لا تزال الأفكار والممارسات الكلاسيكية لعمل قطاع التأمين هي السائدة في سوق التأمين السورية رغم مضي أكثر من 12 عام على تحرير هذه السوق، وبدء عمل شركات التأمين الخاصة.

 

نكاد لا نرى أفكاراً جديدة مهمة في هذا القطاع، بحيث تؤدي إلى نقلة نوعية في قطاع مؤهل ليكون رائداً في الاقتصاد الوطني، وقاطرة للتنمية الشاملة، وهو أمر ليس من الصعوبة تحقيقه، ولا يحتاج سنوات طوال لذلك، خاصة ونحن أمام مرحلة إعادة الإعمار التي ترافقها أعمال مستجدة ومهمات تقتضي التأمين قد لا تكون متوافرة في بقية الدول بشكل رئيس.

 

توجد خطوات عديدة يمكن تنفيذها على المدى القصير، بحيث تظهر تأثيراتها في المدى المتوسط، هذه الخطوات كفيلة بتحقيق تحوّلٍ إيجابيٍّ في واقع ودور قطاع التأمين في الاقتصاد، وكذلك إحداث تأثيرات ملموسة في الاقتصاد والمجتمع، ولأننا لن ندخل في تفاصيل وخيارات فنية تخصصية تسهم في ذلك، فإننا نورد فقط بعض الخطوات العامة والاستراتيجية التي نرى البدء بها، ونعتقد أنها تُسهم نسبياً في تحقيق الهدف المنشود، ومن هذه الخطوات:

 

1. زيادة الحدّ الأدنى لرأس مال شركة التأمين، بما لا يقل عن عشرة أضعاف الحدود الحالية: هذا الأمر هو الأكثر أهمية بين هذه المقترحات، إذ إنه يكفل تحقيق الكثير من الإيجابيات، منها:

• خلق الجِدِّية اللازمة من قبل الشركات لاستثمار أموالها في مجالات تنموية حقيقية بعيداً عن “تخزينها” في المصارف، إذ نعتقد أن كبار أصحاب رؤوس الأموال المستثمرة حالياً في شركات التأمين السورية لا يبدون الاهتمام المعقول بمقدار عوائد استثمار هذه الأموال أو السياسة الاستثمارية للشركة، وخير دليل على ذلك نسب الحضور في اجتماعات الهيئات العامة للشركات، وانخفاض مستوى تمثيل كبار المساهمين في تلك الاجتماعات.

• خلق دافع مهم للاندماج بين الشركات، لتحقيق الحدّ الأدنى المطلوب من رأس المال، وهو ما سوف يكسب سوقنا شركات تأمين قوية، ولن نكرر المزايا الجمّة في ذلك.

• يمنح رأس المال العالي للشركة إمكانية كبيرة لقبول تأمين أخطار بحجم أكبر من الواقع الحالي، وبالتالي تخفيض الحاجة لإعادة التأمين، بما يؤدي تلقائياً إلى انخفاض حجم العملة الصعبة المدفوعة لمعيدي التأمين، كما يؤدي إلى زيادة الأقساط وتحسين شروط التفاوض مع معيدي التأمين.

 

2. وضع محفزات للاندماج بين الشركات، حيث تخلو التشريعات الحالية من المحفزات (الضريبية وسواها) في حال اندماج الشركات، إضافة إلى تركيز العمل لأن تكون شركات التأمين؛ شركات مساهمة عامة حصراً بما يساعدها في تأمين رأس المال الكبير عبر المساهمين.

 

3. تشريع إمكانية الترخيص لشركات تأمين متخصصة بأنواع تأمين محددة (كتأمين الحياة والصحي).

 

4. تعديل الأنظمة الحالية المتضمنة أسس استثمار أموال شركات التأمين، بحيث تُلزَم الشركات بتوزيع قنوات استثمار أموالها، وعدم الاستمرار بتركيز هذه الاستثمارات في المصارف، كودائع.

 

5. تفعيل ودعم عمل مؤسسة ضمان مخاطر القروض، كخطوة مهمة على طريق تأمين الائتمان، وبخاصّة تأمين القروض المصرفية، إذ إنَّ تأمين القروض يسهم بشكل فعّال في تنشيطها، ومن الأفضل تركيز هذا التأمين على القروض الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة والتي تعد حجر الأساس المناسبة للوصول إلى اقتصاد قويّ، مع الإشارة إلى أنَّ عمل هذه المؤسسة ليس بعيداً عن قطاع التأمين وأسس علم وعمل التأمين، إلا أن الملاحظ خلو إدارتها من أي خبير تأميني أو ممثل عن قطاع التأمين.

 

6. بدء العمل بالتأمين الزراعيّ، ونعتقد أن تطبيق التأمين الزراعي بشكل جيد ومدروس كفيل بتحقيق الأمن الغذائي، وكذلك الاستقرار الاجتماعيّ في الأرياف وتنميتها، وغير ذلك الكثير من الفوائد للاقتصاد في قطاعاته الصناعية والتجارية كافةً… وغيرها.

 

7. إعادة هيكلة المؤسسة العامة السورية للتأمين لتكون قائداً للسوق التأمينية ومنظماً لأعماله بما فيه مصلحة كافة الشركات، وتنفيذ الرؤية الحكومية لهذا القطاع، وضرورة أتمته أعمال المؤسسة العامة السورية للتأمين بإنشاء نظام مؤتمت خاص بها يحاكي الأنظمة الموجودة في شركات التأمين العالمية الكبرى، وتطوير التشريعات الخاصة بالمؤسسة بما يؤمن للمؤسسة مرونة أكثر وفاعلية في العمل، والعمل على دعم الملاءة المالية للمؤسسة وتطوير كوادرها.

 

8. تفعيل دور المعهد العربي للتأمين، وإقامة دورات تدريبية على مدار العام لعناصر العمليّة التأمينيّة كافةً، وعدم الاقتصار على الجانب النظريّ؛ بل إقامة دورات وورشات عمل ودورات تطبيقية متتالية ضمن خطة عمل سنوية تشارك فيها جميع الشركات والمهتمين والراغبين بالدخول إلى هذا القطاع.

 

9. تفعيل دور هيئة الإشراف على التأمين لتشكل مظلة الإشراف الوحيدة على كافة مكونات القطاع دون استثناء، ذلك بوساطة تركيب نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة، كما لا بد من دعم الهيئة بالكوادر المتخصصة، وتوسيع دورها لتشمل الرقابة والإشراف على مكونات القطاع التأمينيّ كافةً دون استثناء، بالإضافة إلى توسيع صلاحياتها ليشمل القدرة على التدخل والمعالجة بوساطة نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة وأتمتة أعمال الهيئة والانتقال من الرقابة اللاحقة إلى الرقابة الآنية.

 

10. الإسراع بإقرار قانون جديد للـتأمين يراعي متغيرات المرحلة، ويساعد على توسيع السوق التأمينية.

 

11. الطلب من الجهات التأمينية المشاركة كافة نشر الثقافة التأمينية عبر كافة وسائل الإعلام والمحاضرات والندوات، وتوسيع التفاعل مع الجمهور ضمن خطة سنوية محددة الأهداف والمراحل والوسائل، تشرف هيئة الإشراف على التأمين عليها وتراقب تنفيذها.

 

12. البدء بإقامة تجمعات تأمينية لتقاسم المخاطر كمخاطر التأمين الهندسي والحريق والصحي وغيرها ودعم هذه التجمعات بشكل كبير توفيراً للقطع الأجنبي الذي يتم تحويله للمعيد الخارجيّ.

 

13. التواصل مع الجهات الرسمية التي يتداخل عملها مع عمل شركات التأمين لتنظيم العلاقة معها، ووضع أسس للتعاون (القضاء– وزارة الصحة – الطب الشرعي… إلخ).

 

يشار إلى أن قطاع التأمين في سورية سجل نمواً في موجودات شركات التأمين الخاصة (12 شركة) بنحو 112% طوال المدة من 2010 وحتى 2017، إذ وصلت إلى مستوى يزيد على 58.24 مليار ليرة سورية في نهاية العام 2017، مقارنة بما يزيد عن 27.47 مليار ليرة في نهاية العام 2010، وذلك بناءً على التقارير السنوية للقطاع الذي تصدره هيئة الإشراف على التأمين (التقارير السنوية المتاحة من 2011 وحتى 2017)، في المقابل نمت القيمة الإجمالية لحقوق المساهمين بنسبة 88.2%، طوال تلك المدّة، إذ سجلت مستوى يزيد على 26.74 مليار ليرة سورية في نهاية العام 2017، مقارنة بما يزيد على 14.2 مليار ليرة في نهاية العام 2010،

  • فريق ماسة
  • 2019-03-26
  • 16322
  • من الأرشيف

دراسة رسمية تقدم 12 مقترحاً لتحوّلٍ إيجابي في واقع ودور قطاع التأمين في الاقتصاد السوري

لا تزال الأفكار والممارسات الكلاسيكية لعمل قطاع التأمين هي السائدة في سوق التأمين السورية رغم مضي أكثر من 12 عام على تحرير هذه السوق، وبدء عمل شركات التأمين الخاصة.   نكاد لا نرى أفكاراً جديدة مهمة في هذا القطاع، بحيث تؤدي إلى نقلة نوعية في قطاع مؤهل ليكون رائداً في الاقتصاد الوطني، وقاطرة للتنمية الشاملة، وهو أمر ليس من الصعوبة تحقيقه، ولا يحتاج سنوات طوال لذلك، خاصة ونحن أمام مرحلة إعادة الإعمار التي ترافقها أعمال مستجدة ومهمات تقتضي التأمين قد لا تكون متوافرة في بقية الدول بشكل رئيس.   توجد خطوات عديدة يمكن تنفيذها على المدى القصير، بحيث تظهر تأثيراتها في المدى المتوسط، هذه الخطوات كفيلة بتحقيق تحوّلٍ إيجابيٍّ في واقع ودور قطاع التأمين في الاقتصاد، وكذلك إحداث تأثيرات ملموسة في الاقتصاد والمجتمع، ولأننا لن ندخل في تفاصيل وخيارات فنية تخصصية تسهم في ذلك، فإننا نورد فقط بعض الخطوات العامة والاستراتيجية التي نرى البدء بها، ونعتقد أنها تُسهم نسبياً في تحقيق الهدف المنشود، ومن هذه الخطوات:   1. زيادة الحدّ الأدنى لرأس مال شركة التأمين، بما لا يقل عن عشرة أضعاف الحدود الحالية: هذا الأمر هو الأكثر أهمية بين هذه المقترحات، إذ إنه يكفل تحقيق الكثير من الإيجابيات، منها: • خلق الجِدِّية اللازمة من قبل الشركات لاستثمار أموالها في مجالات تنموية حقيقية بعيداً عن “تخزينها” في المصارف، إذ نعتقد أن كبار أصحاب رؤوس الأموال المستثمرة حالياً في شركات التأمين السورية لا يبدون الاهتمام المعقول بمقدار عوائد استثمار هذه الأموال أو السياسة الاستثمارية للشركة، وخير دليل على ذلك نسب الحضور في اجتماعات الهيئات العامة للشركات، وانخفاض مستوى تمثيل كبار المساهمين في تلك الاجتماعات. • خلق دافع مهم للاندماج بين الشركات، لتحقيق الحدّ الأدنى المطلوب من رأس المال، وهو ما سوف يكسب سوقنا شركات تأمين قوية، ولن نكرر المزايا الجمّة في ذلك. • يمنح رأس المال العالي للشركة إمكانية كبيرة لقبول تأمين أخطار بحجم أكبر من الواقع الحالي، وبالتالي تخفيض الحاجة لإعادة التأمين، بما يؤدي تلقائياً إلى انخفاض حجم العملة الصعبة المدفوعة لمعيدي التأمين، كما يؤدي إلى زيادة الأقساط وتحسين شروط التفاوض مع معيدي التأمين.   2. وضع محفزات للاندماج بين الشركات، حيث تخلو التشريعات الحالية من المحفزات (الضريبية وسواها) في حال اندماج الشركات، إضافة إلى تركيز العمل لأن تكون شركات التأمين؛ شركات مساهمة عامة حصراً بما يساعدها في تأمين رأس المال الكبير عبر المساهمين.   3. تشريع إمكانية الترخيص لشركات تأمين متخصصة بأنواع تأمين محددة (كتأمين الحياة والصحي).   4. تعديل الأنظمة الحالية المتضمنة أسس استثمار أموال شركات التأمين، بحيث تُلزَم الشركات بتوزيع قنوات استثمار أموالها، وعدم الاستمرار بتركيز هذه الاستثمارات في المصارف، كودائع.   5. تفعيل ودعم عمل مؤسسة ضمان مخاطر القروض، كخطوة مهمة على طريق تأمين الائتمان، وبخاصّة تأمين القروض المصرفية، إذ إنَّ تأمين القروض يسهم بشكل فعّال في تنشيطها، ومن الأفضل تركيز هذا التأمين على القروض الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة والتي تعد حجر الأساس المناسبة للوصول إلى اقتصاد قويّ، مع الإشارة إلى أنَّ عمل هذه المؤسسة ليس بعيداً عن قطاع التأمين وأسس علم وعمل التأمين، إلا أن الملاحظ خلو إدارتها من أي خبير تأميني أو ممثل عن قطاع التأمين.   6. بدء العمل بالتأمين الزراعيّ، ونعتقد أن تطبيق التأمين الزراعي بشكل جيد ومدروس كفيل بتحقيق الأمن الغذائي، وكذلك الاستقرار الاجتماعيّ في الأرياف وتنميتها، وغير ذلك الكثير من الفوائد للاقتصاد في قطاعاته الصناعية والتجارية كافةً… وغيرها.   7. إعادة هيكلة المؤسسة العامة السورية للتأمين لتكون قائداً للسوق التأمينية ومنظماً لأعماله بما فيه مصلحة كافة الشركات، وتنفيذ الرؤية الحكومية لهذا القطاع، وضرورة أتمته أعمال المؤسسة العامة السورية للتأمين بإنشاء نظام مؤتمت خاص بها يحاكي الأنظمة الموجودة في شركات التأمين العالمية الكبرى، وتطوير التشريعات الخاصة بالمؤسسة بما يؤمن للمؤسسة مرونة أكثر وفاعلية في العمل، والعمل على دعم الملاءة المالية للمؤسسة وتطوير كوادرها.   8. تفعيل دور المعهد العربي للتأمين، وإقامة دورات تدريبية على مدار العام لعناصر العمليّة التأمينيّة كافةً، وعدم الاقتصار على الجانب النظريّ؛ بل إقامة دورات وورشات عمل ودورات تطبيقية متتالية ضمن خطة عمل سنوية تشارك فيها جميع الشركات والمهتمين والراغبين بالدخول إلى هذا القطاع.   9. تفعيل دور هيئة الإشراف على التأمين لتشكل مظلة الإشراف الوحيدة على كافة مكونات القطاع دون استثناء، ذلك بوساطة تركيب نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة، كما لا بد من دعم الهيئة بالكوادر المتخصصة، وتوسيع دورها لتشمل الرقابة والإشراف على مكونات القطاع التأمينيّ كافةً دون استثناء، بالإضافة إلى توسيع صلاحياتها ليشمل القدرة على التدخل والمعالجة بوساطة نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة وأتمتة أعمال الهيئة والانتقال من الرقابة اللاحقة إلى الرقابة الآنية.   10. الإسراع بإقرار قانون جديد للـتأمين يراعي متغيرات المرحلة، ويساعد على توسيع السوق التأمينية.   11. الطلب من الجهات التأمينية المشاركة كافة نشر الثقافة التأمينية عبر كافة وسائل الإعلام والمحاضرات والندوات، وتوسيع التفاعل مع الجمهور ضمن خطة سنوية محددة الأهداف والمراحل والوسائل، تشرف هيئة الإشراف على التأمين عليها وتراقب تنفيذها.   12. البدء بإقامة تجمعات تأمينية لتقاسم المخاطر كمخاطر التأمين الهندسي والحريق والصحي وغيرها ودعم هذه التجمعات بشكل كبير توفيراً للقطع الأجنبي الذي يتم تحويله للمعيد الخارجيّ.   13. التواصل مع الجهات الرسمية التي يتداخل عملها مع عمل شركات التأمين لتنظيم العلاقة معها، ووضع أسس للتعاون (القضاء– وزارة الصحة – الطب الشرعي… إلخ).   يشار إلى أن قطاع التأمين في سورية سجل نمواً في موجودات شركات التأمين الخاصة (12 شركة) بنحو 112% طوال المدة من 2010 وحتى 2017، إذ وصلت إلى مستوى يزيد على 58.24 مليار ليرة سورية في نهاية العام 2017، مقارنة بما يزيد عن 27.47 مليار ليرة في نهاية العام 2010، وذلك بناءً على التقارير السنوية للقطاع الذي تصدره هيئة الإشراف على التأمين (التقارير السنوية المتاحة من 2011 وحتى 2017)، في المقابل نمت القيمة الإجمالية لحقوق المساهمين بنسبة 88.2%، طوال تلك المدّة، إذ سجلت مستوى يزيد على 26.74 مليار ليرة سورية في نهاية العام 2017، مقارنة بما يزيد على 14.2 مليار ليرة في نهاية العام 2010،

المصدر : مركز دمشق للأبحاث مداد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة