دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أمران يلفتان النظر في المسألة السورية، أولهما هو تراجع ما يسمى معارضة أو ثورة سورية حتى عن مطالبها المشروعة والتي كان النظام يحاول تحقيقها بصورة أو بأخرى ولو من دون الإعلان عن ذلك.
والثاني هو تراجع التحالف الدولي عن مطالبه بإسقاط النظام وتركيزه على مكافحة الإرهاب الذي صنّعوه وصدّروه إلى سورية وباقي أنحاء العالم ودعوة سورية للمشاركة معهم في فيلم (وسترن).
بالتأكيد معالم الهزيمة واضحة بكل أشكالها رغم استمرار القتال والدمار على الأراضي السورية. فمن جهة انزوى من سموا أنفسهم أبطال الثورة في (غربتهم) مكتفين بما جنوا من مال وشهرة على حساب الوطن وأهله.
ومن جهة ثانية غيرت الرؤوس المدبرة اتجاهات تفكيرها وإستراتيجيتها تحت ضربات النواة الصلبة في سورية. ويمكن لأي عاقل وباحث أن يفند نقاط ومؤشرات وتمظهرات الهزيمة، ولنا عودة إليها.
ورغم هذا لا يمكن الركون إلى هذه الهزيمة كنهاية للحرب على سورية وفيها فثمة ما يؤشر إلى أن سورية قد دخلت مناخ الحرب القادمة أو الحرب البديلة وفق المعطيات الدولية والإقليمية الجديدة بدءا من محاولة زج سورية في تحالفهم ومحاولة تسللهم إلى خندق الدفاع السوري على قاعدة أن سورية بحاجة إليهم وأنهم يقاتلون العدو نفسه.
إن هذا المخطط والطرح سيشكلان حصان طروادة التاريخي والحضاري ومن شأنهم أن يعيدا تثبيت النظام الدولي والإقليمي الذي أوجد داعش في الوقت الذي تؤكد التجربة السورية سقوط هذا النظام وعدم جدواه في تقدم وتطوير سورية بل إرغامها على أن تكون حليفاً لأعداء هويتها وتاريخها ومصالحها الاقتصادية والسياسية.
كما أن الحرب الجديدة تحت شعار الهدنة الإنسانية والمناطق الآمنة المطروح حالياً في أروقة الغرب وحلف شمال الأطلسي تسير باتجاه تعويم الدور التركي واقتلاعه أراضي سورية جديدة وهو أمر مرفوض سورياً تاريخياً وجغرافياً وجيوبوليتيكيا.
والحرب القادمة تقتضي إطالة زمن الحرب في العراق وسورية ولبنان معاً أي عدم حسم موضوع داعش حتى لا تضطر إسرائيل إلى التدخل مباشرة في حربها على سورية وتبقي على حربها بالوكالة من جهة وحتى يبقى شبح الحروب الصغيرة بعيداً نسبيا عن منابع النفط الخليجي الممول الرئيسي لمخططات الأطلسي وإسرائيل.
والواضح من التجربة السورية أو ما يمكن تسميته بالمغامرة الصهيونية الكبرى أنها أثبتت وغربلت المجتمع السوري بين أغلبية متشبثة بأرضها وتراثها كخيار وحيد ونهائي وبين جماعة غير منصهرة تنتظر وتطلب نصرة الآخرين وتعيش على مساعدتهم وهم بالنسبة لها وطن وقضية. وبالتالي فإن الحرب القادمة ستكون لتقويض النواة الصلبة لسورية.
لذا يبدو واضحاً أنه في مواجهة الحرب القادمة، إضافة إلى الأعمال العسكرية والأمنية المفروضة على السوريين، فإن التحضير لحرب إستراتيجية كبرى محتملة مع الكيان الصهيوني يبدو أمراً لا مناص منه.
لكن الأهم، والذي لا مفر منه، هو تحصين النواة الصلبة السورية وحسم كل الانقسامات السياسية داخل مؤسسات المجتمع السوري وتهميش كل الخلافات الظرفية على امتداد الوطن السوري من مخلفات الاستعمار الفكري والمادي الذي عانت منه سورية.
وإذا كانت (الحرب الماضية) تخاض بوسائل وأدوات السلطة في سورية فإن الحرب القادمة تستلزم أدوات المجتمع وآلياته بكل فئاته وتنوعاته العابرة لحدود سايكس - بيكو فإذا كان الغرب وحلفاؤه العرب يريدون إعادة صياغة سايكس - بيكو وفق مقضيات خطوط النفط والغاز فإن مستقبل سورية مرهون بإلغاء هذه الاتفاقية ومفاعيلها وفق مقتضيات مصلحة سورية.
المصدر :
الماسة السورية/ عيسى الأيوبي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة