دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
شهدت العلاقات العراقية التركية سلسلة متناوبة من التغيرات السلبية والإيجابية ما جعلها غير مستقرة وغامضة المعالم، وبلغت الخلافات أوجّها بين البلدين على خلفية الأزمة السورية وإنحياز تركيا للمعارضة السورية، ورفْضها للموقف الإيراني والروسي، ما أسهم في المزيد من التوتر في العلاقات العراقية – التركية، خاصة مع توتر العلاقات الإيرانية التركية في الآونة الأخيرة، وإتهام نائب وزير الخارجية التركية إيران بدعم خلايا شيعية لإحداث إضطرابات داخلية في الدول المجاورة، ومنها تركيا بالتنسيق مع حزب العمال الكردستاني.
إن المتتبع للعلاقات بين بغداد وأنقرة يدرك تماماً أن هناك تحولاً واضحاً يتم وأن هناك مساع واضحة يبذلها الطرفان هذه الأيام من أجل تحسين العلاقات بينهما إنطلقت مع زيادة خطورة داعش وسيطرته على مواقع جديدة، التي وجدت فيها الحكومة العراقية خطراً كبيراً على حالة الأمن والإستقرار المنهارة أصلا في البلاد، فهناك تطورات كثيرة تدفع تركيا الآن إلى مراجعة سياستها الخارجية وبالذات مع جوارها الإقليمي، وهي مراجعة ستكون لها إنعكاسات حتمية على دول المنطقة، فبعد فشل الدفع باتجاه الحل العسكري في سورية، ومواصلة تنظيم داعش تحركاته حتى في ظل غارات التحالف الدولي على مواقعه، يبدو الطريق سالكاً نوعاً ما نحو حل جديد لا تزال ملامحه محل بحث، على الأقل هذا ما يأمله المعنيون بالأزمة السورية في طهران وأنقرة والعراق، وفي زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى أنقرة بدا البلدان متفقين على ضرورة محاربة الإرهاب وإجتثاثه، أما الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي إلى إيران، يعيد إلى الأذهان مشروع أردوغان الذي تداعى مع تفجر الأزمة السورية بربط تركيا مع إيران والعراق وسورية بروابط من الشراكات الإستراتيجية، كانت سورية وكان الرئيس بشار الأسد هو الرابط المشترك في هذه الشراكات وكان أيضاً السبب في تداعيها .
وفي سياق متصل تسعى العراق اليوم إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات وطي صفحة الخلافات التي شابت علاقاتها مع معظم دول المنطقة، إذ أعلنت الحكومة العراقية بأنها ستمارس سياسة دبلوماسية خارجية، ميزتها الإنفتاح على الجميع، خاصة مع الدول الإقليمية المجاورة، وفي الأيّام القليلة الماضية إستقبل رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو نظيره العراقي حيدر العبادي في أنقره، وأكد إستعداد بلاده لدعم بغداد بتسليح الجيش العراقي وبتدريبه، وفي وقت سابق بحث رئيس الوزراء العراقي ونظيره الكويتي سبل تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب، بالتزامن مع تأكيد حل الملفّات العالقة بين الطرفين، وفي الأردن أكد الملك عبدالله للعبادي أهمية توطيد العلاقات بين البلدين ومكافحة الإرهاب من خلال ضبط الحدود بين الجانبين، أما العلاقات العراقية-السعودية فقد زار الرئيس العراقي فؤاد معصوم المملكة العربيّة السعودية، وبدأ الحديث عن قرب إعادة إفتتاح السفارة السعودية في بغداد، فالسؤال الي يفرض نفسه هنا: هل إستبدل العراق علاقاته الوطيدة مع النظامين الإيراني والسوري، بالتوجه الى علاقات جديدة مع باقي دول الجوار،مثل الأردن وتركيا والكويت والسعودية؟
لا يزال الملف السورى أحد أهم القضايا التى تشغل السياسة الخارجية لتركيا، فظهور تنظيم داعش في العراق وسورية أحرج النظام التركي، فلم تنضم تركيا إلى التحالف العسكرى بقيادة أمريكا ضد التنظيم، وتضع تركيا شروطاً للإنضمام إلى التحالف العسكري وترى أن إسقاط النظام في دمشق يجب أن يبقى من الأولويات، كما تدعو تركيا إقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي لكسر شوكة سورية، كما يشكل تسليح الأكراد هاجساً لأنقرة التي تريد تجنب تعزيز موقف الأكراد ووصول الأسلحة المقدمة من دول التحالف الدولي لهم، إضافة إلى ذلك تبدي أنقرة قلقها إزاء احتمال أن تنتهي الأسلحة الغريبة التي يتم تسليمها الآن للمقاتلين الأكراد بأيدي حزب العمال الكردستاني وأن يتم إنشاء إقليم كردي في تركيا على نمط كردستان العراق، وتريد القيام بكل شيء ممكن لتتفادي أن تتحول الحرب ضد تنظيم داعش لصالح الأكراد، وبالمقابل يريد العراق من تركيا وقف إستفادة المقاتلين الإسلاميين المتشددين على أراضيه من أي دعم لوجستي خلفي من الداخل التركي، وأن يقدم الجيش التركي الدعم والمؤازرة لنظيره العراقي، في مجالات التدريب والتسليح والتنسيق الإستخباري لمواجهة الإرهاب "الداعشي" الذي يهدد مصالح الجميع، في المقابل، تريد أنقرة من بغداد عدم السماح بأي تحرك عسكري لمنظّمة "حزب العمّال الكردستاني" إنطلاقاً من الأراضي العراقية نحو الحدود التركيّة، كما تريد تسهيل عمليات التبادل التجاري مع العراق والذي تقدر قيمته بأكثر من 15 مليار دولار أميركي سنوياً، وترغب تركيا أيضاً بأن تسهل بغداد عمليات تصدير النفط من إقليم كردستان عبر الأراضي التركيّة.
في إطار ذلك تحاول الحكومة في بغداد الخروج من الوضع السيء الذي إنتهت إليه بعد سيطرة مسلحي تنظيم داعش على جزء كبير من أراضيها، عبر إعادة المياه إلى مجاريها مع دول الجوار التي تريد من جهتها المحافظة على مصالحها، وعلى الرغم من أن العراق يحاول التقرب من كل من تركيا والسعودية والأردن والكويت، من دون خسارة علاقاته المميّزة مع كل من إيران وسورية، لكن هذا الأمر غير ممكن، حيث أنّ أي تقارب مع طهران ودمشق سيؤدي تلقائياً إلى تباعد مع باقي دول الجوار، والعكس صحيح أيضاً، وإذا كانت دعوة أردوغان للعبادي يمكن أن تفتح مجدداً فرصاً لتغيير أو لتعديل بعض معادلات التحالف والصراع الإقليمي، خاصة حول الأزمة السورية، فإن ذلك لن يحصل إلا عبر دمشق.
ان ما يجرى اليوم ليس إلا جزء من مخططات وسيناريوهات بعيدة المدى معقدة ومختلطة فيها الأوراق، لكن يبدو إنه قد تم الإخفاق في كثير منها وتم فشل بعضها وهذا ما جعل أمريكا وحلفاؤها تشعر بالخطر فلا هي قادرة على إنهاء الوضع في سورية والعراق ولا هي بقادرة ان تتخلى عن بعضاً من مواقفها خاصة فيما يسمى بالحرب على الارهاب، وخلاصة القول إن إنتصار سورية وخروجها سالمة من الأزمة وإستيعابها لدروس هذه التجربة الصعبة سيليه تغيير كبير في المعادلات والخرائط العربية والإقليمية وحتى الدولية بما من شأنه تحقيق إنطلاقة نوعية لدمشق وتفوق ساحق لها، بمعنى أخر إن سورية إعتمدت في مواجهة المؤامرة سبيلاً وطنياً واضح المبادئ والأهداف، يجسد إرادة السوريين وطموحاتهم الوطنية وتراكم عبر السنوات التي راوحت أربع سنوات نجاحات حققها الصمود السوري وتضحيات قواته المسلحة، وإذا كانت المصالحات الوطنية عاملاً بارزاً للنجاح فإن النصر على الإرهاب وإحباط مخططات داعميه باتت قريبة من المنال.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة