تشكل الأرض والسماء جبهة واحدة في أي حرب، وهي معادلة تسري أيضاً على مجمل الجبهات السورية، لكنها تتخذ شكلاً أكثر وضوحاً في الشمال السوري تحديداً.

 

 فالطائرات الحربية تأخذ حصتها من السماء وتترك لوحدات المشاة والمدرعات والمدفعية حصتها من الأرض.

 

السباق على إعادة السيطرة على المطارات لا يقل أهمية عن دخول القرى والبلدات، فبين ريف حماه الشمالي إلى الحدود التركية، ومن الساحل السوري إلى نهر الفرات، أربعة مطارات لها تأثيرها على خطوط النار المتبدلة.

ومع انطلاق الطائرات الحربية الروسية من مدرج مطار حميميم في محافظة اللاذقية، بدأت المعارك تأخذ منحى آخر، من تأمين غطاء جوي للتقدم البري وحماية المنافذ البحرية في اللاذقية وطرطوس.

وعلى المدرج تنوعت الطائرات العسكرية المستخدمة، ومنها «سوخوي 35» و «سوخوي 25»، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي، من «بانتسير إس 1»، و «إس 400».

ومع توجيه أول ضربة جوية، في 30 أيلول الماضي، لمواقع تنظيم «داعش»، انطلقت الحملة العسكرية في مختلف المناطق، في أرياف المنطقة الوسطى والشمالية، فكان التقدم في ريف محافظة اللاذقية، الذي يشكل امتداداً جغرافياً نحو مطار حميميم العسكري، وتمت استعادة مساحات واسعة من البلدات في منطقة تضاريسها جبلية قاسية، ليتم الاقتراب منها إلى أبواب الريف الحلبي والإدلبي.

وشكلت هذه القاعدة العسكرية الجوية محطة أنظار الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة لأهميتها في العمليات العسكرية وتأثيرها على الميدان السوري، حيث قام خبراء معهد «فيشر» للدراسات الفضائية الاستراتيجية برصد ودراسة صور التقطها قمر اصطناعي إسرائيلي لقاعدة حميميم.

كما شكل مطار كويرس العسكري محطة أساسية باتجاه السيطرة على مناطق واسعة في الريف الحلبي. فبعد حصار دام ثلاث سنوات من قبل المجموعات المسلحة، استطاع الجيش السوري وحلفاؤه، بدعم من الطائرات الروسية، فك الحصار عنه، ليعود المطار من جديد إلى الخدمة بشكل أكبر، حيث أصبح رديفاً لمطار حميميم العسكري في تغطيته المعارك في ريف حلب.

وتأتي أهمية موقع مطار كويرس من أنه يقع بين ريف حلب الشرقي ومحافظة الرقة، أي أن تأثيره سيكون ضمن اتجاهين أساسيين، معارك ريف حلب والمساهمة في التمهيد الجوي وصولاً إلى الرقة، وخاصة مطار الطبقة العسكري. ومع السيطرة على مطار كويرس بدأ الجيش السوري يتمدد في محيط الريف الشرقي، فعمل على تأمين محيط المطار منعاً من وقوع اختراق من قبل المجموعات المسلحة القريبة منه، وخاصة تنظيم «داعش». وبدأت القرى والبلدات تعود للسيطرة السورية، لتبقى مدينة الباب الوجهة الأساسية في الريف الشرقي، حيث إنها تعتبر من أهم معاقل «داعش» في تلك المنطقة، إضافة إلى منبج وجرابلس على الحدود مع تركيا.

وفي ريف حلب الشمالي، سيطرت «قوات سوريا الديموقراطية»، بغطاء جوي روسي، على مطار منغ العسكري. وتأتي أهمية المنطقة كونها تشكل قاعدة لمنع قيام منطقة عازلة في الشمال السوري تدعو تركيا لإقامتها قرب مدينة جرابلس، بالإضافة إلى استمرار العمل على إغلاق المعابر الحدودية التي تشكل منفذاً لتغذية المجموعات المسلحة، وخاصة مع اقتراب السيطرة على طريق حلب - إعزاز الدولي، وهو ما سيزيد من قدرة الجيش السوري على تطويق مدينة حلب التي تختلف طبيعتها الجغرافية والسكنية عن غيرها من مناطق الريف، حيث قد يعمد الجيش السوري وحلفاؤه إلى فرض سيطرة على المناطق السكنية في الأحياء الشرقية للمدينة لمنع حرب استنزاف بين الأحياء، فيما يشكل الريف مساحات واسعة يسهل التحرك فيها.

واستهدفت القوات التركية مطار منغ العسكري، وذلك لتخوفها من عودته إلى الخدمة، وأن يكون قاعدة جديدة قريبة من المعابر الحدودية، مثل باب الهوى وباب السلامة، وفي عمق مناطق وجود المجموعات المسلحة.

مطار الطبقة العسكري هو وجهة الجيش السوري باتجاه محافظة الرقة، وهو ما يضع الوحدات العسكرية في مواجهة مباشرة مع المعقل الرئيسي لتنظيم «داعش» في سوريا. ويسعى الجيش السوري بسيطرته على طريق أثريا - زكية - خناصر الى تأمين تقدمه من مختلف الجهات منعاً من أي اختراق باتجاه الرقة. وكان المطار آخر نقطة عسكرية خاضعة للدولة السورية قبل أن يسيطر عليها «داعش».

السيطرة الجوية في شمال سوريا لها أبعاد عدة، فهي تسعى لتأمين غطاء جوي للجيش السوري لاستعادة مدينة حلب التي تعتبر نقطة التحول الأساسية في الحرب السورية، وهو ما دفع الحكومتين التركية والسعودية إلى إعلان استعدادهما لإرسال قوات عسكرية للدخول في هذه الحرب بحجة محاربة «داعش».

ويثير تقدم «قوات سوريا الديموقراطية» نحو الحدود التركية قلق أنقرة، كونه يمثل ورقة سياسية قوية لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري. هذه المواجهة مع الحكومة التركية، هي مواجهة مع أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي، خاصة أن هذا الحلف تألف في الحرب الباردة كقوة ردع ضد الاتحاد السوفياتي سابقاً، لتشكل هذه الجبهة الشمالية تأثيراً، ليس فقط على الميدان العسكري في سوريا، بل على العلاقات الدولية.

  • فريق ماسة
  • 2016-02-21
  • 15895
  • من الأرشيف

مطارات الجبهة الشمالية السورية: التكامل بين الأرض والسماء

تشكل الأرض والسماء جبهة واحدة في أي حرب، وهي معادلة تسري أيضاً على مجمل الجبهات السورية، لكنها تتخذ شكلاً أكثر وضوحاً في الشمال السوري تحديداً.    فالطائرات الحربية تأخذ حصتها من السماء وتترك لوحدات المشاة والمدرعات والمدفعية حصتها من الأرض.   السباق على إعادة السيطرة على المطارات لا يقل أهمية عن دخول القرى والبلدات، فبين ريف حماه الشمالي إلى الحدود التركية، ومن الساحل السوري إلى نهر الفرات، أربعة مطارات لها تأثيرها على خطوط النار المتبدلة. ومع انطلاق الطائرات الحربية الروسية من مدرج مطار حميميم في محافظة اللاذقية، بدأت المعارك تأخذ منحى آخر، من تأمين غطاء جوي للتقدم البري وحماية المنافذ البحرية في اللاذقية وطرطوس. وعلى المدرج تنوعت الطائرات العسكرية المستخدمة، ومنها «سوخوي 35» و «سوخوي 25»، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي، من «بانتسير إس 1»، و «إس 400». ومع توجيه أول ضربة جوية، في 30 أيلول الماضي، لمواقع تنظيم «داعش»، انطلقت الحملة العسكرية في مختلف المناطق، في أرياف المنطقة الوسطى والشمالية، فكان التقدم في ريف محافظة اللاذقية، الذي يشكل امتداداً جغرافياً نحو مطار حميميم العسكري، وتمت استعادة مساحات واسعة من البلدات في منطقة تضاريسها جبلية قاسية، ليتم الاقتراب منها إلى أبواب الريف الحلبي والإدلبي. وشكلت هذه القاعدة العسكرية الجوية محطة أنظار الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة لأهميتها في العمليات العسكرية وتأثيرها على الميدان السوري، حيث قام خبراء معهد «فيشر» للدراسات الفضائية الاستراتيجية برصد ودراسة صور التقطها قمر اصطناعي إسرائيلي لقاعدة حميميم. كما شكل مطار كويرس العسكري محطة أساسية باتجاه السيطرة على مناطق واسعة في الريف الحلبي. فبعد حصار دام ثلاث سنوات من قبل المجموعات المسلحة، استطاع الجيش السوري وحلفاؤه، بدعم من الطائرات الروسية، فك الحصار عنه، ليعود المطار من جديد إلى الخدمة بشكل أكبر، حيث أصبح رديفاً لمطار حميميم العسكري في تغطيته المعارك في ريف حلب. وتأتي أهمية موقع مطار كويرس من أنه يقع بين ريف حلب الشرقي ومحافظة الرقة، أي أن تأثيره سيكون ضمن اتجاهين أساسيين، معارك ريف حلب والمساهمة في التمهيد الجوي وصولاً إلى الرقة، وخاصة مطار الطبقة العسكري. ومع السيطرة على مطار كويرس بدأ الجيش السوري يتمدد في محيط الريف الشرقي، فعمل على تأمين محيط المطار منعاً من وقوع اختراق من قبل المجموعات المسلحة القريبة منه، وخاصة تنظيم «داعش». وبدأت القرى والبلدات تعود للسيطرة السورية، لتبقى مدينة الباب الوجهة الأساسية في الريف الشرقي، حيث إنها تعتبر من أهم معاقل «داعش» في تلك المنطقة، إضافة إلى منبج وجرابلس على الحدود مع تركيا. وفي ريف حلب الشمالي، سيطرت «قوات سوريا الديموقراطية»، بغطاء جوي روسي، على مطار منغ العسكري. وتأتي أهمية المنطقة كونها تشكل قاعدة لمنع قيام منطقة عازلة في الشمال السوري تدعو تركيا لإقامتها قرب مدينة جرابلس، بالإضافة إلى استمرار العمل على إغلاق المعابر الحدودية التي تشكل منفذاً لتغذية المجموعات المسلحة، وخاصة مع اقتراب السيطرة على طريق حلب - إعزاز الدولي، وهو ما سيزيد من قدرة الجيش السوري على تطويق مدينة حلب التي تختلف طبيعتها الجغرافية والسكنية عن غيرها من مناطق الريف، حيث قد يعمد الجيش السوري وحلفاؤه إلى فرض سيطرة على المناطق السكنية في الأحياء الشرقية للمدينة لمنع حرب استنزاف بين الأحياء، فيما يشكل الريف مساحات واسعة يسهل التحرك فيها. واستهدفت القوات التركية مطار منغ العسكري، وذلك لتخوفها من عودته إلى الخدمة، وأن يكون قاعدة جديدة قريبة من المعابر الحدودية، مثل باب الهوى وباب السلامة، وفي عمق مناطق وجود المجموعات المسلحة. مطار الطبقة العسكري هو وجهة الجيش السوري باتجاه محافظة الرقة، وهو ما يضع الوحدات العسكرية في مواجهة مباشرة مع المعقل الرئيسي لتنظيم «داعش» في سوريا. ويسعى الجيش السوري بسيطرته على طريق أثريا - زكية - خناصر الى تأمين تقدمه من مختلف الجهات منعاً من أي اختراق باتجاه الرقة. وكان المطار آخر نقطة عسكرية خاضعة للدولة السورية قبل أن يسيطر عليها «داعش». السيطرة الجوية في شمال سوريا لها أبعاد عدة، فهي تسعى لتأمين غطاء جوي للجيش السوري لاستعادة مدينة حلب التي تعتبر نقطة التحول الأساسية في الحرب السورية، وهو ما دفع الحكومتين التركية والسعودية إلى إعلان استعدادهما لإرسال قوات عسكرية للدخول في هذه الحرب بحجة محاربة «داعش». ويثير تقدم «قوات سوريا الديموقراطية» نحو الحدود التركية قلق أنقرة، كونه يمثل ورقة سياسية قوية لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري. هذه المواجهة مع الحكومة التركية، هي مواجهة مع أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي، خاصة أن هذا الحلف تألف في الحرب الباردة كقوة ردع ضد الاتحاد السوفياتي سابقاً، لتشكل هذه الجبهة الشمالية تأثيراً، ليس فقط على الميدان العسكري في سوريا، بل على العلاقات الدولية.

المصدر : وسام عبد الله / السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة