لم يكن الانفجار مفاجئا إلا في حجمه. كان حزب الله يتوقع ذلك. أخذ كل الاحتياطات الممكنة لكنه كان يدرك أن منع هكذا تفجيرات هو ضرب من المستحيل. فماذا في الشكل والنتائج:

- أولا، هذا تفجير احترافي بامتياز. وصول السيارة إلى عين المكان، ونوعية المتفجرة المستخدمة ليسا عمل هواة. جرت مراقبة دقيقة للمكان وتم إيصال السيارة على الأرجح بالتعاون مع عملاء في الداخل.

- ثانياً، لا يمكن لهكذا تفجير أن يحصل إلا اذا وقف خلفه جهاز استخباراتي كبير. فهو يشبه تفجيرات إسرائيل في لبنان، ولكنه يشبه أيضاً تفجيرات القاعدة في العراق والنصرة في سورية، أو يشبه تفجيرات نجمت سابقاً عن صراع بين أجهزة استخبارات كبيرة.

- ثالثاً، وقع الانفجار فيما حزب الله يحيي ذكرى انتصاره على إسرائيل عام 2006. وقع أيضاً غداة إعلان الأمين العام لحزب الله عبر قناة الميادين أن المقاومة هي التي فجّرت العبوتين مؤخراً بالدورية الإسرائيلية التي تسللت إلى داخل لبنان من منطقة اللبونة. إسرائيل الصامتة والمربكة منذ فترة بسبب هذه العملية النوعية ازداد إرباكها بعد كلام نصرالله . ثم إن الأمين العام لحزب الله كان استبق كل هذه المعلومات بظهور علني أمام جمهوره قبل فترة، ثم الآن تحدّث الى تلفزة الميادين على نحو مباشر وليس مسجلاً ما أوحى بأن لدى نصرالله الآن القدرة على الظهور دون أن تجروء إسرائيل على استهدافه.

- رابعاً، يأتي هذا التفجير الثاني بعد أقل من 40 يوماً على تفجير الضاحية الأخير. هذه المرة أيضاً هو يستهدف البيئة الحاضنة لحزب الله ربما للقول بأن الحزب الذي يتحدى إسرائيل ويقاتل في سورية ليس قادراً على حماية بيئته، إذا لا بد من طرف آخر ليحميها وهنا تطرح مجددا قضية سلاح حزب الله.

- خامساً، يعقب التفجير حملة دولية وإسرائيلية وعربية على حزب الله. تصاعدت الحملة بعد اشتراك الحزب في المعارك في سورية ما أدى الى مساهمته في إسقاط منطقة القصير وإحداث بعض التحولات الاستراتيجية في المعركة. برزت الحملة من خلال زيارة الرئيس الاميركي باراك أوباما الى إسرائيل ووصفه من هناك 5 مرات حزب الله بـ " الإرهابي ". تبع ذلك قرار الإتحاد الاوروبي الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب. وتخلل الموقفين موقف خليجي ضد الحزب امتدت آثاره على عدد من اللبنانيين المتهمين بالقرب من الحزب في الخليج حيث تم إبعاده من مراكز أعمالهم.

- سادساً، تأتي العملية في أعقاب معلومات عن وصول أسلحة متطورة جدا لحزب الله عبر سورية. هذه الأسلحة كانت إسرائيل قد دمرت جزءا منها ولكن جزءا آخر قد وصل وهو من النوع الذي قد يحول المعادلة الاستراتيجية، الأمر الذي دفع نصرالله الى القول سابقاً أن المقاومة هذه المرة ستدخل الى فلسطين، وأضاف أن عصر الهزائم قد ولّى.

- سابعاً، يأتي التفجير بعد تصريحات علانية لمجوعات مسلحة في سورية تابعة خصوصا للنصرة أو للجيش الحر إو لأطراف من المعارضة المسلحة تهدد الحزب بالانتقام منه في الضاحية وفي بيئته الحاضنة.

- ثامناً، يأتي التفجير بعد فترة قصيرة على الخطاب الأخير للرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي فاجأ الجميع بانتقاده لسلاح الحزب ودوره في سورية.

- تاسعاً، لا بد من الإشارة إلى أن التفجير يأتي في مرحلة إرباك عربي كبير تتمثل بتجدد التفجيرات بعنف أكبر في العراق، ودخول مصر في حمام دم بين مؤيدي ومناهضي الرئيس المعزول محمد مرسي وذلك فيما الجيش يأخذ موقفا امنيا حاسماً ضد الإخوان المسلمين والمدافعين عنهم . هذا الإرباك الممتد من العراق الى مصر فسورية ولبنان، يجري فيما تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تمرير عملية سلام مشبوهة بين إسرائيل والفلسطينيين وسط صمت عربي أكثر شبهة.

- عاشراً، وخصوصا أن التفجير يعقب إعلان الرئيس السوري بشار الأسد أن المعركة ستستمر ضد من يصفهم بالإرهابيين، ويعقب أيضاً استعدادات كبيرة بين الطرفين المتحاربين في سورية للمضي قدما في تحقيق أكبر قدر من الإنجازات. تخلل ذلك محاولة من رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان إغراء الروس بصفقة للتخلي عن الرئيس بشار الأسد، وكان نتيجة ذلك خيبة أمل سعودية من التعنت الروسي.

خلاصة القول إن تفجير الضاحية يأتي في أوج صراع محورين في المنطقة، يشعر كل طرف بأن هزيمته مستحيلة. المحور الأول يضم أميركا وإسرائيل وبعض الدول العربية، والثاني يضم روسيا والصين وإيران وسورية وحزب الله. وفيما تبدو مؤشرات العلاقة الروسية الأميركية متوترة ، وزادها توترا قضية الجاسوس الأميركي سنودن الذي منح اللجوء السياسي في روسيا، فإن هذه الاضطرابات الأمنية الخطيرة من العراق الى لبنان عبر سورية، تبدو جزءا أساسا في صراع المحاور. وليس بالتالي مهمّا معرفة من الذي فجّر. الأهم هو أن المستفيد معروف.
  • فريق ماسة
  • 2013-08-15
  • 10128
  • من الأرشيف

في أوج صراع محورين بالمنطقة ..ماهي اسباب تفجير الضاحة الجنوبية لبيروت

لم يكن الانفجار مفاجئا إلا في حجمه. كان حزب الله يتوقع ذلك. أخذ كل الاحتياطات الممكنة لكنه كان يدرك أن منع هكذا تفجيرات هو ضرب من المستحيل. فماذا في الشكل والنتائج: - أولا، هذا تفجير احترافي بامتياز. وصول السيارة إلى عين المكان، ونوعية المتفجرة المستخدمة ليسا عمل هواة. جرت مراقبة دقيقة للمكان وتم إيصال السيارة على الأرجح بالتعاون مع عملاء في الداخل. - ثانياً، لا يمكن لهكذا تفجير أن يحصل إلا اذا وقف خلفه جهاز استخباراتي كبير. فهو يشبه تفجيرات إسرائيل في لبنان، ولكنه يشبه أيضاً تفجيرات القاعدة في العراق والنصرة في سورية، أو يشبه تفجيرات نجمت سابقاً عن صراع بين أجهزة استخبارات كبيرة. - ثالثاً، وقع الانفجار فيما حزب الله يحيي ذكرى انتصاره على إسرائيل عام 2006. وقع أيضاً غداة إعلان الأمين العام لحزب الله عبر قناة الميادين أن المقاومة هي التي فجّرت العبوتين مؤخراً بالدورية الإسرائيلية التي تسللت إلى داخل لبنان من منطقة اللبونة. إسرائيل الصامتة والمربكة منذ فترة بسبب هذه العملية النوعية ازداد إرباكها بعد كلام نصرالله . ثم إن الأمين العام لحزب الله كان استبق كل هذه المعلومات بظهور علني أمام جمهوره قبل فترة، ثم الآن تحدّث الى تلفزة الميادين على نحو مباشر وليس مسجلاً ما أوحى بأن لدى نصرالله الآن القدرة على الظهور دون أن تجروء إسرائيل على استهدافه. - رابعاً، يأتي هذا التفجير الثاني بعد أقل من 40 يوماً على تفجير الضاحية الأخير. هذه المرة أيضاً هو يستهدف البيئة الحاضنة لحزب الله ربما للقول بأن الحزب الذي يتحدى إسرائيل ويقاتل في سورية ليس قادراً على حماية بيئته، إذا لا بد من طرف آخر ليحميها وهنا تطرح مجددا قضية سلاح حزب الله. - خامساً، يعقب التفجير حملة دولية وإسرائيلية وعربية على حزب الله. تصاعدت الحملة بعد اشتراك الحزب في المعارك في سورية ما أدى الى مساهمته في إسقاط منطقة القصير وإحداث بعض التحولات الاستراتيجية في المعركة. برزت الحملة من خلال زيارة الرئيس الاميركي باراك أوباما الى إسرائيل ووصفه من هناك 5 مرات حزب الله بـ " الإرهابي ". تبع ذلك قرار الإتحاد الاوروبي الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب. وتخلل الموقفين موقف خليجي ضد الحزب امتدت آثاره على عدد من اللبنانيين المتهمين بالقرب من الحزب في الخليج حيث تم إبعاده من مراكز أعمالهم. - سادساً، تأتي العملية في أعقاب معلومات عن وصول أسلحة متطورة جدا لحزب الله عبر سورية. هذه الأسلحة كانت إسرائيل قد دمرت جزءا منها ولكن جزءا آخر قد وصل وهو من النوع الذي قد يحول المعادلة الاستراتيجية، الأمر الذي دفع نصرالله الى القول سابقاً أن المقاومة هذه المرة ستدخل الى فلسطين، وأضاف أن عصر الهزائم قد ولّى. - سابعاً، يأتي التفجير بعد تصريحات علانية لمجوعات مسلحة في سورية تابعة خصوصا للنصرة أو للجيش الحر إو لأطراف من المعارضة المسلحة تهدد الحزب بالانتقام منه في الضاحية وفي بيئته الحاضنة. - ثامناً، يأتي التفجير بعد فترة قصيرة على الخطاب الأخير للرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي فاجأ الجميع بانتقاده لسلاح الحزب ودوره في سورية. - تاسعاً، لا بد من الإشارة إلى أن التفجير يأتي في مرحلة إرباك عربي كبير تتمثل بتجدد التفجيرات بعنف أكبر في العراق، ودخول مصر في حمام دم بين مؤيدي ومناهضي الرئيس المعزول محمد مرسي وذلك فيما الجيش يأخذ موقفا امنيا حاسماً ضد الإخوان المسلمين والمدافعين عنهم . هذا الإرباك الممتد من العراق الى مصر فسورية ولبنان، يجري فيما تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تمرير عملية سلام مشبوهة بين إسرائيل والفلسطينيين وسط صمت عربي أكثر شبهة. - عاشراً، وخصوصا أن التفجير يعقب إعلان الرئيس السوري بشار الأسد أن المعركة ستستمر ضد من يصفهم بالإرهابيين، ويعقب أيضاً استعدادات كبيرة بين الطرفين المتحاربين في سورية للمضي قدما في تحقيق أكبر قدر من الإنجازات. تخلل ذلك محاولة من رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان إغراء الروس بصفقة للتخلي عن الرئيس بشار الأسد، وكان نتيجة ذلك خيبة أمل سعودية من التعنت الروسي. خلاصة القول إن تفجير الضاحية يأتي في أوج صراع محورين في المنطقة، يشعر كل طرف بأن هزيمته مستحيلة. المحور الأول يضم أميركا وإسرائيل وبعض الدول العربية، والثاني يضم روسيا والصين وإيران وسورية وحزب الله. وفيما تبدو مؤشرات العلاقة الروسية الأميركية متوترة ، وزادها توترا قضية الجاسوس الأميركي سنودن الذي منح اللجوء السياسي في روسيا، فإن هذه الاضطرابات الأمنية الخطيرة من العراق الى لبنان عبر سورية، تبدو جزءا أساسا في صراع المحاور. وليس بالتالي مهمّا معرفة من الذي فجّر. الأهم هو أن المستفيد معروف.

المصدر : الميادين/ سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة