب الداعشي والقاعدي للشباب المسلم المتدين من عدد من أقطار العالم.
بالتأكيد انه نتيجة مجموعة عناصر، وليس عنصراً واحداً، لا مجال لذكرها هنا.
لا يعقل أن يأتي الآلاف من الشباب من كل الجنسيات ومن أوضاع اجتماعية مختلفة ومتباينة بينهم، غنى وفقراً، علماً وثقافة، اختصاصاً في أرقى جامعات العالم، من دول ديموقراطية وأخرى استبدادية ومن بيئات اجتماعية مختلفة من دون جامع مشترك. القاسم المشترك لدى كل هؤلاء بالطبع ليس الظروف السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية، انما هو حصراً في العقيدة القوية الراسخة التي تدفعهم للإقبال على الموت بكل حماسة واندفاع.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه العقيدة صناعة «داعشية» جديدة أو «قاعدية» جديدة، أم أنها التزام عملي صارم بتعاليم السلفية الوهابية بنصوصها وأفكارها وفتاوى مرجعياتها الكبرى، من ابن القيم إلى ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب؟
ان كل ما فعلته «القاعدة» ومن ثم «تنظيم الدولة الإسلامية» و«النصرة» وغيرها من الحركات الجهادية السلفية في أقطار العالم، أنها اعتبرت النظام السعودي قد خان الأمانة، وهو مضى بعيداً في التبعية للغرب الصليبي الذي يهيمن على بلاد المسلمين وفي نشر الفساد والليبرالية والعلمانية. وان الخلل المركزي في ما آلت إليه أوضاع المسلمين في العالم يكمن أساساً في تعطيل فريضة الجهاد التي ما كان للإسلام أن ينهض وينتشر إلا بها، وأن لا شيء يغني عن هذه الفريضة وكل ما عداها من فلسفات تُنَظِّر للدعوة ونشر العقيدة وبناء المؤسسات وفقاً لفكر «الاخوان المسلمين» او «السلفية» الدعوية كل ذلك هروب من مواجهة الحقيقة وتعلق بالدنيا وضعف في الرؤيا ولن تؤدي إلى نتيجة.
الحقيقة ان الفكر القاعدي يشكل إحراجاً شديداً وقويا لاتباع السلفية الدعوية كما «للاخوان المسلمين» يجعلهم قاصرين عن مواجهته بالفكر والبينة، بالارتكاز إلى البنية التحتية العقيدية الواحدة التي ينطلقون منها. وهذا ما يفسر غضب الملك عبد الله بن عبد العزيز الصريح على كبار العلماء في المملكة واتهامهم بالكسل والتقصير في مواجهة الفكر القاعدي وتأثيره في الشباب السعودي، وهو ما يفسر أيضاً مـحاولة إحكام السيطرة على أئمة المساجد ومراقبة خطبهم لأن الكثيرين منهم يتفـلتون ويقعون في المحظور الذي يحرض في خدمة أهداف القاعدة، فالتنظيمات القاعدية لا تفعل الا ما تقره وتدعو له الوهابية. على سبيل المثال، تدمير الأضرحة، لأنها شرك وفقا للعقيدة السلفية المعمول بها في المملكة السعودية. ثم هل في المملكة أي اثر من آثار الصالحين والأولياء والصحابة والنبي؟ هل يمكن ان يسمح في المملكة على سبيل المثال ببناء كنيسة لأعداد المسيحيين الوافدين إليها؟ أليس قطع الرؤوس بالسيف أمام جمهور من الناس هو الوسيلة المعتمدة لتنفيذ أحكام الإعدام؟ وكذلك الرجم والجلد؟!
ان هذه الحركات «القاعدية» تحديداً «داعش» و«النصرة» انما هي رد فعل على ظلم الشيعة للسنة، وهذا خـطأ فادح يقع فيه الجميع حيث ان الأدبيات الفكرية الأساسية لهذه الفرق القاعدية لا تلحظ أساساً.
ان الهدف الأساس لهذه الجماعات هو الأمة الإسلامية «السنية» والدول الإسلامية «السنية» التي منها سينطلقون لإعادة مجد الخلافة الاسلامية الغابر، وهم يعتبرون ان العائق الأساسي أمامهم ليس الشيعة او سائر الأقليات أو حتى إسرائيل، فهذه الكيانات لا قيمة لها، والحرب معها يمكن أن تؤجل إلى ما بعد استكمال السيطرة وتحرير الدول السنية من حكامها المرتدين وجنودهم الذين هم بحكم المرتدين أيضاً، لأنهم هم من يعطل إقامة حكم الله وتحكيم شرع الله في الأرض.
يعتمد الفكر القاعدي والداعشي على عناصر جذب مهمة تمكن الإشارة إلى عدد منها:
1 ـ نشر التوحيد الخـالص لله والقضاء على كل مظاهر الكفر والشرك وفقاً لمعتقداتهم.
2 ـ وحدة الأمة وعدم الاعتراف بالحدود الوطنية التي صنـعها الاستعمار الصليبي، وان الهويات الوطنية لا قيـمة لها وان الاسـلام أزال كل هذه الفروقـات وجمع العربي والأعجمي والحبشي والرومي في أمة واحدة.
3 ـ إحياء مجد الخلافة الإسلامية التي لها في وجدان المسلمين مكانة رفيعة أقرب للتقديس بما فيها الخلافة العثمانية والتي لم يمضِ على انهيارها قرن واحد، والتي يعتبر الاسلاميون بكل فئاتهم، ان انهيارها كان سبباً في انهيار الأمة.
4 ـ تطبيق الشريعة بحرفيتها وكما يفهمونها على طريقة استحضار السلف الصالح من زمن الصحابة الأوائل والتابعين من دون حرج أو وجل او اعتبار.
ان المرجعيات السلفية والاخوانية مرتبكة في مواجهة هؤلاء خصوصاً بعد انهيار تجربة «الاخوان المسلمين».
أما السعودية، فتشعر بخطر «القاعدة»، التي تتشبه بمؤسس الوهابية، لذلك أعلنت الحرب المباشرة على «داعش» وهذا ما يفسر انخراطها الصريح في التحالف الدولي ضد الإرهاب.
المصدر :
السفير / محمد شري
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة