دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعد لقائه بالرئيس المؤقت أحمد الشرع وعدد من المسؤولين السوريين، كتب ستيف لوتس المدير التنفيذي لشؤون الشرق الأوسط لدى غرفة التجارة الأميركية هذه المقالة التي تحدث من خلالها عن الفرصة النادرة التي تقدمها سوريا على صعيد عودة العلاقات السورية-الأميركية لمجاريها، إلى جانب دور الشركات الأميركية في إعادة إعمار سوريا والاستثمار فيها على الصعيدين الاقتصادي والإنساني.
عندما تسير في شوارع دمشق، يتجلى التناقض بكل أركانه، إذ في الوقت الذي ماتزال الآثار التي خلفتها الحرب ماثلة، تجتاح المدينة طاقة أمل كبيرة، فتلهب حماسة أهلها المتوقدة من أجل خلق سوريا جديدة. ولقد اختبرت هذا البلد وهو يشهد هذا المنعطف الحساس خلال زيارتي الأخيرة للعاصمة السورية، ذلك المنعطف الذي يحمل بين طياته وعداً صادقاً بنشر الاستقرار وإحياء البلد بعد موات، وظهور فرص اقتصادية أمام المشاريع الأميركية التي لا بد لها أن تلعب دوراً مهماً في إعادة بناء سوريا وربطها من جديد بالاقتصاد العالمي.
عاش الاقتصاد السوري عقداً والنصف العقد في دمار بسبب الحرب، إذ بحسب تقديرات البنك الدولي، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بنسبة فاقت 50% منذ عام 2010، كما أضحى سوري من بين كل أربعة سوريين يعيش في فقر مدقع، إلا أن عام 2025 حمل معه نقلة نوعية.
إعادة البناء من الأساس
تقوم الحكومة السورية الجديدة التي يترأسها أحمد الشرع بتنفيذ إصلاحات تهدف إلى توحيد السياسة المالية والنقدية، وتحسين الحوكمة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية. ففي أيار الماضي، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتعامل مع سوريا، ما فتح الباب أمام الشركات الأميركية للمساهمة في إعادة بناء البلد. والآن، أصبحت السوق السورية منفتحة على المشاريع التجارية الأميركية للمرة الأولى منذ عقود طويلة.
في أثناء مكوثي في دمشق، التقيت بعدد من المسؤولين السوريين، كان بينهم حاكم المصرف المركزي الدكتور عبد القادر حصرية، ووزير الطاقة والاقتصاد والصناعة ووزير المالية ووزير الاتصالات والتقانة ووزير الصحة.
وقد تحدث كل منهم عن أولويات جسورة وخطط ومشاريع جريئة من شأنها خلق فرص عمل وتنمية الاقتصاد، وإحياء سوريا. وكان من الواضح بأن تلك المشاريع لا تركز على إعادة الإعمار فحسب، بل على رسم تصورات جديدة لمستقبل سوريا ينظر من خلاله للمشاريع التجارية الأميركية على أنها شريك مهم.
على الساحة الأممية
لأول مرة منذ ستين عاماً تقريباً، حضر الرئيس السوري الاجتماع السنوي للجمعية العمومية بنيويورك، وفي خطابه الذي ألقاه صرح بأنه: "منذ اللحظة التي سقط فيها النظام السابق، شرعنا بسياسة استراتيجية واضحة بنيت على ثلاثة ركائز، وهي الدبلوماسية المتوازنة، ونشر الأمن والاستقرار، والتنمية الاقتصادية".
وعلى هامش اجتماع الجمعية العمومية، استضافت غرفة التجارة الأميركية الرئيس الشرع شخصياً، ووزير خارجيته، أسعد الشيباني، حيث حضرا نقاشات الطاولة المستديرة مع كبار رجالات الأعمال الأميركيين، وذلك لبحث سبل تعاون الشركات الأميركية ومشاركتها في المشاريع والاستثمارات، إلى جانب إقامة شراكات جديدة مع سوريا. وكغيره من الوزراء الذين التقيت بهم في دمشق، تحدث الرئيس السوري عن عدد من الأولويات والقطاعات الأساسية، وأوضح بأن باب سوريا بات مفتوحاً على مصراعيه أمام المشاريع والشركات الأميركية.
معالجة قضية قانون قيصر
في أثناء وجوده في نيويورك، طالب الرئيس الشرع بإلغاء قانون قيصر معتبراً ذلك خطوة أساسية لإنعاش الاقتصاد السوري، فقد أقر قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين في عام 2019 بهدف محاسبة نظام الأسد على جرائم الحرب البشعة التي ارتكبها، ولكن عقب الإطاحة ببشار الأسد وظهور حكومة مؤقتة جديدة، صارت الإدارة الأميركية تدرس مسألة الإبقاء على عقوبات قانون قيصر، وإلى أي مدى يتماشى ذلك مع السياسة الأميركية أو مع الوقائع على الأرض.
رفعت بعض العقوبات عن سوريا قبل كل ذلك، فإلى جانب توقيع الرئيس ترمب على الأمر التنفيذي رقم 14312 الذي ألغى العقوبات الشاملة التي فرضتها الإدارة الأميركية على سوريا، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية إعفاء من العقوبات لمدة 180 يوماً في 23 أيار الماضي، وقد علق هذا الإعفاء بعض العقوبات الثانوية التي فرضت على سوريا بموجب قانون قيصر.
وتعمل غرفة التجارة الأميركية على مناقشة مستقبل عقوبات قانون قيصر مع إدارة ترمب وأعضاء الكونغرس، وجميع هؤلاء يدعمون إجراء خطوات تهدف إلى تقديم توضيح أكبر للشركات الأميركية وفتح الفرص أمام المتحمسة منها للمساهمة في عمليات إعادة إعمار سوريا، إذ بوسع الشركات الأميركية لعب دور مهم في استقرار سوريا وتعزيز السلم المستدام في المنطقة، وذلك عبر إعادة تأهيل شبكة الكهرباء، وإعادة بناء المشافي ومع تشغيل البنية التحتية الرقمية من جديد إلى جانب عودة الصناعة للعمل بأقصى طاقة إنتاجية.
صفحة جديدة في العلاقات السورية-الأميركية
إننا في غرفة التجارة الأميركية على يقين بأن المجال التجاري الأميركي سيلعب دوراً محورياً في نهضة سوريا، وفي ظل وجود تحديات، فإن موقع سوريا ووجود قوى عاملة مطلعة فيها، إلى جانب الحاجة الملحة لإعادة الإعمار، كل ذلك يجعل من السوق السورية سوقاً مغرية أمام المستثمرين.
وعلى الرغم من وجود مخاطر، فإن
المردود سيكون مجزياً، على الصعيدين الاقتصادي والإنساني، لذلك لا بد من أن
نتفهم بأن منافسينا في العالم قد بدؤوا بالتحرك، ولهذا أضحت الولايات
المتحدة أمام خيارين: إما أن تكون شريكة نشيطة أو سلبية في هذا المضمار،
وبما أن الشركات الأميركية لديها فرصة ليس فقط لتطور مشاريعها التجارية، بل
أيضاً للمساهمة في إعادة بناء بلد بأكمله وإعادة الإحساس بالكرامة
للملايين من أبنائه وبناته، وفي الوقت الذي نعاين سوريا وهي تخرج من كهوف
الحرب، نراها تقدم فرصة قل نظيرها، تتمثل في تحولها إلى جزء من قصة التعافي
والصمود والتجدد.
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة