على خلفية هذا المشهد المهيب لخروج عشرات اللآلاف من المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ من مناطق سيطرة الإرهابيين في الغوطة الشرقية،

هناك أسئلة تتكرر من قبل كثيرين من المتابعين للأحداث: لماذا لا تتسارع الأمم المتحدة "الأم الحنونة للإنسانية" ومن ورائها الدول الغربية "المتحضرة" إلى اغتنام الفرصة والإسراع في نجدة هؤلاء المدنيين بعد خروجهم بهذه الأعداد الكبيرة وخاصة أنها (أي الأمم المتحدة والغرب عموماً) لم تتوقف طوال الأسابيع السابقة لخروج المدنيين عن ذرف الدموع وتجييش الرأي العام العالمي ضد الدولة السورية طارحة مقولات مضللة من قبيل أن المدنيين يقتلون من قبل الجيش السوري ... وأنهم يخافون الخروج بسبب بطش أجهزة "النظام" وأن حياتهم ستكون في خطر مستطير في حال خروجهم من دون ضمانات دولية ... وأن الدولة السورية تمنع وصول قوافل المساعدات الإنسانية الدولية إليهم إمعاناً في حصارهم والتنكيل بهم ... ؟؟؟ لماذا غاب مشهد تدفق الشلال البشري نحو مناطق سيطرة الجيش العربي السوري عن الفضاء الإعلامي الغربي؟؟؟ لماذا بلع الساسة الغربيون ألسنتهم ولم تعد أوضاع هؤلاء المدنيين تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد؟؟؟

ليس هناك من أدنى شك أن الغرب لا مصلحة له في مساعدة هؤلاء ولا حتى في الإضاءة على أزمتهم الإنسانية وهم قد لجؤوا إلى حضن دولتهم.

إن هذا الغرب المنافق يخشى أنه إن سمح للأمم المتحدة وهيئاتها بتقدوم المساعدات اللازمة إلى هؤلاء المدنيين اليوم بالذات وفي هذه الظروف فإن هذا يعني:

1. الإعتراف بأن الدولة السورية هي من احتضن هؤلاء بعد إنقاذهم من براثن اإرهاب.

2. الإعتراف أن من يسمونهم بالمعارضة المعتدلة ما هم إلا عصابيات إرهابية إجرامية كانت تمنع أبسط سبل العيش عن هؤلاء المدنيين وتتخذهم دروعاً بشرية في حربهم ضد الدولة السورية.

3. الإعتراف بشهادات المدنيين الموثقة حول ما عانوه من ظلم وإجرام الإرهابيين.

4. الإعتراف بسقوط نهائي لأسطورة "المعارضة المسلحة المعتدلة" بعد فضحها بالدليل.

5. الإعتراف بسيادة الدولة السورية وبحقها الحصري في الدفاع عن مواطنيها.

6. سحب البساط من تحت كل الفبركات والتمثيليات الرامية إلى اتهام الجيش السوري باستخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه بعد أن خرج هؤلاء المدنيون ليفضحوا بأنفسهم حقيقة ما كان يجري داخل الغوطة الشرقية من تزوير وتلفيق للحقائق.

7. صعوبة العودة بعد ذلك إلى نغمة تهديد الدولة السورية عسكرياً والإعتراف بمسار الحل السياسي الذي لا بديل له مع الأخذ بعين الإعتبار القرار 2401 الذي شدد على مواصلة الحرب على الإرهاب بموازاة الحل السياسي.

هذا يعني اعترافاً مبكراً بالهزيمة. لكن لا الولايات المتحدة ولا أداتها الطيعة الأمم المتحدة ولا الغرب عموماً (وهو في الغالب جوقة ببغائية لأميركا) ليسو جميعاً بوارد التخلي عن مخططهم الرامي في الأساس إلى إسقاط الدولة السورية وصولاً إلى تفتيت المنطقة بأي وسيلة كانت.

هذا ما يشرح صمت الغرب وتجاهله لما يحدث في الغوطة الشرقية. إنه الصمت بعد الصدمة التي تحتاج أميركا بعدها لبعض الوقت لإلتقاط الأنفاس. لقد احترقت لأميركا أوراق وخسرت أوراق أخرى بريقها السابق وانتهت صلاحية كل أدواتها بشكل كلي أو شبه كلي وباتت اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما:

1. أن تزج بنفسها في حرب مباشرة مع الدولة السورية لإسقاطها.

2. أن تعترف بهزيمة مشروعها وتشرع في التفاوض على حلول قد تخرجها من ورطتها أو تقلل من خسائرها قدر الإمكان.

وإذا راجعنا التصريحات الأميركية المتلاحقة في الأيام الأخيرة وخاصة بعض التقارير التي تتحدث عن نية أميركية لضرب قواعد عسكرية ومواقع حكومية تابعة للدولة السورية، أضف إلى ذلك الإقالات والتعيينات الأخيرة في هيكل الإدارة الأميركية والتي تشير إلى غلبة غير مسبوقة لليمين المتصهين فيها، فإننا قد نميل إلى احتمال الخيار الأول. لكن التحذير المزلزل الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه السنوي الموجه إلى البرلمان الروسي مؤخراً، قد سقط على الرؤوس الحامية في الإدارة الأميركية كالماء المثلج ليفيقها من غيبوبة الغطرسة ويعيدها إلى جادة العقل ولو بعد حين. ومن المستبعد أن يغامر الأميركان بعد كل هذا الوضوح في الموقف الروسي المدافع عن سورية في ارتكاب حماقة ستفضي بكل الأحوال إلى خسارة استراتيجية لهم بحكم موازين القوى التي هي بكل تأكيد لصالح التواجد العسكري الروسي.

أما الإحتمال الثاني فإنه ونظراً للبرغماتية الأميركية، أكثر واقعية وخاصة أن السياسة الروسية الهادئة رغم كل الإستفزازات، لا تنفك تمد يد التفاوض والتفاهم لأميركا كخيار تؤمن بحتميته في الظروف الدولية الراهنة.

ومع هذا يبقى خلافاً لهذين الخيارين لا يزال أمام الأميركيين خيار ثالث (احتياطي) أسميه سيناريو المراوحة في المكان، وذلك بترك الأمور تسير كما تسير والتركيز على ما تخطط له من خلق منطقة منفصلة عن الدولة السورية في مناطق سيطرتها شرق الفرات مع الإستمرار بالتلويح بالتهديدات العسكرية في وجه الدولة السورية في حالة تتأرجح بين الحرب والسلم.

قد ينجح الأميركان لبعض الوقت في تثبيت أمر واقع مناسب لها شرق الفرات، لكن هذا الواقع في الحقيقة مبني في كثير من مقوماته على الوهم. هذا الوهم سيضطر الأميركان أن يستيقظوا (أو أن يُوقظوا منه) بعد انتهاء الدولة السورية مدعومة بحلفائها من دحر الإرهاب في بؤره المتبقية في البلاد، وعندها ستجد الولايات المتحدة نفسها دولة محتلة حسب كل المعايير والأعراف الدولية، فلا إرهاب تتحجج به ولا غالبية شعبية تعتمد عليها، فالجزء الذي يتعاون معها من الأكراد السوريين هم ليسو كل الأكراد والأهم من ذلك أن الأكراد أنفسهم لا يشكلو غالبية في مناطق شرق الفرات. ولن يكون بوسع المحتلين الأميركان إلا الخروج الذي قد تساعد روسيا في تخريجه (إن أبدى الأميركان حسن نية) بشكل لائق.

  • فريق ماسة
  • 2018-03-17
  • 12057
  • من الأرشيف

أين "أم الإنسانية"؟؟؟ هل ابتلع الغرب لسانه؟

على خلفية هذا المشهد المهيب لخروج عشرات اللآلاف من المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ من مناطق سيطرة الإرهابيين في الغوطة الشرقية، هناك أسئلة تتكرر من قبل كثيرين من المتابعين للأحداث: لماذا لا تتسارع الأمم المتحدة "الأم الحنونة للإنسانية" ومن ورائها الدول الغربية "المتحضرة" إلى اغتنام الفرصة والإسراع في نجدة هؤلاء المدنيين بعد خروجهم بهذه الأعداد الكبيرة وخاصة أنها (أي الأمم المتحدة والغرب عموماً) لم تتوقف طوال الأسابيع السابقة لخروج المدنيين عن ذرف الدموع وتجييش الرأي العام العالمي ضد الدولة السورية طارحة مقولات مضللة من قبيل أن المدنيين يقتلون من قبل الجيش السوري ... وأنهم يخافون الخروج بسبب بطش أجهزة "النظام" وأن حياتهم ستكون في خطر مستطير في حال خروجهم من دون ضمانات دولية ... وأن الدولة السورية تمنع وصول قوافل المساعدات الإنسانية الدولية إليهم إمعاناً في حصارهم والتنكيل بهم ... ؟؟؟ لماذا غاب مشهد تدفق الشلال البشري نحو مناطق سيطرة الجيش العربي السوري عن الفضاء الإعلامي الغربي؟؟؟ لماذا بلع الساسة الغربيون ألسنتهم ولم تعد أوضاع هؤلاء المدنيين تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد؟؟؟ ليس هناك من أدنى شك أن الغرب لا مصلحة له في مساعدة هؤلاء ولا حتى في الإضاءة على أزمتهم الإنسانية وهم قد لجؤوا إلى حضن دولتهم. إن هذا الغرب المنافق يخشى أنه إن سمح للأمم المتحدة وهيئاتها بتقدوم المساعدات اللازمة إلى هؤلاء المدنيين اليوم بالذات وفي هذه الظروف فإن هذا يعني: 1. الإعتراف بأن الدولة السورية هي من احتضن هؤلاء بعد إنقاذهم من براثن اإرهاب. 2. الإعتراف أن من يسمونهم بالمعارضة المعتدلة ما هم إلا عصابيات إرهابية إجرامية كانت تمنع أبسط سبل العيش عن هؤلاء المدنيين وتتخذهم دروعاً بشرية في حربهم ضد الدولة السورية. 3. الإعتراف بشهادات المدنيين الموثقة حول ما عانوه من ظلم وإجرام الإرهابيين. 4. الإعتراف بسقوط نهائي لأسطورة "المعارضة المسلحة المعتدلة" بعد فضحها بالدليل. 5. الإعتراف بسيادة الدولة السورية وبحقها الحصري في الدفاع عن مواطنيها. 6. سحب البساط من تحت كل الفبركات والتمثيليات الرامية إلى اتهام الجيش السوري باستخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه بعد أن خرج هؤلاء المدنيون ليفضحوا بأنفسهم حقيقة ما كان يجري داخل الغوطة الشرقية من تزوير وتلفيق للحقائق. 7. صعوبة العودة بعد ذلك إلى نغمة تهديد الدولة السورية عسكرياً والإعتراف بمسار الحل السياسي الذي لا بديل له مع الأخذ بعين الإعتبار القرار 2401 الذي شدد على مواصلة الحرب على الإرهاب بموازاة الحل السياسي. هذا يعني اعترافاً مبكراً بالهزيمة. لكن لا الولايات المتحدة ولا أداتها الطيعة الأمم المتحدة ولا الغرب عموماً (وهو في الغالب جوقة ببغائية لأميركا) ليسو جميعاً بوارد التخلي عن مخططهم الرامي في الأساس إلى إسقاط الدولة السورية وصولاً إلى تفتيت المنطقة بأي وسيلة كانت. هذا ما يشرح صمت الغرب وتجاهله لما يحدث في الغوطة الشرقية. إنه الصمت بعد الصدمة التي تحتاج أميركا بعدها لبعض الوقت لإلتقاط الأنفاس. لقد احترقت لأميركا أوراق وخسرت أوراق أخرى بريقها السابق وانتهت صلاحية كل أدواتها بشكل كلي أو شبه كلي وباتت اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: 1. أن تزج بنفسها في حرب مباشرة مع الدولة السورية لإسقاطها. 2. أن تعترف بهزيمة مشروعها وتشرع في التفاوض على حلول قد تخرجها من ورطتها أو تقلل من خسائرها قدر الإمكان. وإذا راجعنا التصريحات الأميركية المتلاحقة في الأيام الأخيرة وخاصة بعض التقارير التي تتحدث عن نية أميركية لضرب قواعد عسكرية ومواقع حكومية تابعة للدولة السورية، أضف إلى ذلك الإقالات والتعيينات الأخيرة في هيكل الإدارة الأميركية والتي تشير إلى غلبة غير مسبوقة لليمين المتصهين فيها، فإننا قد نميل إلى احتمال الخيار الأول. لكن التحذير المزلزل الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه السنوي الموجه إلى البرلمان الروسي مؤخراً، قد سقط على الرؤوس الحامية في الإدارة الأميركية كالماء المثلج ليفيقها من غيبوبة الغطرسة ويعيدها إلى جادة العقل ولو بعد حين. ومن المستبعد أن يغامر الأميركان بعد كل هذا الوضوح في الموقف الروسي المدافع عن سورية في ارتكاب حماقة ستفضي بكل الأحوال إلى خسارة استراتيجية لهم بحكم موازين القوى التي هي بكل تأكيد لصالح التواجد العسكري الروسي. أما الإحتمال الثاني فإنه ونظراً للبرغماتية الأميركية، أكثر واقعية وخاصة أن السياسة الروسية الهادئة رغم كل الإستفزازات، لا تنفك تمد يد التفاوض والتفاهم لأميركا كخيار تؤمن بحتميته في الظروف الدولية الراهنة. ومع هذا يبقى خلافاً لهذين الخيارين لا يزال أمام الأميركيين خيار ثالث (احتياطي) أسميه سيناريو المراوحة في المكان، وذلك بترك الأمور تسير كما تسير والتركيز على ما تخطط له من خلق منطقة منفصلة عن الدولة السورية في مناطق سيطرتها شرق الفرات مع الإستمرار بالتلويح بالتهديدات العسكرية في وجه الدولة السورية في حالة تتأرجح بين الحرب والسلم. قد ينجح الأميركان لبعض الوقت في تثبيت أمر واقع مناسب لها شرق الفرات، لكن هذا الواقع في الحقيقة مبني في كثير من مقوماته على الوهم. هذا الوهم سيضطر الأميركان أن يستيقظوا (أو أن يُوقظوا منه) بعد انتهاء الدولة السورية مدعومة بحلفائها من دحر الإرهاب في بؤره المتبقية في البلاد، وعندها ستجد الولايات المتحدة نفسها دولة محتلة حسب كل المعايير والأعراف الدولية، فلا إرهاب تتحجج به ولا غالبية شعبية تعتمد عليها، فالجزء الذي يتعاون معها من الأكراد السوريين هم ليسو كل الأكراد والأهم من ذلك أن الأكراد أنفسهم لا يشكلو غالبية في مناطق شرق الفرات. ولن يكون بوسع المحتلين الأميركان إلا الخروج الذي قد تساعد روسيا في تخريجه (إن أبدى الأميركان حسن نية) بشكل لائق.

المصدر : نزيه عودة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة