عندما قرأت مقالة الراحل الكبير نزار قباني لم أصدق نفسي ولم أنتبه الى أن حاجبي يرتفعان دهشة حتى يرتطمان بمفرق شعري ..

 

ولايقدران على الهبوط والعودة الى قواعدهما .. هل هذه قفشة من قفشات وسائل التواصل الاجتماعي وتزويرات المزورين حيث نسبوا كلامهم الى نزار؟؟ في اليوتيوب والفيسبوك والتويتر يمكنك أن تكتب حديثا للنبي يتبرع فيه بالمسجد الأقصى لبني عمران ويحذرنا فيه من زمان المفاعل النووي للفرس .. وستوزع الحديث المنسوب للنبي أجنحة الفيسبوك والتويتر وسيحمله سعاة البريد السذج ببراءة الى كل الدنيا على أنه من الصحاحين ورواه النسائي والترمذي وابن ماجة وذكره ابن الأثير مرارا في (الكامل في التاريخ).. ويمكنك أن تنقل صور مجزرة صبرا وشاتيلا وتنسبها للجيش السوري فيما تلتقط صور الجنود السوريين وهم تقبلهم الصبايا في الأحياء المحررة وتدعي انهم جنود اسرائيليون يستقبلهم" أهل السنة الذين نكل بهم حزب الله والصفويون المجوس" .. ولاتعجب أنه يمكنك في وسائل التواصل الاجتماعي أن توزع صورة لبطريق يمتطي قطعة جليد في القطب الجنوبي "وتقول انه بطريق لاجئ سوري فرّ من قمع "النظام النصيري السوري المتوحش ..

 

لكن الرسالة التي قرأتها موجهة من نزار قباني الى توفيق الحكيم بعنوان (مظاهرة ضد رمسيس الأول) لاشك أنها حقيقية ..لأن رسالة نزار ولدت قبل ولادة الفيسبوك وعائلات تويتر ويوتيوب وفيها عصير لغته ونكهة ماء الورد وومضات برقه ومفاتيحه السرية وعنفوانه والتي دافع فيها عن جمال عبد الناصر في وجه المثقفين الانتهازيين الذين تسابقوا الى طعن زعامته وزمنه بعد رحيله تماما كما يفعل المرتدون والمؤلفة قلوبهم في كل زمان ..

 

الرسالة أذهلتني في اقترابها من واقعنا وبدت محملة بعدسات التصوير التي تصور مفكري الربيع العربي .. وأذهلتني لانني لم أصادفها قبل اليوم ولم تلمحها عيناي اللتان لاتغفلان عن أي قصيدة أو مقالة جميلة ممشوقة لها قوام فتان وعينان ساحرتان تدوخان الرجال .. رسالة نزار قباني الى توفيق الحكيم صادمة في ظهورها اليوم من بين ركام الخراب العقلي والثقافي ومفكري أراجيح العيد .. وهي توبخ كل الأدباء والمثقفين المتحولين والهلاميين الذين ينتمون الى فصيلة الرخويات الثقافية والانتهازية الأدبية .. فتقول الرسالة بجلاء مامعناه أن ظاهرة المثقفين الانغماسيين أخطر من الانتحاريين الانغماسيين لأن الانغماسيين المفكرين يفجرون كل قيم الجيل الذي سار معهم والتف حولهم بمجرد أن يفجروا الأحزمة الناسفة التي تحيط بخصور كتبهم في اللحظة الحاسمة .. وهي رسالة تبوح لنا بسرّ أن ثقافة النفاق الثقافي هي ظاهرة دارجة بين المثقفين العرب منذ زمن عبد الناصر الجميل حيث الشعور بالقومية والوطنية ذوّب المذاهب واضمحلت معه الهويات الدينية .. المثقفون الانغماسيون هم الذين يميلون مع كل مائل وينعقون مع كل ناعق الى أن تحين فرصة انقضاضهم على المجتمع .. وهم في كثير من الأحيان تخدرهم رائحة النفط والثروة لا رائحة العطر ولا رائحة البارود .. وبعضهم تدوخهم رائحة كنتاكي الديمقراطية الرأسمالية وماكدونالد الحرية لا العنبر الناضح من تراب الوطن وخشب سنديانه ..

 

من يقرأ الرسالة ينعقد لسانه من الدهشة لأنها تبدو وكأنها كتبت لهذا الزمان .. أو كأن نزار قباني لم يمت وكان يختبئ في بيته الدمشقي ويتلصص علينا من بين أصائص الورد أو من فوق عريشة عنب ويضحك أو يهز رأسه أسفا .. بل يحس أحدنا أنه نهض من بين أكفان الياسمين الدمشقي ونفض عنه غبار الطلع وأوراق النارنجة التي تفيّأ تحتها في بيت طفولته الدمشقي .. وقرر أن يؤدب كل المثقفين الذين ظهروا ثوارا فجأة في دول النفط ودول الناتو ودول الفرمانات العثمانية وان يوبخهم بعنف العواصف في هذه الرسالة التي وجهها الى توفيق الحكيم الذي استحق منه تأنيبا قاسيا وحدجه فيها نزار بنظرات استخفاف وسخرية .. وفيها بعض الاحتقار والصدمة من أن كتب البعض ومؤلفاتهم الضخمة عن الحرية والثورة والوطن والروح التي بدت كالأهرامات ماهي الا طبول فارغة ضخمة .. والطبول لاتؤلف سيمفونيات للحرية مهما حاولت أن تقلد أنين الكمان .. وأن تلك الكتب التي حملتها الأجيال وتناقلتها لم تكتب بحبر ولا بماء بل بمداد الهواء والرياح ولعاب الثرثرة البلهاء ..

 

آه يانزار ... لو عدت اليوم فعلا ورأيت وسمعت كم توفيق الحكيم يوجد في صفوف المثقفين العرب .. والمفكرين العرب .. والشعراء العرب .. والروائيين العرب .. وكتاب القصة العرب .. والفنانين العرب .. والموسيقيين العرب .. الذين يتسابقون لاعلان عودة الوعي في ممالك وامارات بلا وعي ولاروح ووقفوا على ابوابها يطلبون التوبة من زمن كانوا شعراءه ومفكريه .. وكان يسكنهم مثل أرواحهم .. توبة لاتشبهها الا توبة الحكيم تماما؟؟

 

لو عدت اليوم يانزار لوجدت أن عقيدة توفيق الحكيم وتقلباته وتذبذبات وعيه وروحه هي مايمتطيه الغرب ويمتطيه ملوك الرمل ورجال أبي لهب وأبي جهل .. وأن ضمير توفيق الحكيم هو ضمير الربيع العربي .. الذي ماتت فيه الروح ومات فيه الوعي .. وبقي فيه وعي توفيق الحكيم ..الذي قتلنا جميعا .. ولم ينم بعد .. ولن نعود الا عندما يموت ..

 

ترى هل قرأ المثقفون الثورجيون المنشقون والمرتدون والرخوبات والانغماسيون العرب هذه الكلمات لنزار ؟؟ وان قرؤوا هل ياترى فهموا؟؟

 

تأملوا ماكتب نزار اذن:

 

كتب نزار قباني ردا على توفيق الحكيم الذي أعلن أنه تحرر من زمن عبد الناصر وتنكر له بعد مغازلة دامت عشرين عاما مقالة بعنوان "مظاهرة ضد رمسيس الأول" وجاء فيها:

 

هل يسامحني أستاذنا توفيق الحكيم إذا قلت له أن كتابه الأخير (عودة الوعي) ردئ جدا.. وخفيف ومتأخر ، ثم هل يسامحني إذا قلت أن كتابه قدم للناس على أنه عمل من أعمال التحدي وهو في الأساس لا يتحدى أحدا ، لأن التحدي يفترض وجود الخصم والخصم ينام الان تحت رخامة قبر في ضاحية منشية البكري في القاهرة.

الكتاب ردئ جدا لأنه لا يضيف شيئا إلى ما كان يقال في الشارع والمقهى على لسان العوام ، فهو ريبورتاج صحفي خفيف ليس فيه من توفيق الحكيم القديم شئ، إنه مجرد (ثرثره فوق النيل) تجري داخل عوامة مغلقة بين مجموعة من المعدومين الذين يعتبرون الثقافة نوعا من الفانتازيا.

الكتاب متأخر جدا لأن الاستاذ توفيق فكر في أداء فريضة الحج بعد عودة الناس من الديار المقدسة لذلك فهو لا يستحق الثواب، لقد تصرف توفيق الحكيم كما يتصرف العاشق حين يحتفظ بمكاتيب عشقه عشرين عاما ثم يخطر له فجأه أن يبيع رسائل حبيبته في المزاد العلني.

والنقطة الفضيحة في كتابه "عودة الوعي" هي محاولته إقناعنا أنه كان خلال أعوام الثوره واقعا تحت تأثير السحر ومنوما تنويما مغناطيسيا، فكيف يمكن لكاتب كبير أن ينزلق إلى هذا المنطق الطفولي ويقول بكل بساطه أنه كان مسطولا ومهبولا ومجذوبا وواقعا تحت تاثير السحر طيلة عشرين عاما، وإذا كان الحكيم يقول هذا الكلام العامي الغيبي الخرافي فماذا يقول ملايين البسطاء الذين لا يعرفون تفكيك حروف أسمائهم في العالم العربي؟!

المهم أن نملك الشجاعة كي نقول لرمسيس خلال فترة حكمه أنه ملك ظالم وأن نقول لرمسيس خلال فترة رئاسته أنه ديكتاتور، لكن الأديب الحقيقي لا يساوم ولا يختبئ تحت اللحاف أثناء البرد والظلم، والشجاع لا ينتظر رحيل العاصفة حتى يخرج ليصطاد السمك.

قد يقول الحكيم أن العمر قد تقدم به والشيخوخة لا تسمح بمواجهة السلطان وسجون السلطان وزبانية السلطان، وهذا قول مردود عليه لأنه ليس من المعقول أن يشيخ الحكيم في الفترة الواقعة بين 22/7/1952 وتاريخ 22/7/1972 ثم يعود شابا بعد هذه الفتره يلعب اليوجا ويصارع الثيران ويطلق الرصاص.

وإذا كان الحكيم معارضا لسياسة رمسيس وأسلوبه في الحكم فلماذا بقى في منصبه الكبير في جريدة الأهرام؟! ولماذا لم يرفض وسام رمسيس ويعلن سبب رفضه أمام الرأي العام؟! ولكن وسام رمسيس ظل على صدر الحكيم يتباهى به أمام الجميع ويفتخر أن رمسيس كرمه..

"مصر يا أم الصابرين إنني أعتذر إليكِ باسم كل الكتاب الذين خرجوا بعد عشرين عاما من غرفة التخدير وقرروا أن يسيروا في مظاهرة ضد المغفور له "الملك رمسيس الأول

 

===================

 

ملاحظة: هناك كثيرون ممن سيقرؤون هذه المقالة سيدركون أنها تعنيهم .. لأنهم نسفوا كتبهم ومؤلفاتهم وأشعارهم وذبحوا ماقالوه من مدائح وتدافعوا الى بلاط الملوك والأمراء وانضموا الى ديكورات الليبرالية الغربية .. وأنا على يقين أنهم لن يحقدوا عليّ ولكنهم سيحقدون أكثر على نزار قباني وسيبحثون عنه ليقتلوه ويذبحوا الياسمين على شبابيك كتبه .. ويهدروا دم قصائده .. لأنه احتقرهم حيا وميتا .. وهزمهم حيا وميتا .. وذكّرهم أنهم من صغار الرخويات وكبار الطبول .. وأنهم لايقدرون على عزف سيمفونية الحرية .. فالطبل طبل ولو مررت على بطنه عصا الكمان ..

  • فريق ماسة
  • 2015-12-21
  • 6691
  • من الأرشيف

رسالة مذهلة من نزار قباني الى مثقفي الربيع العربي .. الانغماسيون خارج غرفة التخدير..

عندما قرأت مقالة الراحل الكبير نزار قباني لم أصدق نفسي ولم أنتبه الى أن حاجبي يرتفعان دهشة حتى يرتطمان بمفرق شعري ..   ولايقدران على الهبوط والعودة الى قواعدهما .. هل هذه قفشة من قفشات وسائل التواصل الاجتماعي وتزويرات المزورين حيث نسبوا كلامهم الى نزار؟؟ في اليوتيوب والفيسبوك والتويتر يمكنك أن تكتب حديثا للنبي يتبرع فيه بالمسجد الأقصى لبني عمران ويحذرنا فيه من زمان المفاعل النووي للفرس .. وستوزع الحديث المنسوب للنبي أجنحة الفيسبوك والتويتر وسيحمله سعاة البريد السذج ببراءة الى كل الدنيا على أنه من الصحاحين ورواه النسائي والترمذي وابن ماجة وذكره ابن الأثير مرارا في (الكامل في التاريخ).. ويمكنك أن تنقل صور مجزرة صبرا وشاتيلا وتنسبها للجيش السوري فيما تلتقط صور الجنود السوريين وهم تقبلهم الصبايا في الأحياء المحررة وتدعي انهم جنود اسرائيليون يستقبلهم" أهل السنة الذين نكل بهم حزب الله والصفويون المجوس" .. ولاتعجب أنه يمكنك في وسائل التواصل الاجتماعي أن توزع صورة لبطريق يمتطي قطعة جليد في القطب الجنوبي "وتقول انه بطريق لاجئ سوري فرّ من قمع "النظام النصيري السوري المتوحش ..   لكن الرسالة التي قرأتها موجهة من نزار قباني الى توفيق الحكيم بعنوان (مظاهرة ضد رمسيس الأول) لاشك أنها حقيقية ..لأن رسالة نزار ولدت قبل ولادة الفيسبوك وعائلات تويتر ويوتيوب وفيها عصير لغته ونكهة ماء الورد وومضات برقه ومفاتيحه السرية وعنفوانه والتي دافع فيها عن جمال عبد الناصر في وجه المثقفين الانتهازيين الذين تسابقوا الى طعن زعامته وزمنه بعد رحيله تماما كما يفعل المرتدون والمؤلفة قلوبهم في كل زمان ..   الرسالة أذهلتني في اقترابها من واقعنا وبدت محملة بعدسات التصوير التي تصور مفكري الربيع العربي .. وأذهلتني لانني لم أصادفها قبل اليوم ولم تلمحها عيناي اللتان لاتغفلان عن أي قصيدة أو مقالة جميلة ممشوقة لها قوام فتان وعينان ساحرتان تدوخان الرجال .. رسالة نزار قباني الى توفيق الحكيم صادمة في ظهورها اليوم من بين ركام الخراب العقلي والثقافي ومفكري أراجيح العيد .. وهي توبخ كل الأدباء والمثقفين المتحولين والهلاميين الذين ينتمون الى فصيلة الرخويات الثقافية والانتهازية الأدبية .. فتقول الرسالة بجلاء مامعناه أن ظاهرة المثقفين الانغماسيين أخطر من الانتحاريين الانغماسيين لأن الانغماسيين المفكرين يفجرون كل قيم الجيل الذي سار معهم والتف حولهم بمجرد أن يفجروا الأحزمة الناسفة التي تحيط بخصور كتبهم في اللحظة الحاسمة .. وهي رسالة تبوح لنا بسرّ أن ثقافة النفاق الثقافي هي ظاهرة دارجة بين المثقفين العرب منذ زمن عبد الناصر الجميل حيث الشعور بالقومية والوطنية ذوّب المذاهب واضمحلت معه الهويات الدينية .. المثقفون الانغماسيون هم الذين يميلون مع كل مائل وينعقون مع كل ناعق الى أن تحين فرصة انقضاضهم على المجتمع .. وهم في كثير من الأحيان تخدرهم رائحة النفط والثروة لا رائحة العطر ولا رائحة البارود .. وبعضهم تدوخهم رائحة كنتاكي الديمقراطية الرأسمالية وماكدونالد الحرية لا العنبر الناضح من تراب الوطن وخشب سنديانه ..   من يقرأ الرسالة ينعقد لسانه من الدهشة لأنها تبدو وكأنها كتبت لهذا الزمان .. أو كأن نزار قباني لم يمت وكان يختبئ في بيته الدمشقي ويتلصص علينا من بين أصائص الورد أو من فوق عريشة عنب ويضحك أو يهز رأسه أسفا .. بل يحس أحدنا أنه نهض من بين أكفان الياسمين الدمشقي ونفض عنه غبار الطلع وأوراق النارنجة التي تفيّأ تحتها في بيت طفولته الدمشقي .. وقرر أن يؤدب كل المثقفين الذين ظهروا ثوارا فجأة في دول النفط ودول الناتو ودول الفرمانات العثمانية وان يوبخهم بعنف العواصف في هذه الرسالة التي وجهها الى توفيق الحكيم الذي استحق منه تأنيبا قاسيا وحدجه فيها نزار بنظرات استخفاف وسخرية .. وفيها بعض الاحتقار والصدمة من أن كتب البعض ومؤلفاتهم الضخمة عن الحرية والثورة والوطن والروح التي بدت كالأهرامات ماهي الا طبول فارغة ضخمة .. والطبول لاتؤلف سيمفونيات للحرية مهما حاولت أن تقلد أنين الكمان .. وأن تلك الكتب التي حملتها الأجيال وتناقلتها لم تكتب بحبر ولا بماء بل بمداد الهواء والرياح ولعاب الثرثرة البلهاء ..   آه يانزار ... لو عدت اليوم فعلا ورأيت وسمعت كم توفيق الحكيم يوجد في صفوف المثقفين العرب .. والمفكرين العرب .. والشعراء العرب .. والروائيين العرب .. وكتاب القصة العرب .. والفنانين العرب .. والموسيقيين العرب .. الذين يتسابقون لاعلان عودة الوعي في ممالك وامارات بلا وعي ولاروح ووقفوا على ابوابها يطلبون التوبة من زمن كانوا شعراءه ومفكريه .. وكان يسكنهم مثل أرواحهم .. توبة لاتشبهها الا توبة الحكيم تماما؟؟   لو عدت اليوم يانزار لوجدت أن عقيدة توفيق الحكيم وتقلباته وتذبذبات وعيه وروحه هي مايمتطيه الغرب ويمتطيه ملوك الرمل ورجال أبي لهب وأبي جهل .. وأن ضمير توفيق الحكيم هو ضمير الربيع العربي .. الذي ماتت فيه الروح ومات فيه الوعي .. وبقي فيه وعي توفيق الحكيم ..الذي قتلنا جميعا .. ولم ينم بعد .. ولن نعود الا عندما يموت ..   ترى هل قرأ المثقفون الثورجيون المنشقون والمرتدون والرخوبات والانغماسيون العرب هذه الكلمات لنزار ؟؟ وان قرؤوا هل ياترى فهموا؟؟   تأملوا ماكتب نزار اذن:   كتب نزار قباني ردا على توفيق الحكيم الذي أعلن أنه تحرر من زمن عبد الناصر وتنكر له بعد مغازلة دامت عشرين عاما مقالة بعنوان "مظاهرة ضد رمسيس الأول" وجاء فيها:   هل يسامحني أستاذنا توفيق الحكيم إذا قلت له أن كتابه الأخير (عودة الوعي) ردئ جدا.. وخفيف ومتأخر ، ثم هل يسامحني إذا قلت أن كتابه قدم للناس على أنه عمل من أعمال التحدي وهو في الأساس لا يتحدى أحدا ، لأن التحدي يفترض وجود الخصم والخصم ينام الان تحت رخامة قبر في ضاحية منشية البكري في القاهرة. الكتاب ردئ جدا لأنه لا يضيف شيئا إلى ما كان يقال في الشارع والمقهى على لسان العوام ، فهو ريبورتاج صحفي خفيف ليس فيه من توفيق الحكيم القديم شئ، إنه مجرد (ثرثره فوق النيل) تجري داخل عوامة مغلقة بين مجموعة من المعدومين الذين يعتبرون الثقافة نوعا من الفانتازيا. الكتاب متأخر جدا لأن الاستاذ توفيق فكر في أداء فريضة الحج بعد عودة الناس من الديار المقدسة لذلك فهو لا يستحق الثواب، لقد تصرف توفيق الحكيم كما يتصرف العاشق حين يحتفظ بمكاتيب عشقه عشرين عاما ثم يخطر له فجأه أن يبيع رسائل حبيبته في المزاد العلني. والنقطة الفضيحة في كتابه "عودة الوعي" هي محاولته إقناعنا أنه كان خلال أعوام الثوره واقعا تحت تأثير السحر ومنوما تنويما مغناطيسيا، فكيف يمكن لكاتب كبير أن ينزلق إلى هذا المنطق الطفولي ويقول بكل بساطه أنه كان مسطولا ومهبولا ومجذوبا وواقعا تحت تاثير السحر طيلة عشرين عاما، وإذا كان الحكيم يقول هذا الكلام العامي الغيبي الخرافي فماذا يقول ملايين البسطاء الذين لا يعرفون تفكيك حروف أسمائهم في العالم العربي؟! المهم أن نملك الشجاعة كي نقول لرمسيس خلال فترة حكمه أنه ملك ظالم وأن نقول لرمسيس خلال فترة رئاسته أنه ديكتاتور، لكن الأديب الحقيقي لا يساوم ولا يختبئ تحت اللحاف أثناء البرد والظلم، والشجاع لا ينتظر رحيل العاصفة حتى يخرج ليصطاد السمك. قد يقول الحكيم أن العمر قد تقدم به والشيخوخة لا تسمح بمواجهة السلطان وسجون السلطان وزبانية السلطان، وهذا قول مردود عليه لأنه ليس من المعقول أن يشيخ الحكيم في الفترة الواقعة بين 22/7/1952 وتاريخ 22/7/1972 ثم يعود شابا بعد هذه الفتره يلعب اليوجا ويصارع الثيران ويطلق الرصاص. وإذا كان الحكيم معارضا لسياسة رمسيس وأسلوبه في الحكم فلماذا بقى في منصبه الكبير في جريدة الأهرام؟! ولماذا لم يرفض وسام رمسيس ويعلن سبب رفضه أمام الرأي العام؟! ولكن وسام رمسيس ظل على صدر الحكيم يتباهى به أمام الجميع ويفتخر أن رمسيس كرمه.. "مصر يا أم الصابرين إنني أعتذر إليكِ باسم كل الكتاب الذين خرجوا بعد عشرين عاما من غرفة التخدير وقرروا أن يسيروا في مظاهرة ضد المغفور له "الملك رمسيس الأول   ===================   ملاحظة: هناك كثيرون ممن سيقرؤون هذه المقالة سيدركون أنها تعنيهم .. لأنهم نسفوا كتبهم ومؤلفاتهم وأشعارهم وذبحوا ماقالوه من مدائح وتدافعوا الى بلاط الملوك والأمراء وانضموا الى ديكورات الليبرالية الغربية .. وأنا على يقين أنهم لن يحقدوا عليّ ولكنهم سيحقدون أكثر على نزار قباني وسيبحثون عنه ليقتلوه ويذبحوا الياسمين على شبابيك كتبه .. ويهدروا دم قصائده .. لأنه احتقرهم حيا وميتا .. وهزمهم حيا وميتا .. وذكّرهم أنهم من صغار الرخويات وكبار الطبول .. وأنهم لايقدرون على عزف سيمفونية الحرية .. فالطبل طبل ولو مررت على بطنه عصا الكمان ..

المصدر : نارام سرجون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة