من ينظر إلى صور الأطفال الذين تُسحق عظامهم في سورية واليمن وليبيا دون أن يرف جفن لما يسمى "الضمير العالمي"، ومن يموّل الحروب القذرة، أو يشنها؛ من ذاك الخليجي المتعطّر بالنفط،

 

 وذاك التركي المتغطرس، يدرك أن الهدف هو تشظّي المنطقة وتحولها إلى إمارات ومشيخات متناحرة ومتخاصمة، يكون سيد صلحها الوحيد الكيان الصهيوني، ولهذا بدأت مكونات الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، العمل والضغط مع ما يسمى "المحافظون الجدد"، من أجل تجديد وظيفة الكيان العنصري، بدعم كامل من الغرب الأوروبي الاستعماري، الذي بات بدوره يخشى على هذا الكيان وانهياره، وعودة قطعان الصهاينة إليه، في هجرة معاكسة من حيث جاءت، تجعل من أوروبا رهينة لديهم على نحو ما كان عليه الحال في أزمنة غابرة، حيث تمكّنت أسر يهودية صهيونية، كحال عائلة روتشيلد التي أسهمت في إفلاس إمبراطوريات، كبريطانيا وقبلها فرنسا وغيرهما، وهذه العائلة من دهائها، دعم فرعها الفرنسي نابليون بونابرت في حروبه ضد النمسا وإنكلترا وغيرهما من الدول، بينما دعم فرعها البريطاني الحروب ضد نابليون.

 

من هنا قد نفهم سر الحشد الأميركي مع بداية الحرب الكونية على سورية نحو 90 دولة في هذه المهمة القذرة، التي أوضحت وثائق "وكيلكس" التي نُشرت مؤخراً جانياً هاماً منها، وأوكلت مهمة تمويلها إلى المشيخات الخليجية، وفي مقدمها السعودية، لأن النتيجة العملية التي كان وما زال يريدها المشروع الخطير، هو تفتيت وتدمير سورية، تمهيداً لتشظّي المنطقة كلها، حيث تُبيّن الوقائع والممارسات، أن الهدف الآخر بعد سورية، هي مصر، التي تعيش الآن مواجهات واسعة مع الإرهاب، وتشير المعلومات إلى دور خطير للسعودية في تمويل العمليات الإرهابية، وإن كانت تبدو علناً أنها مع الدولة المصرية، لكن هدفها الحقيقي هو أن تُلحق الفوضى بمصر المؤهلة دائماً وكما كانت عبر التاريخ للعب دور قيادي بارز في مواجهة التحديات، وبالتالي فإن المؤامرة على مصر لن تتوقف ولن تتنهي.

 

لكن الصمود السوري الأسطوري بدولته الوطنية وجيشها أحبط إلى حد كبير المشروع، وجعل العين الروسية تنفتح على وسعها على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، بحيث قال فلاديمير بوتين، مع الأشهر الأولى للأحداث السورية: "إن قواعد النظام العالمي الجديد تخرج من سورية".

 

الأعراب بالطبع لم يفهموا معنى ذلك الكلام، فذهبوا إلى موسكو تارة يقدمون الأغراء والترهيب، على نحو ما فعل بندر بن سلطان، وطوراً بالإغراءات المالية المذهلة التي وصلت مع محمد بن سلمان إلى عرضه - كما قيل - نحو مئتي مليار دولار، ظناً أن روسيا تمر بأزمة وبحاجة إلى هذه المليارات، فتلقى من القيصر الروسي الرد المناسب، وإن كان قد تهاون معه بمسألة التدخل العسكري الأرعن في اليمن، دون أن ننسى الإغراءات القطرية التي قُدّمت زمن الحمدين المعزولين، اللذين اعتقدا أن القيادة الروسية يسيل لعابها أمام الإغراءات؛ على نحو ما سال لعاب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والحالي فرنسوا هولاند.

 

حلف أعداء دمشق على مدى خمس سنوات إلا قليلاً، لم يترك وسيلة لإسقاط دمشق وحلب، وبالتالي تفتيت سورية، وموّل بالمال والسلاح الفتاك كل شذاذ الآفاق في الدنيا واستجلبهم إلى بلاد الأمويين، وخلقوا أحد أكثر التنظيمات الإرهابية فاشية ودموية ورعباً، وربطوا التطورات السورية بالعراقية عبر "داعش"، التي كان يوفَّر لها عبر تركيا كل أساليب وأسباب الدعم اللوجستي، وتسويق النفط المنهوب.

 

ثمة وقائع ميدانية تشير إلى أن نحو مئة ألف أجنبي يقاتلون في سورية، بينهم أكثر من ألفي روسي، و15 ألف قوقازي.. ومع الصمود السوري، كثيرون من الإرهابيين باشروا رحلة العودة إلى حيث انطلقوا، وهناك معلومات تشير إلى أن حركة النزوح الواسعة الآن نحو أوروبا، تضم في صفوفها الكثير من الإرهابيين.

 

ثمة حقيقة هنا، وهي أن الصمود السوري جعل الأوروبي يملّ ويخاف أيضاً من رحلة اللجوء الواسعة، وأوقع الأميركي في ارتباك كبير، خصوصاً أنه مع كل يوم يمرّ ويسجَّل فيه صمود للجيش السوري، أو نصر نوعي جديد، يشهد تفككاً للقوى المعادية مما يسمى "المعارضات".

 

ثمة حقيقة، وهي أن الأمور على المسرح السوري باتت واضحة تماماً؛ فالقاذفات الروسية الاستراتيجية في قلب البحر الأبيض المتوسط، وروسيا تستطلع جيداً جوياً، وتعزز قاعدتها ومقاتلاتها في اللاذقية.. نتنياهو أول من شعر بالخطر المقبل، فسارع إلى موسكو، ووعد بتخفيف طلعاته فوق لبنان وسورية.. تفهّم بوتين مخاوف "الدولة العبرية"، لكن لم يطمئنه.

 

ماذا سيفعل السعودي إذن، سيجد نفسه يبحث عمن يساعده للخلاص من وحول اليمن، الذي يرتكب فيه مجازره البشعة التي تغطي على جرائم العدو الصهيوني.. صك عهد يقدمه في جرائم متلاحقة للتغطية على ما يجري في القدس..

 

في الخلاصة، ثمة جبهة موحّدة تتمتن بين موسكو ودمشق وطهران وبغداد والمقاومة، وهي مرشحة للتوسع نحو عواصم أخرى.. انتظروا.

  • فريق ماسة
  • 2015-09-25
  • 6028
  • من الأرشيف

نبوءة بوتين تتحقق على ابواب دمشق

 من ينظر إلى صور الأطفال الذين تُسحق عظامهم في سورية واليمن وليبيا دون أن يرف جفن لما يسمى "الضمير العالمي"، ومن يموّل الحروب القذرة، أو يشنها؛ من ذاك الخليجي المتعطّر بالنفط،    وذاك التركي المتغطرس، يدرك أن الهدف هو تشظّي المنطقة وتحولها إلى إمارات ومشيخات متناحرة ومتخاصمة، يكون سيد صلحها الوحيد الكيان الصهيوني، ولهذا بدأت مكونات الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، العمل والضغط مع ما يسمى "المحافظون الجدد"، من أجل تجديد وظيفة الكيان العنصري، بدعم كامل من الغرب الأوروبي الاستعماري، الذي بات بدوره يخشى على هذا الكيان وانهياره، وعودة قطعان الصهاينة إليه، في هجرة معاكسة من حيث جاءت، تجعل من أوروبا رهينة لديهم على نحو ما كان عليه الحال في أزمنة غابرة، حيث تمكّنت أسر يهودية صهيونية، كحال عائلة روتشيلد التي أسهمت في إفلاس إمبراطوريات، كبريطانيا وقبلها فرنسا وغيرهما، وهذه العائلة من دهائها، دعم فرعها الفرنسي نابليون بونابرت في حروبه ضد النمسا وإنكلترا وغيرهما من الدول، بينما دعم فرعها البريطاني الحروب ضد نابليون.   من هنا قد نفهم سر الحشد الأميركي مع بداية الحرب الكونية على سورية نحو 90 دولة في هذه المهمة القذرة، التي أوضحت وثائق "وكيلكس" التي نُشرت مؤخراً جانياً هاماً منها، وأوكلت مهمة تمويلها إلى المشيخات الخليجية، وفي مقدمها السعودية، لأن النتيجة العملية التي كان وما زال يريدها المشروع الخطير، هو تفتيت وتدمير سورية، تمهيداً لتشظّي المنطقة كلها، حيث تُبيّن الوقائع والممارسات، أن الهدف الآخر بعد سورية، هي مصر، التي تعيش الآن مواجهات واسعة مع الإرهاب، وتشير المعلومات إلى دور خطير للسعودية في تمويل العمليات الإرهابية، وإن كانت تبدو علناً أنها مع الدولة المصرية، لكن هدفها الحقيقي هو أن تُلحق الفوضى بمصر المؤهلة دائماً وكما كانت عبر التاريخ للعب دور قيادي بارز في مواجهة التحديات، وبالتالي فإن المؤامرة على مصر لن تتوقف ولن تتنهي.   لكن الصمود السوري الأسطوري بدولته الوطنية وجيشها أحبط إلى حد كبير المشروع، وجعل العين الروسية تنفتح على وسعها على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، بحيث قال فلاديمير بوتين، مع الأشهر الأولى للأحداث السورية: "إن قواعد النظام العالمي الجديد تخرج من سورية".   الأعراب بالطبع لم يفهموا معنى ذلك الكلام، فذهبوا إلى موسكو تارة يقدمون الأغراء والترهيب، على نحو ما فعل بندر بن سلطان، وطوراً بالإغراءات المالية المذهلة التي وصلت مع محمد بن سلمان إلى عرضه - كما قيل - نحو مئتي مليار دولار، ظناً أن روسيا تمر بأزمة وبحاجة إلى هذه المليارات، فتلقى من القيصر الروسي الرد المناسب، وإن كان قد تهاون معه بمسألة التدخل العسكري الأرعن في اليمن، دون أن ننسى الإغراءات القطرية التي قُدّمت زمن الحمدين المعزولين، اللذين اعتقدا أن القيادة الروسية يسيل لعابها أمام الإغراءات؛ على نحو ما سال لعاب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والحالي فرنسوا هولاند.   حلف أعداء دمشق على مدى خمس سنوات إلا قليلاً، لم يترك وسيلة لإسقاط دمشق وحلب، وبالتالي تفتيت سورية، وموّل بالمال والسلاح الفتاك كل شذاذ الآفاق في الدنيا واستجلبهم إلى بلاد الأمويين، وخلقوا أحد أكثر التنظيمات الإرهابية فاشية ودموية ورعباً، وربطوا التطورات السورية بالعراقية عبر "داعش"، التي كان يوفَّر لها عبر تركيا كل أساليب وأسباب الدعم اللوجستي، وتسويق النفط المنهوب.   ثمة وقائع ميدانية تشير إلى أن نحو مئة ألف أجنبي يقاتلون في سورية، بينهم أكثر من ألفي روسي، و15 ألف قوقازي.. ومع الصمود السوري، كثيرون من الإرهابيين باشروا رحلة العودة إلى حيث انطلقوا، وهناك معلومات تشير إلى أن حركة النزوح الواسعة الآن نحو أوروبا، تضم في صفوفها الكثير من الإرهابيين.   ثمة حقيقة هنا، وهي أن الصمود السوري جعل الأوروبي يملّ ويخاف أيضاً من رحلة اللجوء الواسعة، وأوقع الأميركي في ارتباك كبير، خصوصاً أنه مع كل يوم يمرّ ويسجَّل فيه صمود للجيش السوري، أو نصر نوعي جديد، يشهد تفككاً للقوى المعادية مما يسمى "المعارضات".   ثمة حقيقة، وهي أن الأمور على المسرح السوري باتت واضحة تماماً؛ فالقاذفات الروسية الاستراتيجية في قلب البحر الأبيض المتوسط، وروسيا تستطلع جيداً جوياً، وتعزز قاعدتها ومقاتلاتها في اللاذقية.. نتنياهو أول من شعر بالخطر المقبل، فسارع إلى موسكو، ووعد بتخفيف طلعاته فوق لبنان وسورية.. تفهّم بوتين مخاوف "الدولة العبرية"، لكن لم يطمئنه.   ماذا سيفعل السعودي إذن، سيجد نفسه يبحث عمن يساعده للخلاص من وحول اليمن، الذي يرتكب فيه مجازره البشعة التي تغطي على جرائم العدو الصهيوني.. صك عهد يقدمه في جرائم متلاحقة للتغطية على ما يجري في القدس..   في الخلاصة، ثمة جبهة موحّدة تتمتن بين موسكو ودمشق وطهران وبغداد والمقاومة، وهي مرشحة للتوسع نحو عواصم أخرى.. انتظروا.

المصدر : الثبات / أحمد زين الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة